السياسة الدولية بين انحسار الديمقراطية وشيوع السلوكيات المارقة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة الدولية بين انحسار الديمقراطية وشيوع السلوكيات المارقة

نشر فى : الجمعة 16 مارس 2018 - 10:25 م | آخر تحديث : الجمعة 16 مارس 2018 - 10:25 م

يعدل البرلمان الصينى الدستور لكى يلغى القيود المفروضة على فترات الرئاسة، ويمهد بذلك لبقاء الرئيس الحالى «شى جين بينج» فى منصبه لأجل غير مسمى.

يطرد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» من منصبه بتغريده تنشر على موقع تويتر، ويخرج الوزير المطرود مؤكدا أنه لا يعرف أسباب «إنهاء» خدمته.

فى جنوب إنجلترا، يتعرض جاسوس روسى سابق عمل لحساب الاستخبارات البريطانية لمحاولة اغتيال كيماوية وتشير جميع أصابع الاتهام إلى الاستخبارات الروسية.

يرغب الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» فى تهنئة نساء بلاده باليوم العالمى للمرأة (٨ مارس من كل عام)، فيسجل خطابا متلفزا يقتبس خلاله من قصيدة شعر قديمة تختزل وجود النساء فى طور الحبيبة وطور الزوجة والأم وطور المسنة ذات الشعر الأبيض وبأبوية زاعقة يتجاهل رجل روسيا القوى المقبل على انتخابات رئاسية معلومة النتائج سلفا المرأة العاملة والمرأة المعيلة والمرأة العالمة والمفكرة والمرأة صاحبة المنصب العام.

تكتسح الأحزاب الشعبوية وأحزاب اليمين المتطرف الانتخابات البرلمانية فى إيطاليا بشعارات مناهضة للاتحاد الأوروبى وخطاب عنصرى ومقولات انفصالية خطيرة، ويعود إلى الحياة السياسية مجددا رئيس الوزراء الأسبق «سيلفيو بيرلسكونى» الذى ثبت عليه ارتكاب جرائم مالية (رتبت حرمانه من حقوقه السياسية لبضع سنوات تنتهى فى ٢٠١٩) وجرائم جنسية (علاقة جنسية مع فتاة قاصرة نظير المال).

يزور وفد استخباراتى من كوريا الجنوبية الجارة الشمالية ويلتقى مع مساعدى الديكتاتور «كيم جونغ أون» وخلال اللقاء يتواصل مسئول جنوبى مع البيت الأبيض مقترحا قمة ثنائية بين ترامب وجونغ أون، فيوافق ترامب دون الرجوع لا إلى وزارة الخارجية ولا إلى أجهزة الاستخبارات فى تغيير جذرى للموقف الأمريكى وليؤكد الطبيعة الفردية والمضطربة لصناعة السياسة والقرار فى الولايات المتحدة منذ بدأت رئاسة ترامب.
فى مصر، يبدو مشهد الانتخابات الرئاسية ٢٠١٨ خاليا من جميع المعانى الديمقراطية فى ظل غياب التعددية الحقيقية للمرشحين، وغياب البرنامج الانتخابى للرئيس الحالى ــ الرئيس القادم، وغياب النقاش العام حول الانتخابات. وعلى الهامش، يتواصل الضجيج الإعلامى بشأن تصريحات مفوض الأمم المتحدة السامى لحقوق الإنسان فيما خص حالة الحريات وبشأن الانتقادات الأوروبية المتتالية لغياب المنافسة فى الانتخابات الرئاسية.

***

أعزائى القراء، انظروا معى إلى هذه الطائفة المتنوعة من أحداث وظواهر اللحظة الراهنة فى السياسة الدولية ودعونا نتأمل فى مضامينها. يتمثل مضمون أول فى الطبيعة الفجائية لبعض لما يدور من حولنا. لم يتوقع أحد أن يضع الرئيس الصينى نفسه فى موقع الرئيس مدى الحياة بتلك السهولة، مثلما لم ننتظر التغير الدراماتيكى فى الموقف الأمريكى تجاه كوريا الشمالية من المقاطعة والعقوبات إلى قمة رئاسية ومفاوضات.

مضمون ثانٍ هو انحسار القيم والممارسات الديمقراطية عالميا. فى الصين رئيس مدى الحياة، فى روسيا رئيس يبدل مناصبه كيفما يحلو له لكى يحتفظ بالسلطة ويبقى أبويته تجاه النساء وعموم المجتمع قيد الحياة، فى مصر انتخابات تغيب عناصرها الحاكمة، فى الولايات المتحدة الأمريكية يتجاهل رئيس منتخب مقتضيات صنع السياسة كعملية تشاركية على نحو يغلب الفردية ويهدد عمل السلطات والمؤسسات العامة.

أما المضمون الثالث فيتعلق بتورط حكومات ومسئولين فى بلدان ديمقراطية وغير ديمقراطية فى سلوكيات مارقة، بل وشيوع عدم الاكتراث بتداعيات المروق. يطرد ترامب وزير خارجيته بتغريده، ويخرج على العرف الديمقراطى المتبع فى تغيير أصحاب المناصب العامة. تحاول، على الأرجح، الاستخبارات الروسية قتل الجاسوس السابق «سيرجى سكريبال» وابنته «يوليا»، ويتعامل الكرملين مع الأمر بمزيج من الإنكار والتجاهل. تطلق الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة فى إيطاليا مقولات عنصرية زاعقة ومقولات معادية للأجانب، ولا يعنيها أبدا أن خطابها المارق يحفز نفرا من مواطنيهم على ارتكاب جرائم عنف ضد الأجانب واللاجئين. تفرغ الحكومة المصرية الانتخابات الرئاسية ٢٠١٨ من جميع عناصرها التنافسية وتغيب النقاش العام بشأنها، ثم تتعجب من محدودية الاهتمام الشعبى بانتخابات عرفت نتائجها سلفا.

لسنوات قادمة ستبقى السياسة الدولية أسيرة لانحسار للديمقراطية، وصعودا للسلطوية والشعبوية، وشيوعا للسلوكيات المارقة. ليرحمنا ويرحمكم الله.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات