وزارة الصحة و«الانتماء الوطنى» - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وزارة الصحة و«الانتماء الوطنى»

نشر فى : الإثنين 16 يوليه 2018 - 9:05 م | آخر تحديث : الإثنين 16 يوليه 2018 - 9:05 م

جاء قرار وزارة الصحة بإذاعة النشيد الوطنى صباح كل يوم فى المستشفيات بحجة «غرس الانتماء الوطنى» ليثير الكثير من الجدل واللغط، ويصبح مادة للسخرية والتهكم. ولا شك أن أصحاب هذا القرار ما كانوا يتوقعون هذا الكم من التعليقات والانتقادات التى حفلت بها وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وغيرها. إلا أن هذا القرار يثير أيضا قضية أكبر من مجرد مدى ملاءمة إذاعة النشيد الوطنى فى المستشفيات أم لا، فالقضية هنا هى ما إذا كنا فعلا بحاجة إلى رعاية و«غرس» لهذا الانتماء الوطنى فى مجتمعاتنا أم لا؟ وإذا كنا فعلا فى حاجة إلى ذلك، فكيف يتم الأمر؟
بداية، لا شك أن قضية الانتماء الوطنى هى من القضايا التى تهتم بها الدول قاطبة، وخاصة عندما تواجه الدولة أزمة وجود فى مواجهة عدو أكثر تفوقا يعمل على القضاء عليها وإخضاع شعبها لإرادته. ولعل أبرز مثال على ما يمثله «الانتماء الوطنى» من قوة تحرك الشعوب على مستوى العالم والذى يضرب به المثل هو ما حدث فى روسيا أثناء الحرب العالمية الثانية. فكما هو معروف، فقد قامت ألمانيا النازية تحت قيادة هتلر بغزو الأراضى الروسية، معتمدة فى حساباتها ــ ضمن أشياء أخرى ــ على كراهية قطاعات كبيرة من الشعب الروسى لنظامهم السياسى آنذاك. وكانت روسيا وقتئذ جزءا مما كان يعرف باسم الاتحاد السوفيتى الذى يدين بالشيوعية ويعمل على محاربة الانتماء الوطنى لكل القوميات، وذلك للقضاء عليها لصالح هوية جديدة تقوم على الشيوعية العالمية. ولم يجد ستالين ــ زعيم الاتحاد السوفيتى وقتذاك ــ من مناص سوى مخاطبة المشاعر الوطنية للشعب الروسى للدفاع عن بلاده بعد أن كاد الغزو الألمانى أن يفتك بدولته.
يشير ما سبق إلى قوة الانتماء الوطنى، ليس فقط فى روسيا فى زمن الحرب، ولكن أيضا مع جميع شعوب العالم سواء فى زمن الحرب أو السلم، حيث يكون هذا الشعور أو الانتماء كامنا لا يعبر عن نفسه سوى فى مناسبات معينة. ولعل من أبرز هذه المناسبات ما نشاهده حاليا فى مباريات كرة القدم لكأس العالم، حيث تخرج الجماهير مشجعة لفريقها القومى، حاملة لأعلام بلادها، مرددة الأناشيد الوطنية، محتفية بفريقها القومى. ويكون الشعور الوطنى فى أوجه حين يفوز الفريق، أو عندما يقدم أداء مشرفا يشعر معه المواطن بفخر انتماء هذا الفريق لبلاده. وقد رأينا كيف احتفلت الجماهير فى طهران بعودة فريقها واستقبلتهم استقبال الأبطال رغم خروجهم من تصفيات كأس العالم. هذا، ولا يقتصر الأمر على مباريات كرة القدم فقط، أو الألعاب الرياضية الأخرى. فكم شعرنا جميعا بالفخر حين فاز أديبنا الراحل نجيب محفوظ بجائزة نوبل فى الأدب، أو حين تقلد الدكتور بطرس بطرس غالى منصب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أو مع تألق نجمنا محمد صلاح دوليا حاليا.
ورغم أن هذا الشعور أو الانتماء الوطنى موجود وكامن كما رأينا، إلا أن ذلك لا يعنى عدم اهتمام جميع الدول والمجتمعات بالعمل على تعميق وتنمية حب الوطن لدى النشأ وخاصة مع صغار السن. وأتذكر هنا ما رأيته فى إحدى المدن الصغيرة بألمانيا من قيام تلاميذ إحدى المدارس بزيارة كنيسة بلدة صغيرة يعود تاريخها إلى مائتين عام، ثم قيام كل فرد منهم بالتبرع بمارك واحد( كان ذلك فى نهاية السبعينيات عندما كان المارك هو العملة المستخدمة قبل التحول إلى اليورو) للحفاظ على هذه الكنيسة. وكان معهم مدرس متوسط العمر يقوم بشرح تاريخ هذه الكنيسة وما تحويه من أعمال فنية ودينية. كان المشهد درسا بليغا حول كيفية بناء الشخصية الوطنية و«غرس» قيم الانتماء وحب الوطن. وكان فى الصدر منه هذا المدرس الذى ظللت أستمع إليه رغم جهلى باللغة الألمانية وهو يشرح لتلاميذ صغار لا تتعدى أعمارهم الحادية أو الثانية عشر عاما بطريقة جذابة وسهلة جعلت التلاميذ مشدودين إليه كأنه يقدم لهم ألعابا سحرية وليس درسا فى التاريخ.
تذكرت هذه الواقعة وأنا أقرأ ما نشرته جريدة الوطن بتاريخ ١٣ يوليو الماضى على لسان الأمين المساعد لنقابة المعلمين خلال حواره ببرنامج «مساء دريم» عبر فضائية دريم من أنه «يقبض ١٩٠٠ جنيه بعد ٢٩ سنة فى التعليم». ولم أكن بحاجة إلى عقد مقارنة بين المدرس المصرى وذاك المدرس الألمانى الذى شاهدته منذ أكثر من ٣٥ عاما. ولست هنا بحاجة إلى شرح أهمية المدرس وخاصة فى السنوات الأولى من عمر أى تلميذ، أو إلى أهمية مادتى التاريخ والجغرافيا فى تأصيل الشعور القومى لدى الطالب. لست هنا بحاجة إلى إبراز أهمية تعريف الطالب بتاريخ بلاده ودورها فى بناء الحضارة الإنسانية حتى يشعر بالفخر بالانتماء إليها، ناهيك عن أهم الأحداث والشخصيات التى صنعت وساهمت فى بناء الوطن، وهو ما فوجئت بغيابه لدى بعض من قابلتهم من طلبة الجامعة أخيرا. هذا ناهيك عن مادة الجغرافيا ومعرفة أهم المناطق وأسمائها، ولن أقول زيارتها لما قد يكلفه ذلك من موارد. القائمة طويلة، ولا تقتصر فقط على دور المدرس أو المدرسة فى السنوات الأولى، ولكنها اللبنة الأولى أو الأساس الذى يتم البناء عليه.
أغلب الظن أن قرار وزارة الصحة المشارإليه أعلاه، قد رؤى أنه يصب فى صالح توجه الدولة لتعميق الانتماء الوطنى، وبصرف النظر عن مدى ملاءمة ذلك لدورها أو كونه يتسق مع مهامها. وقد جاء القرار بعكس ما يراد له، وحسنا فعلت الوزيرة حينما اعلنت مساء الاحد الماضي انه ليس قرارا اجباريا بل اختياريا، وذلك حتى لا يتم امتهان النشيد الوطنى الذى يجب ان يحظى بالمهابة والاحترام الواجب له. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، وإذا كانت الدولة جادة فعلا فى تعميق الانتماء الوطنى، وهو ما يجب أن يكون فعلا لا قولا، فإن عليها أن تولى قضية إصلاح التعليم وتحسين أحوال المدرسين ما يستلزمه ذلك من موارد، وهو الأولى من مشاريع أخرى تستطيع الانتظار.

التعليقات