قبل أن يضيع الإعلام تماما - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل أن يضيع الإعلام تماما

نشر فى : السبت 16 يونيو 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : السبت 16 يونيو 2018 - 9:35 م

سؤال: ما هى قيمة أن يكون لديك كل وسائل الإعلام من صحف وإذاعات وفضائيات، لكنها من دون أى تأثير يُذكر؟!

وسؤال ثانٍ: هل الأهم هو الامتلاك أم التأثير؟

سؤال ثالث ومهم هو: إذا وجد الجمهور أن الصحف والإذاعات والفضائيات نسخة واحدة، فلماذا يُقبل عليها، طالما أنه يعرف ما سيحصل عليه مقدما؟!

وسؤال رابع: إذا تشابهت وسائل الإعلام، فلماذا تكلِّف الدولة نفسها كل هذه النفقات، أليس الأفضل فى هذه الحالة، أن نكتفى بصحيفة واحدة وإذاعة واحدة وفضائية واحدة وموقع إلكترونى واحد، ونوفر بقية النفقات الكثيرة التى يتحملها فى النهاية المواطن الغلبان دافع الضرائب؟!

الأسئلة السابقة بأكملها تتردد فى الوسط الإعلامى منذ شهور، ولا يجهر بها كثيرون إيثارًا للسلامة، رغم ان معظم هؤلاء من أنصار الدولة والحكومة والرئيس عبدالفتاح السيسى.

وظيفة أى وسيلة إعلام هى الأخبار أى تقديم الأخبار والمعلومات والبيانات والوقائع للجمهور ،حتى يتشكل رأيه بصورة
سليمة، وحتى يحصل صانع القرار على الصورة الكاملة لاتخاذ القرار السليم. وهناك ايضا وظيفة التسلية والإمتاع. وبين الأخبار والإمتاع هناك التأثير بالصورة والعناوين والرأى والتحليل وجميع فنون الصحافة والإعلام.

تنفق الدولة المليارات على وسائل الاعلام، نظرا لأهميتها فى تشكيل الرأى العام. حسنا دول وحكومات كثيرة تفعل ذلك بطرق مختلفة، والهدف أن تضمن الدولة أو الحكومة أو النظام توصيل وجهة نظرها بصورة واضحة.

الفكرة الجوهرية التى أريد أن تصل لكل من يهمه الأمر فى الحكومة وسائر أجهزة الدولة، أنه لكى تصل الرسالة للمواطن أو
للجمهور، فلابد من شىء جوهرى جدا، وهو ان يصل هذا الجمهور للوسيلة الإعلامية ويقبلها اولا، أى ببساطة شديدة لكى تضمن الدولة تأثير وسائل الإعلام فى المواطنين، فلابد من أن يقوم هذا الجمهور بقراءة الصحيفة أو الموقع أو سماع الإذاعة أو مشاهدة القناة التليفزيونية.

السؤال البديهى هو: ما الذى سيجعل الجمهور يُقبل على قراءة وسائل إعلام متشابهة كلها تقدم وجهة نظر واحدة بعناوين واحدة ومصادر واحدة؟!.

الإجابة ببساطة هى لا شىء سيجبر الجمهور على هذا، وإذا أقبل فإنه سيقوم بشراء جريدة واحدة ومشاهدة فضائية واحدة وسماع إذاعة واحدة، طالما أن المضمون واحد.

المعلومة الأساسية التى يفترض أن تعلمها الحكومة وأجهزتها، هى أن توزيع الصحف المصرية كلها مجتمعة صار أقل من ٣٥٠ ألف نسخة يوميا، والبعض يقول إن النسبة عمليا أقل من ذلك بكثير. وأن الإقبال على برامج التوك شو فى الفضائيات تراجع إلى حد كبير، مقابل زيادة الإقبال على برامج المنوعات والرياضة وقنوات الأفلام والمسلسلات وكل ما هو تسالى.

وجهة النظر التى أرجو أن تفكر فيها الحكومة وأجهزتها بهدوء نهى أنه لكى تضمن نقل وجهة نظرها للمواطنين، فلابد أن تكون وسائل الاعلام جذابة، ولكى يحدث ذلك، فلابد هناك من وجهات نظر متنوعة، والاهم مضمون متميز، طالما أنها جميعا تحت سقف القانون والدستور والدولة الوطنية المدنية.

الجمهور ــ خصوصا الشباب ــ انصرف تماما عن وسائل الإعلام التقليدية، وصار يُقبل على مواقع إلكترونية عبر التليفون المحمول، وبالتالى، فهو لا يتعامل بالمرة مع الجريدة أو الموقع أو الفضائية التقليدية، ولا يستمع من الأساس لوجهات نظر الحكومة، وربما غير مهتم أساسا بالسياسة، ولو اهتم بها فإنه يتلقاها من مصادر مختلفة تماما، لا تملك الدولة عليها تأثيرا،في حين ان من يقرأ من الكبار صار يسخر من هذا التشابه.

الخلاصة أنه إذا كانت الحكومة مهتمة بالوصول إلى الناس، فعليها أن تجذبهم لوسائل إعلامها أو لوسائل الإعلام عموما، ولكى يحدث هذا، فلابد من وجود أكثر من وجهة نظر طالما أنها معتدلة ووطنية وقانونية.

لو استمر الأمر بالصورة الحالية، فعلى الحكومة أن تدرك أنها تشجع ــ دون أن تدرى ــ على تدمير وسائل الإعلام التقليدية بأكملها، بما فيها المملوكة لها، بل وتقوم بدعم وسائل الإعلام الخارجية، وبعضها متربص ليس فقط بالحكومة ولكن بالدولة بأكملها.

من مصلحة الدولة المباشرة ألا يستمر التضييق على الإعلام، بل أن تسمح بهامش حقيقى من الحرية، حتى تضمن أن يستمر إقبال الجمهور على قراءة الصحف ومشاهدة الفضائيات الموجودة داخل مصر.

استمرار الأوضاع الراهنة يعنى أن الحكومة تشجع الناس على الانصراف عن الاعلام المصرى والذهاب إلى الإعلام الخارجى، وبعضه معادٍ للحكومة وللدولة ولكل مصر.. فهل هذا ما نريده؟!.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي