الولايات المتحدة وسيطا - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الولايات المتحدة وسيطا

نشر فى : السبت 15 يوليه 2017 - 8:35 م | آخر تحديث : السبت 15 يوليه 2017 - 8:35 م

مع دخول المواجهة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، ومعها مصر، من جانب، وقطر، من جانب آخر، شهرها الثانى يتأكد أنه ليس فى الأفق انتصار بالضربة القاضية للفريق الأول، ولا بالطبع وبالتأكيد لقطر. هدأ التوتر ومناخ الأزمة اللذان سادا الأيام والأسابيع الأولى للمواجهة وبدت جميع الأطراف، ومعها المحيطان الإقليمى والدولى، مستعدة لامتداد فترة المواجهة. التهدئة فى التوتر تطورٌ فى معطيات المواجهة وهو ليس الوحيد.
فى الأسبوعين الأخيرين دخلت الولايات المتحدة على خط الوساطة وفى هذا فى حد ذاته إطالة لأمد المواجهة وقبول به من أطرافها. إلا أن ما يجدر الانتباه إليه هو تبلور موقف الولايات المتحدة من المواجهة وتوحيده. عندما نشبت المواجهة بدا موقف الولايات المتحدة ملتبسا. رئيسها يغرد فى واحدة من وسائط التواصل الاجتماعى تأييدا للفريق الأول ومدينا لقطر بما يتهمها به هذا الفريق، بينما وزير خارجيته ومعه وزير دفاعه يتخذان مواقف أكثر تحفظا. تغير مهم فى معطيات المواجهة أن رئيس الولايات المتحدة كف عن تغريده وأنه لم يستطع فرض الخط الذى اتخذه فى البداية، إن كان يمكن اعتبار أن التغريدَ خطٌ أصلا. يبدو أن بعض الأطراف فى الفريق الأول، وفى الغالب أنه ليس من بينها مصر، اعتقدت أن كلمة رئيس الولايات المتحدة لا ترد فى سياسة بلده خاصة وأن الأغلبية فى مجلسى الكونجرس من أعضاء نفس الحزب الجمهورى الذى انتخب هو كمرشح له. اتخاذ القرار فى النظام السياسى الأمريكى عملية مبعثرة وهى بالتأكيد ليست تنساب من أعلى إلى أسفل دون عوائق تعترضها. الدول المتقدمة والتعددية اقتصاداتها معقدة وأنظمتها السياسية معقدة كذلك. هذا من مفاتيح نجاحها. صحيح أن الرئيس ترامب لا يروقه هذا التعقيد ولا العوائق التى تعترض ما يعن له من قرارات وسياسات ولكنه صار يسلِم بهذا التعقيد ويخضع له. أنظر إلى تغير مواقفه من حلف شمال الأطلسى، ومن الاتحاد الأوروبى، ومن الصين. على كل من يخوض فى السياسة الدولية أن يكون على دراية كافية، لا تعتمد على الأمنيات، بطريقة عمل النظم السياسية فى الدول التى يتعامل معها، خاصة الدول التعددية وفى مقدمتها الدولة العظمى الأولى، الولايات المتحدة.
ساد الخط المتحفظ لوزير الخارجية الأمريكية وما كان يمكن أن يسود غيره. من دونه لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتوسط فى المواجهة، وهى لا تقبل بإنهاء المواجهة بالضربة القاضية لأسباب تتعلق بتحليلها لأسباب الإرهاب والمسئولين عن دعمه المنتشرين فى قطر وفى غير قطر، وهم ليسوا بالضرورة جهات حكومية رسمية بل فى أحيان كثيرة أفراد وجماعات خاصة على علاقة أو على غير علاقة بالحكومات فى بلدانها. فضلا عن ذلك فلقد استحال حتى الآن على المجتمع الدولى تعريف الإرهاب فهل يشمل، إضافة إلى أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية والعنف بث أفكار الانغلاق والتعالى والكراهية وانكار شرعية الآخر، بعبارة أخرى هل يشمل تهيئة البيئة الفكرية التى ينبت فيها الإرهابيون ويترعرعون؟ إن كان التعريف يشمل هذه الأعمال والخطاب والبيئة، فإن المسئولية عنها ليست فى قطر وحدها.
***
مذكرة التفاهم بشأن مكافحة الإرهاب التى وقعتها قطر والولايات المتحدة فى الأسبوع الماضى تطور مهم هى الأخرى فى المواجهة وتغير فى معطياتها وهى نتيجة للوساطة الأمريكية. مذكرة التفاهم ليست اتفاقية دولية ملزمة قانونا ولكنها بلا شكٍ ستكون واجبة الاحترام وستطبق. هذه المذكرة مكسب أكيد للدول الأربع، فإن تطبيقها من شأنه «منع» تمويل الإرهاب و«توفير الملاذات الآمنة» للإرهابيين، وهذا واحد من المبادئ الستة التى أُعلنَ عنها بعد اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع فى القاهرة فى الأسبوع الأول من الشهر الحالى. ولكن المذكرة لها جانبها الإيجابى بالنسبة لقطر أيضا فهى بمثابة الضمان لها. الولايات المتحدة صارت الضامنة، أو «الكفيل» بلغة الخليج، لقطر ولسلوكها. أى اعتراض على هذا السلوك يوجه من الآن فصاعدا للولايات المتحدة وهى بذلك أصبحت حامية لقطر. الضمان جيدٌ لقطر ولكن الحماية لها ثمنها وهو التحقق من اتفاق سلوكها مع نص المذكرة. هذا من جديد يؤكد المكسب المترتب للدول الأربع.
