«المربع».. ذلك الآخر الذى نسمع عنه! - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«المربع».. ذلك الآخر الذى نسمع عنه!

نشر فى : الخميس 16 نوفمبر 2017 - 9:20 م | آخر تحديث : الخميس 16 نوفمبر 2017 - 9:20 م
ليس مألوفا أن تُعالج الأفكار العميقة بمثل هذه الطريقة الساخرة المبتكرة، وليس مألوفا أن نضحك فى فيلم سويدى! أتحدث عن فيلم «the square» أو «المربع» الذى أخرجه «روبن أوستلوند»، وعرض فى بانوراما الفيلم الأوربى العاشرة، وهو الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية فى مهرجان كان 2017.

معالجة الفيلم اللامعة لفكرة العلاقة بالآخر كانت نقطة التميز والتفرد؛ لأن بطلنا «كريستيان» يتعرض طوال الفيلم لاختبار لكل أفكاره النظرية، يصبح فجأة فى قلب الواقع، بعد أن كان منعزلا تقريبا داخل متحف الفن الحديث، الذى يعمل مديرا له.

الفكرة هنا تأخذ ترجمتها الدرامية عبر مستويين: معرض يُنظمه كريستيان لفنانة من الأرجنتين يحمل اسم «المربع»، ومعرض حياة كريستيان نفسه، الذى يبدو داخل «مربع» خاص لا يخرج عنه، الفنانة ترى فى المربع تعبيرا عن شكل مغلق يتمتع كلُ من بداخله بالثقة والاهتمام، وكذلك بحقوق وواجبات متساوية.

من الواضح أن كريستيان ــ وهو منفصل عن زوجته، وأب لطفلتين ــ مؤمن بفكرة المربع أيضا، وهو إلى حد ما يحاول أن يهتم بالآخر، يستمع إلى معاونيه مثلا، ولكن سرقة محفظته، وجهاز التليفون المحمول الخاص به، يدخله فعليا فى تجربة، وخصوصا أن سرقته تمت استغلالا لمحاولته إنقاذ الآخر.

سيزيد التورط عندما يقتنع كريستيان بفكرة زميله بأن يكتب خطابات تهديد لكل سكان البناية المشتبه فى وجود السارق بها، يتبدد المربع الخاص بكريستيان، لا يصبح الآخر داخل حدود المربع، ولا يبقى محلا للثقة والاهتمام. البناية يسكنها مهاجرون لا يعرفهم كريستيان، وعلى الرغم من نجاح حيلة التهديد الجماعى فى استعادة المسروقات، فإنها تدفع طفلا مهاجرا لتهديد كريستيان مطالبا بالاعتذار له، الآخر يعود من جديد، وفى صورة طفل جسور لا يطلب سوى إبراء ساحته أمام والديه، من اتهام كريستيان العشوائى.

لا يتوقف الفيلم عن السخرية من علاقة كريستيان بالآخر: علاقته مع عشيقته الأمريكية، هو يراها علاقة عابرة وهى ترفض ذلك، علاقته مع ابنتيه، يحاول أن يسيطر على مشاجراتهما من دون جدوى، هناك فشل لحياته الخاصة نشعر به، ثم يترجم أخيرا إلى فصل من العمل!

هناك سخرية مريرة أيضا من عالم المتحف المغلق، الفن يبدو منعزلا فى مربعه الخاص أيضا، وسط ثقافة الإعلان والاستهلاك، العلاقة بالآخر فى هذا الفيلم تبدو هشة، وقابلة للانهيار عند أول اهتزاز، وعلى الرغم من إداركنا أننا جميعا داخل مربع واحد، فإننا لا نثق فى الآخر، ولا نتساوى فى الحقوق والواجبات، والمسافة هائلة بين ما نردده، وما نفعله.

لدينا دوما مشاهد ساخرة مدهشة، تنبع أساسا من الجدية، ففى وسط لقاء عن الفن الحديث تتناثر الشتائم، وفى حفل لجمع التبرعات للمتحف، يتدافع أصحاب الأناقة للوصول إلى البوفيه، ويظهر القرد مرتين: مرة فى بيت العشيقة الأمريكية، ومرة فى شكل عرض فنى يؤديه رجلٌ فى حفل يحضره صفوة المجتمع!

المعنى هنا هو التعبير عن بديل حالة التعاون فى مجتمع واحد، سنعود إذن إلى حالة الغابة، حيث يظهر الإنسان القرد المخيف فى مشهد الحفلة الكابوسى فى قلب الواقع، يثير هذا الإنسان الذعر والفزع، ولا يتحرك الجميع معا إلا بعد أن يحاول الاعتداء على سيدة، سؤال المشهد المهم هو سؤال الفيلم كله: هل تريدون العودة إلى الغابة وإلى زمن الإنسان القرد؟ ولماذا لا نتحرك معا إلا عندما تسوء الأمور؟

ربما يحتاج فيلمنا إلى بعض التكثيف، وضبط الاستطراد، والاستغراق والإلحاح أحيانا على الفكرة على الرغم من وضوحها، ولكننا أمام عمل ممتع بشكل عام، كريستيان سيبحث عن الآخر ليعتذر، لن يكون المربع الذى يعيش فى حدوده الجميع مجرد عمل فنى فى متحف لا يزوره أحد، سيصبح فلسفة حياة واقعية: أن تنقذ إنسانا فإنما تنقذ نفسك، وإذا كان هناك من يخذل ثقتك فى موقف أو حالة، فإن آخرين جديرون بالثقة والاهتمام، ثم ألا تلاحظ معى أخيرا أن الحكاية كلها تُروى من نافذة «مربع» آخر صغير، هو ذلك الكادر الذى يتكون منه الفيلم السينمائى الخطير؟

إذن فانظر واستمتع، وتأمل الآخرين، مثلما تتأمل نفسك.

 

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات