عطل مفاجئ - داليا شمس - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عطل مفاجئ

نشر فى : السبت 16 فبراير 2019 - 11:30 م | آخر تحديث : السبت 16 فبراير 2019 - 11:30 م

لا يكفي أن الطقس متقلب وأن إلهة الأنباء السيئة جاءتني في المنام، لكن الذهن بدا شاردا، والجسد لا يلبي نداء ولا أوامر. أحيانا يعطي لنا هذا الأخير جرس إنذار متقطع، على فترات، ننهره أو نتجاهله، فيقرر أن يضرب عن العمل. يصبح منهكا لا قدرة له سوى الاستلقاء على الظهر، ويترك للعينين مهمة تأمل الغيوم الهاربة في كل اتجاهه، ومراقبة الأشياء من حولها وهي ثابتة، وعوالم من الأشخاص في حالة حركة. في مثل هذه الأحيان نريد فقط أن نلهو بحبيبات الرمال على الشاطئ، أي شاطئ. تقتصر وظيفة الأرقام بالنسبة لنا على حساب الأيام التي تفصل بين موعد وآخر، بين إجازة وأخرى. نتحول إلى كنغر صغير، أضناه العمل، يدير رأسه ليسحب الغطاء فوق أذنيه ويشعر بالدفء. يسعى فقط للنوم والراحة، وهو بحاجة ماسة لكليهما. زورق مكسور تجتاحه المياه من كل جانب يبحث عن جزيرة لكي يجنح للسلم.
***
كل يوم نسمع عن صديق أصابته جلطة دماغية أو انسداد في شريان حيوي أو وصله بريد الموت مبكرا. صار جسد هزيل لا يقوى على الحركة والكلام أو رحل في هدوء شديد كأنه لم يشأ أن يزعج أحدا. كتم في قلبه ولم يعد يحتمل الأحاديث الباردة. وفي أوقات كثيرة ضغط على نفسه ليظهر عكس ما يضمر، فلم يتبعه جسده المرهق من فرط الادعاء. كنس الكثير من القضايا الشخصية والعامة خلال حياته، ثم توقف فجأة، كأنه في قيلولة وسينهض منها، لكنه أطال هذه المرة.
لسنا بملائكة، نحتاج الجسد لأنه وعاء الروح. البعض يقوم بصيانته. يظن أنه يتحايل على العمر. وتردد بعض النساء على وجه الخصوص أن سن الخمسين صارت كالأربعين، والأربعين كالثلاثين، بفضل التطورات الحديثة ودرجة الوعي بمتطلبات الجسم. لكن هناك أيضا المزيد من الضغوطات المتصاعدة كل ساعة، من التنافسية، من الحروب المكتومة، من عدم الاستقرار والخوف من فقدان ما حققناه، من القلق المنهك، من الإجهاد في العمل، من الغضب لعدم تكافؤ الفرص أو فشلنا في التغيير.
***
كقطعة من الإسفنج يمتص الجسد كل ذلك، ثم يعلن تمرده، يعبر عن نفسه بطرق متباينة، ثم يصيبه عطل مفاجئ قد تتراوح درجته بين إرهاق أو انسحاب تام من اللعبة. يقول بوضوح إنه هو هنا سيد الموقف، وإننا لا نتحكم فيه كما نزعم أو كما نظن، وإنه من الحكمة أن نستمع إليه جيدا فهو أدرى بأحواله، وقد فقد الكثير من طاقته وفرغ صبره. لم يعد يحتمل منظر هؤلاء الذين هدهم التعب، فهربوا من الأجواء المتوترة وارتموا على أول مقعد في مقهى، واضعين أكوام الصحف وعلب التبغ أمامهم، ظنا أنهم يخرجون مع دخان السجائر كل الأفكار التي لا يجرؤوا على البوح بها.
يردد الجسد مع فيروز أحيانا "بدي أرجع بنت صغيرة على سطح الجيران، وينساني الزمان على السطح الجيران". هو يرغب في استراحة محارب، ومن حقه.

التعليقات