الوساطة من الوسائل السلمية لتسوية المنازعات المنصوص عليها فى ميثاق الأمم المتحدة وفى القانون الدولى عموما، وهى تختلط دائما بالتوفيق، وهو وسيلة أخرى، بحيث إنه يصعب فى أحيان كثيرة التمييز بينهما. نظريا، التوفيق ليس فقط تحقيقا للتواصل بين أطراف النزاع وإنما هو يشمل أيضا التقدم بالأفكار التوفيقية والتقريب بين وجهات النظر والمواقف. على أى حال، سواء كان سعى الولايات المتحدة وساطة أو توفيقا، وسنعتبره هنا وساطة لأن هذا هو المصطلح الذى شاع بشأن ما يفعله وزير خارجيتها، فإنها فى وضع دقيق وهى تضطلع بوساطتها. أطراف المواجهة الخمسة تفخر بصداقتها للولايات المتحدة، وهذه الأخيرة حريصة على هذه الصداقات لا تريد التفريط فى أى منها لأن لكل منها دوره لديها. غير أن الدور، أى دور، يتناسب مع مقومات من يضطلع به وإمكانياته. مهما كانت المطبات بل والمنخفضات التى وقعت السعودية فيها، وأيا كانت الحالة الاقتصادية والسياسية التى توجد بها مصر، فإن وزن كل منهما بالنسبة للولايات المتحدة لا يمكن أن تقارعه قطر. دعك من الصفقات الخيالية المعقودة مع الرئيس الأمريكى أثناء زيارته للسعودية فى شهر مايو الماضى وقبل انعقاد القمة العربية الإسلامية الأمريكية، وكثير من هذه الصفقات ما زال خيالا ليس إلا، فإن السعودية بإنتاجها واحتياطيها النفطى والمالى، وبعلاقاتها فى العالمين الإسلامى والعربى، وبأهميتها بالنسبة للخليج كله ولبلدانه ونظمه السياسية، لها ثقلها الأكيد بالنسبة للسياسة الأمريكية. مصر، بتاريخها الحديث والمعاصر الذى ما تزال كثير من آثاره سارية، بالرغم من عثرتها الحالية، فى العالمين العربى والإسلامى وفى إفريقيا، بل وفى بلدان الجنوب عموما، فضلا عن وزنها السكانى، لها اعتبار لا يمكن أن تتجاهله أى إدارة أمريكية. الوساطة الأمريكية لا بد بالتالى أن تؤدى إلى تحقيق مكاسب أكثر للجانب الذى يجمع السعودية والإمارات والبحرين، ومعها مصر، عن تلك التى تحرزها قطر. ستكف قطر عن نشاطها المحموم فى كل اتجاه فى العالم العربى، سواء صنِف هذا النشاط إرهابا أو تحركا سياسيا ودبلوماسيا خيرا. هذا سيكون مكسبا أكيدا آخر للبلدان الأربع ولكنه سيكون كذلك وبشكل خاص بالنسبة للسعودية التى لا ترغب فى أن ينازعها أحد ولو من بعيد قيادة الخليج بل والدور الأبرز فى العالم العربى. سيبقى عند ذلك أن للإمارات أيضا طموحها فى لعب دور توجيهى فى الخليج وفى العالم العربى، ولكن سيكون للتعامل مع هذا الطموح يوم آخر. مصر، فضلا عما ستجنيه من تطبيق مذكرة التفاهم الأمريكية القطرية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وهو خفض أصوات الإسلام السياسى التى تأويها أو تساندها قطر، فإن تراجع دور هذه الأخيرة وبالتالى المواقف التى ساندتها سيترك لها مساحة أوسع للتحرك فى العالم العربى. المهم هنا هو أن تستفيد مصر من هذه المساحة وأن تسبق غيرها إلى شغلها بالأفكار والابتكار اللذين تحتاج إليهما المنطقة العربية.
أما قطر، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تخذلها، وإلا فإن كل أصدقائها سيكفون عن الثقة فيها والاعتداد بها. وساطة الولايات المتحدة ستحفظ لقطر واجهة سيادتها، وعلى أى حال فإن السيادة نسبية وهى لا تعتبر منتهكة فى نظر الجميع إلا إن قُيد استقلال البلد المعنى فى اتخاذ قراره وفى اختيار سياساته تقييدا فجا. الوساطة الأمريكية لن تقيد استقلال قطر بهذا المعنى تقييدا فجا.
***
قد تمتد الوساطة الأمريكية فى مستقبل متوسط حتى محاولة لم شمل مجلس التعاون الخليجى. لن تكون مصر معنية بذلك. للولايات المتحدة مصلحة الآن وفى المستقبل متوسط المدى فى التوسط بين بلدان مجلس التعاون حتى لا تختل المعطيات التى تبنى هى على أساسها سياستها فى الخليج بما فى ذلك فى مواجهة إيران، خاصة فى الفترة الحالية لرئاسة الرئيس ترامب. الشك مشروع فى نجاح الولايات المتحدة نجاحا تاما فى هذا التوسط لأن المعطيات اختلت بالفعل ولا شىء يعود فى العلاقات بين البشر والمجتمعات إلى ما كان عليه فى السابق تماما. لأى حدث آثاره التى لا تمحى.
شاع أن الولايات المتحدة تريد أن تبرم مذكرات تفاهم بشأن مكافحة الإرهاب شبيهة بمذكرة قطر مع الدول الأربع التى وقفت فى مواجهة هذه الأخيرة. سواء أبرمت هذه الاتفاقيات أو لم تبرم، فإنه سيكون على هذه الدول، وقد مالت الوساطة إلى كفتها، أن تتصدى للإرهاب تمويليا وأمنيا وفكريا.
أول من يهمنا فى هذه الدول مصر. فليكن تصديها للإرهاب بالسياسات الشاملة التى آن الأوان لأن تثبت فاعليتها ونجاحها.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات