ما بين الكرواسون والطعمية - محمد مكى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بين الكرواسون والطعمية

نشر فى : السبت 15 ديسمبر 2018 - 11:40 م | آخر تحديث : السبت 15 ديسمبر 2018 - 11:40 م

لا ريب أن المصريين يمتلكون من خفة الظل لو استغل لأصبح من موارد النقد الاجنبى التى تعانى منها البلاد!!، حيث لم تخل الأيام الماضية من مقارنة بين ما حدث من أصحاب السترات الصفراء فى باريس، وما حدث قبل سبع سنين فى ميدان التحرير، بداية من نوع الأكل والشرب والجبن المثلثات وكنتاكى وصوت الفنانة عفاف شعيب وهى تستغيث فى عدم حصولها على طعام تفضله هى ومن معها، مرورا بظواهر اجتماعية من مراسم زواج بين أفراد من المتظاهرين وغيرها، وأن أبناء ديجول يقومون بتقليد ابتكارات الفراعنة دون الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية من أحفاد مدينة النور باريس.
لكن الجد الذى لا هزل فيه أن احداث باريس بها تشابه مع ما حدث فى مصر 2011، منها أن انتفاضة الشعوب لا وقت لها وبدون كتالوج، وقد لا تحتاج قيادة بالمعنى المتعارف عليها فى العمل الحزبى، وحركات التحرر الوطنى أو الحركات العسكرية مثل التى كانت فى القرن الماضى، وأن الدوافع الاقتصادية والاجتماعية هى المحرك الأساسى فى تحرك جموع الناس على خلاف الايديولوجية السياسة، وأن الأجهزة الأمنية تنحاز للناس لا النظام فى النهاية حتى لو ظاهريا، حتى وإن تسبب لها الانحياز فى تقليل المكاسب مؤقتا، فموقف الشرطة فى باريس مثال حي على ذلك، وهو الأمر نفسه للقوات المسلحة مع مبارك فى 25 يناير. كما تؤكد الأحداث على أكذوبة بقاء الأنظمة والحكومات آمنة أبد الدهر بالسيف تارة وبالتمر تارة أخرى.
لكن الخلاف الجوهرى فى حشود الكرواسون الفرنسية والطعمية المصرية، أن النظام فى باريس، ممثلا فى شخص رئيس الجمهورية ماكرون، قدم التنازل وتراجع عن القرارات التى كانت سببا مباشرا فى اندلاع المظاهرات دون مماطلة، وبلا تهديد بمصائر شعوب تشرذمت، وتعلل بالعجز المالى، واعتباره ليس أهم من كرامة الإنسان، مع إعطائهم الحقوق على طريقة الدولة وليس التجار، فالمظلة الاجتماعية ليست منةً من النظام بل عنوانا لاحترام تضحيات الناس قبل أن يأتى يوم «العصا والدبابة» لن تحمى العرش.
كان أبناء منطقتنا فى لحظة فرح تمنوها أن تحدث على أراضينا إبِّان نجاح الشاب ماكرون فى الانتخابات الفرنسية فى ظل حكومات شاخت، لكن الرجل أخطأ عندما قام بقرارات تقشفية دون أن يقوم بحوار مجتمعى، متناسيا ردة فعل الفقراء، كأنه يستنسخ ذلك من منهج حكام منطقتنا التى تبدد فيها المليارات وتؤخذ القرارات بعد أحلام تأتى فى المنام.
تناسى المواطن الفرنسى رمزية قوس النصر، تؤكد أن الأنظمة ومواقفها السياسية تساعد فى الغضب الشعبى وأنها شرارة الإطاحة بهم، وأن الرضوخ لطلبات الناس ليس ضعفا بقدر ما هو توازن لمصائر الشعوب، وأن الإصلاح والتعافى يستلزمان مشاركة الناس مع توزيع الحمل والمتاعب عليهم بقدر من العدالة.
فى الدول التى شهدت أحداث الربيع العربى كان من أول القرارات التى اتخذت من قبل الأنظمة رفع الضرائب وتقليل الدعم وفى الطريق إلغاؤه مع جملة احتكارات، وتقييد للإعلام وتدجينه، والاعتماد على شعار «الاصلاح الاقتصادى» وإنقاذ الناس من «الوعى الزائف»، والنتيجة مخاوف كبرى من انتصار السترات الصفراء لا فى باريس ولكن فى ميادين الربيع العربى، فالثورات فى أوقات كثيرة تحمل جينات العدوى، خاصة لو كانت ظروفها متقاربة.
مكاسب السترات الصفراء وعلى رأسها تقليل فجوة العدالة الاجتماعية بين الطبقات، نأمل أن تغلق ملف التغيير بالعنف، خاصة أن عتمة مدينة النور مؤقتة، شأنها شأن ثورات أخمدت بفعل فاعل، لكن أسبابها باقية، والأيام حُبلى بالأحداث.. حفظ الله مصر وشعبها.

التعليقات