12 ــ أنوار الفقه المالى ــ المال الحلال (2) - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

12 ــ أنوار الفقه المالى ــ المال الحلال (2)

نشر فى : الخميس 17 يناير 2019 - 10:15 م | آخر تحديث : الخميس 17 يناير 2019 - 10:15 م

كل الناس يعرفون الفرق بين الحلال والحرام. فالحلال هو ما وصل إليك من ميراث نظيف أو مقابل جهد شريف أو هدية بريئة تقدر على ردها. وكذلك ما يصل إلى صاحب الضرورة من زكاة أو صدقة، فالزكاة والصدقات حلال لمن لا يملك ولا يقدرعلى الكسب، أو لم يجد عملاء يؤديه. فذلك كله حلال. ومن علامات «المال الحلال» أن يتداوله صاحبه مع الآخرين ظاهرا واضحا لا يحتاج إخفاءه ولا تداوله بعيدا عن الأعين، ولماذا يخفيه وقد جاءه من مصدر حلال صحيح. وكان شيوخنا رحمهم الله يبالغون فى تحذيرنا وتعليمنا معنى الحلال وضرورة معرفته وتمييزه من خلال مثل غاية فى الغرابة. فقد قالوا لنا ــ فى الكتاب ــ ونحن دون العاشرة من العمر كيف لا تعلم الحلال من الحرام، والقطط تعرف الحلال من الحرام؟! ويشرحون: «ضع بيدك فرخة كاملة للقطة لتأكلها، وستجد القطة تأكل الفرخة بجوارك، وعلى مهل، ودون خوف من أى مصدر ما دمت قد أعطيتها بيدك، ولكن انظر إلى نفس القطة إذا خطفت جرامات قليلة من غير إذنك.. سوف تراها سريعة الهروب خائفة من المطاردة محتمية بالبعد عن الجميع.. لماذا؟ لأنها تشعر أنها فعلت ما ليس من حقها!!! هكذا كان الأساتذة يلقنون الأطفال كيفية التعرف على الحلال واستعماله وضرورة البعد عن الحرام.
ــ1ــ
ومن علامات الحلال ألا تبالغ فى تقدير مستحقاتك وتقدير أجرك، فإن ذلك عدوان على مال المحتاج لخدماتك، فتنال من ماله قدرا يؤثر عليه ظنا منك أنه ما دام قد وافق أو حضر فهو قادر وراغب، ويقول المسرفون: (نحن لم نجبره، بل هو الذى اختار)!! وماذا يفعل المحتاج لما عندك، فاحذر أن تبالغ فى عوائدك (الأجر ــ المكافأة ــ الربح ــ المقابل) فذلك يحول بينك وبين الحلال.. وأنت ترى من يتقى الله فى احتساب أجره، تراه ينفق ماله فيما ينفعه دون ضرر، وترى المبالغين فى تقدير أنفسهم تذهب أموالهم علاجا ودواء، وصيانة، وسرقة، بل نرى بيوتا تتفسخ (الطلاق / الخلع) لأنها نشأت من أموال غير حلال.
ــ2ــ
قد تمر بعض البلاد بأزمات سياسية واقتصادية تجعل ممارسة النشاط عملا ثقيلا أو كما يقولون «غير مجز». إذ يعانون مشاكل الإنتاج مثل «صعوبات الاستيراد» وقيود الحكومات على العمل والمال (المبالغة فى الرسوم والتأمنيات والضرائب) فضلا عن مساوئ العمالة (غير مدربة ــ غير متخصصة ــ غير ملتزمة إلخ) ثم بعد ذلك صعوبات التوزيع والبيع وتضخم تكلفة الحملات الإعلانية.. فيتصور البعض عدم الجدوى ويعطى لنفسه الحق فى إيقاف النشاط و«تسييل الأموال» وإيداعها فى البنوك طلبا لربح مضمون بين 12و15 % دون أدنى مصروفات ولا مجهودات ولا أى معاناة !!!.. هكذا يتصور أن الله خلق الإنسان للراحة وغير ذلك استثناء !!! لو سأل هذا الرجل نفسه: ماذا لو أغلق الطبيب عيادته واكتفى بعائد البنك، فمن يعالج مثل هذا الرجل المرتاح من العمل؟! ولو باع الزارع أرضه لمن يبنيها ووضع المال فى البنك، فمن أين يأتيه الطعام؟! لذلك تتفق جميع الحضارات والمسلمون معهم أن «عائد البنك» بجميع أنواعها أينما وجدت لاستثمار «أموال العاجزين» وكانوا سابقا يتولون على العائد «ربح النساء» فاحذر ذلك وتحمل المشاق لأن الله جل جلاله يقول: ((لقد خلقنا الإنسان فى كبد)) أى تعب.
ــ 3 ــ
وما زلنا نبحث عن مقومات «الحلال» فنسأل أنفسنا عن معنى حرية الكسب وهى فرع على حرية «العمل والاستثمار». فهل يستطيع العاقل الاكتفاء بالبعد عن المحرمات (الخمور ــ الميسر ــ الخنزير ــ المخدرات ــ الممنوعات) ثم هو حر بعد ذلك أن يستثمر فى أى سلعة، وفى أى مجتمع؟ وذلك موضوع آخر أرجو أن نناقشه مرة ثانية.
يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات