تصدع العلاقات الأمريكية - التركية - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تصدع العلاقات الأمريكية - التركية

نشر فى : الخميس 16 أغسطس 2018 - 10:15 م | آخر تحديث : الخميس 16 أغسطس 2018 - 10:15 م

نشر موقع مجلة «فورين بوليس» مقالا للباحث الأمريكى المتخصص فى الشرق الأوسط «ستيفن كوك» حول توتر العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا على خلفية أزمة القس الأمريكى «أندرو برونسون»، وما نتج عنها من تدهور قيمة العملة التركية «الليرة» أمام الدولار.
بداية يشير الباحث إلى مقال الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» فى صحيفة النيويورك تايمز، الذى نشر يوم الجمعة الماضى، عن شكاوى بلاده تجاه الولايات المتحدة. حيث أثار الرئيس التركى مخاوف الأتراك سواء قادة أو مواطنون من سياسة الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن «أردوغان» تحدث عن نصف القصة فقط تاركا قراءه يعتقدون أن واشنطن ضحت بحليف وشريك موثوق فيه. ولطالما تمتلك الولايات المتحدة قائمة تحتوى على تحفظاتها تجاه تركيا، ويرجع الفضل فى ذلك إلى إدارة «دونالد ترامب»، على خلاف أسلافها، باتخاذها إجراء على أرض الواقع حيال ذلك.
وتشمل التحفظات الأمريكية خطط أنقرة لشراء نظام الدفاع الجوى من طراز Sــ400 من روسيا؛ لأن تركيا سوف تقوم بتشغيل طائرة عالية التقنية من طراز Fــ35 فى المخزون العسكرى الأمريكى، وتعتمد على روسيا فى الصيانة وقطع الغيار لأنظمة Sــ400. كما عقد وصعب الأتراك المعركة الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» من خلال إجبار الولايات المتحدة على التفاوض لمدة عام حول استخدام قاعدة إنجرليك الجوية، ثم من خلال توغلهم فى شمال سوريا، واستهداف «الأكراد» حلفاء واشنطن.
عندما يتعلق الأمر بإيران، فإن أنقرة ستقوم بفعل كل شيء ممكن لتقويض سياسة الولايات المتحدة، سواء من خلال التفاوض على اتفاقية نووية منفصلة أو معارضة، فضلا عن مساعدة إيران على تجنب العقوبات.
***
ويضيف الباحث أن أزمة احتجاز القس الأمريكى «أندرو برونسون» فى تركيا منذ أكتوبر 2016 بمثابة نقطة اشتعال بين البلدين هذا الصيف، خاصة بعد أن بدا أن أنقرة تتراجع عن صفقة لإطلاق سراحه. لكن تركيا تحتجز أيضا ما بين 15 و 20 من المواطنين الذين يحملون الجنسيتين الأمريكية والتركية ــ بما فى ذلك عالم ناسا ــ بتهم إرهابية ملفقة. كما تم اعتقال ثلاثة موظفين أتراك فى السفارة الأمريكية. ويتم استخدام ذلك كورقة مساومة لإجبار الولايات المتحدة على تسليم «فتح الله غولن»، حامل البطاقة الخضراء الذى تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب الفاشل فى يوليو 2016، ولتأمين الإفراج عن مصرفى تركى أدين فى محكمة فى نيويورك بتهمة المساعدة فى مخطط يساعد طهران على تجاوز العقوبات الأمريكية متعددة الأطراف.
يبدو أن التدهور الحاد فى العلاقات بين واشنطن وأنقرة، الأسبوع الماضى، ما هو إلا إحدى الأزمتين اللتين تطوقان بتركيا فى الوقت الحالى، فالليرة التركية فى حالة انهيار، كما يقوم المستثمرون ببيعها بسبب المخاوف من سوء الإدارة الاقتصادية، والخوف من الآثار الناجمة عن توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. لا شك أن هناك العديد من الأفراد فى واشنطن مشغولون فى وضع خطط من 3 أو5 أو 10 نقاط لإنقاذ الاقتصاد التركى ولعودة العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. ولكنهم يضيعون وقتهم. فلا يوجد شيء بوسع الولايات المتحدة بأن تقوم به فى الوقت الحالى.
