موسكو لا تثق بالدموع - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موسكو لا تثق بالدموع

نشر فى : الثلاثاء 17 يوليه 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 يوليه 2018 - 9:15 م

إن كان لفشل «صفقة القرن» الأمريكية للسلام من مغزى، فهو أن ملف الشرق الأوسط ليس بالبساطة والاستسهال اللذين تولَّدا فى مخيلة الثلاثى الصهيونى مستشار الرئيس الأمريكى صهره جاريد كوشنير، والمبعوث الخاص لعملية السلام فى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، والسفير الأمريكى لدى إسرائيل ديفيد فريدمان. كما أن حسم ملف القدس وإطلاق يد إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية بالاستيطان والقمع، فى مقابل «رشوة مالية» تحت عنوان تحسين الاقتصاد أو الأوضاع الإنسانية فى قطاع غزة، ليسا إلا وصفة لفشل مدوٍّ.

صحيح أن الولايات المتحدة تحتكر عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل ولا تسمح لأى قوة دولية أخرى بالتدخل، وأن أحدا لا يجرؤ على تجاوز الهيمنة الأمريكية، لكن ذلك لا ينفى أن فشل «صفقة القرن»، الذى لا يختلف اثنان فى صدده، يُبقى الباب مفتوحا أمام تدخل قوى أخرى لتعديل الصفقة أو عرض وساطة أو مبادرة جديدة، مثلما عرضت الصين أخيرا، وقبلها أوروبا.

روسيا، بحكم كونها لاعبا أساسيا فى العالم، خصوصا بعد الانكفاء الأمريكى، منهمكة بوساطات. ومَن يتابع تقاطر زعماء العالم على موسكو، وإمساكها بكثير من الخيوط، على رأسها الملفان السورى والإيرانى، يُدرك الآتى من الأدوار. لها موقف واضح ومعروف إزاء الصراع العربى ــ الإسرائيلى بتأييد حلّ الدولتين وتوسيع المشاركة الدولية فى التسوية، والقدس عاصمة للدولتين. والأهم أنها، خلافا لأمريكا، لا تتعامل من موقع من يُحابى إسرائيل ومصالحها، بل من منطلق مصالح دول وقوى إقليمية. وتتناسب قوة موسكو طرديا مع كل فشلٍ يُسجل فى مساعى السلام الأمريكية، بل يمكن القول إن الجمود الذى وصلت إليه «صفقة القرن» لن يزول إلا بنزع صفة التفرد الأمريكى، والسماح للقوى الدولية الأخرى بلعب دور. وبوابة هذه المشاركة الدولية هى موسكو.

فشلُ «صفقة القرن» مرتبط بالوضع فى سوريا. موسكو هى المنتصر النسبى، وهى مفتاح نجاح الحصار على إيران أو فشله، ولهذا يركض نتنياهو إلى موسكو كما ركض غيره. بمعنى آخر، «صفقة القرن» هى حل إقليمى. يكفى القول إن تمريرها غير ممكن من دون تسوية للمسألتين السورية والإيرانية، ما يعيد القضية إلى فكرة الشرق الأوسط الجديد. وإذا كان لا بد من هذا الجديد، فنتنياهو يعتقد أن إسرائيل يجب أن تكون قاطرته!

لكن ثلاث محاولات لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى موسكو خلال ستة أشهر، لم تنجح. والمرونة التى أبداها فى شأن اقتراب قوات النظام السورى من الحدود مع الجولان، وعرضه مقايضة بقاء الرئيس بشار الأسد فى الحكم فى مقابل خروج إيران من كل الأراضى السورية، لم يلقيا تجاوبا روسيا، ليس لأن المقايضة مرفوضة كمبدأ للتفاوض، بل لأن إسرائيل تهرُب إلى مسألة الوجود والخطر الإيرانييْن، لتجاوز العقدة الأساسية، أى القضية الفلسطينية. فموسكو لا تثق بدموع نتنياهو بل بالحقائق، وعلى رأسها القضية الفلسطينية كأولوية، وليس الهرب إلى أمام بـ «أسطرة» القوة الإيرانية.

عاد نتنياهو من زيارة موسكو خائبا فى الملفيْن السورى والإيرانى، يفضحه وجهه، كما تصريحاته. فلو كان هناك اتفاق لما أبدت روسيا قلقها من احتمالات تصعيد إسرائيلى فى سوريا. يبقى أن ننتظر نتائج محادثات الرئيس محمود عباس مع الرئيس فلاديمير بوتين، التى أعقبت زيارة نتنياهو، وستتطرق إلى مسألة القدس.

فى خضم التحرك الروسى النشط، ستجد أمريكا، والحال هذه، نفسها مجبرة على التقدم بتسوية منطقية تحول دون الشكوى الدولية من الجمود السياسى بسبب فشل «صفقة القرن». بمعنى العمل لتحسين شروط الصفقة.

هذه الملفات تبقى رهنا بمخرجات قمة هلسنكى بين الرئيسين دونالد ترامب وبوتين. فهل تكون القمة على غرار مؤتمر «يالطا» مصغر يشهد تقاسم النفوذ فى المنطقة تحت عنوان «الاستقرار العالمى» بدل «السلم العالمى» الذى استقر منهجا لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية؟

فاتنة الدجانى
الحياة ــ لندن

التعليقات