الخديو إسماعيل والديون - محمد مكى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخديو إسماعيل والديون

نشر فى : السبت 17 فبراير 2018 - 10:40 م | آخر تحديث : السبت 17 فبراير 2018 - 10:40 م

على الرغم من عظمة المبانى والقصور التى تركها الخديو إسماعيل، ورغبته فى أن تكون مصر قطعة من أوروبا، حيث تعلَّم، فإنه كان سببا رئيسيا فى خضوع مصر تحت وطأة الاحتلال الإنجليزى والفرنسى، بعد تراكم الديون. فكلما أعوزه المال يستدين بفوائد باهظة جالبة للخراب، وزادت هذه الفوائد الربوية فى أواخر سنة 1875 وأوائل سنة 1876، ما دفع الحكومة إلى أداء أقساط الديون المتراكمة وفوائدها، فكانت تتحايل للحصول على المال بأية وسيلة، ومنها الاستدانة بواسطة السندات على الخزانة بفوائد فاحشة، بدأت بعائد 7% ثم وصلت إلى 27%.

مصر فى السنوات الخمس الاخيرة تتسارع فى وتيرة الدين الخارجى إلى أرقام مزعجة للغاية، لتبلغ أكثر من 35% من الناتج الإجمالى، وكانت لا تتجاوز 14% فى السابق، ما يعد خطرا كبيرا، قبل عام ونصف العام قال الرئيس إنه يجب التوقف عنها، وأن يكون فى أضيق نطاق، لكان ما حدث بعد دلك خالف ما قيل، فقد تجاوز الدين الخارجى نحو 80.8 مليار دولار بنهاية الربع الأول من السنة المالية 2017 ــ 2018 بزيادة 2.3 % مع أنباء تؤكد أنه قد يزيد إلى أكثر من 100 مليار دولار بنهاية العام، فقد تم اقتراض 4 مليارات دولار قبل أيام تسدد 7.25 مليار، والبقية تأتى.. والجهة المختصة ما‭ ‬زالت ترى أنه فى الحدود الآمنة وفقا للمعايير الدولية، وأنه استُخدم فى التنمية، وأنه جنَّب البلاد كوارث كبرى. وللأسف يرى بعض المسئولين أن إقبال المستثمرين الأجانب على شراء أدوات الدين دليل قوة للاقتصاد.. متجاهلين أن عائد التسعير المرتفع هو السر، ولتتحمل الأجيال القادمة تكلفة الدين وفوائده، ناهيك عن الشروط التى لا يخلو منها تمويل أو دين.

يقظة الأجهزة الرقابية فى تتبع صرف الأموال ومتابعة الرئيس بنفسه، كما قال، أمر جيد، ومخالف لما كان عليها الخديو إسماعيل، فلم يكن يدقق أو يعارض فى الحسابات التى يقدمها له الماليون والسماسرة.. لكن استمرار سياسة الاقتراض للصرف على المشاريع الكبرى يتكرر فى الحالتين، وهو ما يجب أن تعيه الدولة فى الوقت القريب، ولا تترك نفسها غنيمة للأسواق وبنوك الاستثمار التى تلعب فقط لصالح المستثمرين دافعى العمولة.. وأن تكون هناك أولويات للصرف بعيدة عن الفكرة التى ترسخت عن قيام رؤساء مصر منذ عشرات السنين، على استغلال مشروعات البنية التحتية الضخمة لإشاعة شعور عام بإنجاز وطنى وإرادة اقتصادية، على نسق ما كان يفعله أسلافهم الفراعنة.

كانت إنجلترا سيدة العالم إبـَّان ولاية اسماعيل فى مقدمة الدول التى استجابت لضغط الدائنين عليه، ورأت فى ذلك فرصة لتحقيق أطماعها السياسية فى الاستيلاء على مصر، التى كانت لديها منذ أيام الحملة الفرنسية 1798 م وحملة فريزر 1807م وخاصةً بعد افتتاح قناة السويس للملاحة. ومن هنا استغلت إنجلترا أصحاب الديون للتدخل باسمهم فى شئون البلاد لتحقيق الغرض النهائى وهو الاحتلال.. وهو أمر لن يتكرر أبدا إن شاء الله.

الديون أنهت فترة مزدهرة من تاريخ مصر وبدأت فترة أخرى كئيبة بدأت بالديون وأعقبها الاحتلال الإنجليزى، ثم الحرب العالمية الأولى وما صاحبها من فرض الحماية البريطانية على مصر، ثم الحرب العالمية الثانية وما أعقبها من حرب فلسطين.. الديون لا تبنى أوطانا، العمل والاعتماد على مقومات داخلية هو السند، فرضاء الدائن مؤقت، وسرعان ما يتبدد مع أول وعكة.. والعاقل من اعتبر من تاريخ أسلافه.

التعليقات