من الجدير بالذكر أن من مصلحة الولايات المتحدة استقرار الاقتصاد التركى، حتى لو كان ذلك بهدف منع انهيار الليرة من أن تؤثر على عملات الأسواق الناشئة الأخرى. ومن أجل تفادى تفاقم تلك المشكلات الاقتصادية فى الشهر المقبل، يتعين على الأتراك أن يساعدوا أنفسهم، وليس واضحًا على الإطلاق بأن مصالح أردوغان السياسية ستسمح لهم بذلك. وقد كشف صهر الرئيس التركى «بيرات البيرق» ــ وزير الخزانة والمالية ــ عن خطة مسئولة إلى حد كبير. ووفقا لبلومبرغ، خطط البيرق تهدف إلى متابعة الانضباط المالى، ومساعدة الشركات الأكثر تضررا من انخفاض قيمة الليرة، وأن الحكومة لن تستحوذ على الودائع بالعملة الأجنبية ــ وهى تعتبر أخبارا جيدة للمستثمرين الأجانب. فى الوقت نفسه، ذكر الوزير أن التقلبات فى قيمة العملة لم تكن مدعومة بالبيانات الاقتصادية الأساسية، وبالتالى من الواضح أن تركيا تخضع «لهجوم من أكبر لاعب فى النظام المالى العالمى»، ويعنى بذلك الولايات المتحدة.
لا ينبغى لأحد أن يفاجأ من اتهام الولايات المتحدة بأنها مسئولة عن أزمة العملة التركية. فمنذ عام 2013 على الأقل، كان أردوغان يقول للأتراك إنه عندما يأتى يوم تصفية الحساب بالنسبة للاقتصاد التركى، فإنه سيكون خطأ شخص آخر. ولأن أردوغان جعل من الاقتصاد قضية قومية، فإن طلب المساعدة من صندوق النقد الدولى أمر محفوف بالمخاطر السياسية. وبدلا من ذلك، فإن كل ما قام به الرئيس التركى هو: إلقاء اللوم على واشنطن، ومناشدة الله، وتشجيع ناخبيه على تحويل الدولارات واليورو إلى ليرات.
***
بالنسبة للعلاقة مع الولايات المتحدة، فإن إعلان أردوغان بأن واشنطن تشن «حربا اقتصادية» على تركيا يعكس مدى «سُمية» العلاقات بين البلدين خلال السنوات الخمس الماضية. فهناك الكثير من القلق داخل أروقة وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون وبين عدد من محللى السياسة الخارجية حول إنهاء العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا.
ويرى الكاتب أنه من الواضح، الآن، أنه لا توجد علاقة استراتيجية بين البلدين. فلكل من تركيا والولايات المتحدة مصالح وأولويات مختلفة. والدليل على ذلك قوائم التحفظات على كلا الجانبين. إن التداعيات ليست دالة على الشخصيات الفريدة والرؤى العالمية للرؤساء الأمريكيين والتركيين، ولكن على المستوى الأساسى هى نتيجة لعالم متغير لم تعد فيه واشنطن وأنقرة تشتركان فى تهديد مشترك.
لا شك أن البيت الأبيض سكب الغاز على النار بفرض تعريفة جمركية على الواردات التركية من الصلب والألومنيوم مع انهيار قيمة الليرة، وهى خطوة غير مبررة فهى بمثابة صفعة ترامبية ردا على احتجاز القس «برونسون» وهذه الخطوة تؤكد ما يقوله «أردوغان» بأن «كل ما يحدث هو خطأ واشنطن». ومع ذلك، فإن الضغط الذى مارسته إدارة ترامب على تركيا هو تغيير مرحب به من الإدارتين الأخيرتين، التى فضلت تجاهل سياسات تركيا الخبيثة، إما لمحاولة إغراء أنقرة لدعم الولايات المتحدة أو لأنهم لا يريدون المخاطرة بـ«شريك استراتيجى». ولم يقتصر الأمر على عدم نجاح هذا النهج، بل أرسل رسالة إلى أنقرة مفادها أنها كانت حليفا مهما للغاية لدرجة أنه لن تكون هناك عواقب لتصرفاتها.
إن الرهانات على أن الضغط على أنقرة من شأنه أن يؤثر عليها منخفضة جدًا، فلقد تراجعت أهمية تركيا بالنسبة لواشنطن لبعض الوقت. الحكومة التركية لديها وجهتا نظر متضاربتان حول التحالف الأطلسى، ودعمها للجماعات المتطرفة، وإثارة المتاعب فى الخليج والقدس والبحر الأحمر. حتى أن قيمة قاعدة إنجرليك الجوية قد تضاءلت مع تراجع تهديد الدولة الإسلامية «داعش». بالإضافة إلى ذلك، ومع تطور علاقات أنقرة مع موسكو، يبدو من غير المحتمل أن تكون القاعدة مفيدة فى منافسة القوى العظمى القادمة كما كانت أثناء الحرب الباردة.
ويختتم الباحث حديثه قائلا إن إرث الحرب الباردة وحلف الناتو شكلا إطارًا لحوار تركيا مع واشنطن وأوروبا. ربما يكون الجدل حول القس «برونسون» والطريقة التى استجابت بها الحكومة التركية لأزمة الليرة بمثابة لحظة توضيحية، مما يسلط الضوء على ما يجب أن يكون واضحا الآن وهو أن تركيا لم تعد حليفا أو شريكا.

إعداد: زينب حسنى عز الدين
النص الأصلى: 

التعليقات