الصنعة أهم من الدكتوراه - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصنعة أهم من الدكتوراه

نشر فى : الجمعة 15 مايو 2015 - 8:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 مايو 2015 - 8:35 ص

فى أحد أقسام التاريخ بكلية الآداب بإحدى الجامعات الإقليمية، لم تتجاوز نسبة النجاح ٣٠٪ بعد حساب كل درجات الرأفة.

ولأن النتيجة تعد كارثية فقد صدرت موافقة ضمنية من رئيس الجامعة بإضافة ١١ درجة لكل الراسبين لرفع نسبة النجاح إلى ٥٠٪.

٣٠٪ فى الحقيقة ليست كارثية جدا لأن نسب النجاح الحقيقية فى بعض المدارس والكليات لا تزيد على ٥٪ أحيانا. القضية ليست نسب النجاح، وإذا افترضنا أن النسبة ١٠٠٪، والطلاب عباقرة، فهل سوق العمل يحتاج إلى كل خريجى أقسام التاريخ فى كليات التربية والآداب؟!.

قسم فلسفة بجامعة مرموقة يقوم بقذف ألف خريج إلى سوق البطالة سنويا.

والذى يحدث عمليا أن الجامعات الحكومية والخاصة تقوم بتخريج عشرات الآلاف من التخصصات التى لا يحتاج إليها سوق العمل خصوصا من الكليات النظرية، والنتيجة النهائية هى جيش البطالة الذى الأكبر من نوعه فى الشرق الأوسط.

فى المقابل فإن سوق العمل يحتاج إلى الآلاف من التخصصات. قبل أيام استغرب رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى خلال كلمته فى الاحتفال بعيد العمال من أن بعض الشركات تفكر فى استيراد عمالة أجنبية لتنفيذ مشروعاتها الكبرى، مؤكدا أنه لن يسمح بحدوث ذلك.

إذا معالم المأساة بدأت تتضح: نوعية التعليم الموجودة لدينا تقوم بتخريج «كميات» ضخمة من الطلاب لسوق عمل لا يحتاج إليهم، فى حين أن تخصصات كثيرة مطلوبة غير متوافرة.. فكيف يمكن فك هذه المعضلة؟!.

بوضوح فإن دولة فى ظروف مصر لا يمكنها ان تستمر بهذه الطريقة التى تدير بها التعليم من المرحلة الابتدائية حتى الدكتوراة. نعيش ظروفا لا تسمح لنا بالاستمرار فى هذا العبث الجامعى الذى يرمى بقنابل موقوتة تتحول إلى أعضاء خطرين فى عصابات الإرهاب أو يائسين يدمنون المخدرات أو الدروشة أو الاحتراف داخل حزب الكنبة.

أوضاعنا تتطلب قرارات ثورية أولها وقف أى تخصص لا يحتاج إليه سوق العمل، وفى المقابل تسهيل وجذب الطلاب للتخصصات المطلوبة.

نحتاج لتشجيع التعليم الفنى، لكن ليس بالطريقة الحالية. لدينا ملايين الطلاب فى الدبلومات الفنية، للأسف الشديد غالبيتهم لا تعرف حتى كيف تكتب أسماءها، ومعظمهم يشكل الجانب الأكبر من جيوش الإدمان أو الإجرام أو التنظيمات المتطرفة.

نحتاج إلى تعليم فنى مختلف مثلما هو موجود فى ألمانيا، وهى دولة تملك بالفعل نموذجا باهرا فى هذا المجال. وخلال زيارة قمت بها إلى برلين قبل أسابيع بصحبة الجامعة الألمانية بالقاهرة اكتشفنا أن قادة وكوادر المصانع والشركات الكبرى فى ألمانيا يذهبون بطريقة دورية إلى المصانع كعمال وفنيين حتى تكون هناك علاقة دائمة بين النظرى والعملى.

أعلم ويعلم غيرى أن المشكلات والتحديات فى مصر عويصة، لكن علينا أن نكون واثقين بأنه لا أمل فى أى تقدم من دون بدء إصلاح التعليم.

أشعر بأن القارئ لهذه الكلمات سيقول فى سره الآن: «وما الجديد فى هذا الكلام.. الذى يقوله الجميع منذ عشرات السنين؟».

هذا صحيح ولابد أن نستمر فى تكراره حتى يتحرك المسئولون ويتخذوا إجراءات عملية تضعنا على بداية الطريق.

أعرف أيضا أن هذه عملية معقدة وطويلة، لكن لابد ان نبدأ فى إصلاح التعليم بحيث نقول مثلا إنه بعد عشر أو عشرين سنة سيكون تعليمنا قد تغير للأحسن، بدلا من أن نستمر فى الصراخ والولولة والشكوى وكل عام تتعقد المشكلة أكثر وأكثر.

المشكلة لا تخص الحكومة فقط، هى مسئولية الطالب وولى الأمر والأسرة، التى تصر على أن يحصل ابنها على بكالوريوس تجارة أو ليسانس فلسفة ثم يتخرج ويظل فى منزله بلا عمل حتى يبلغ سن الستين. نحتاج أولا إلى ثورة ذهنية تجعل الحصول على صنعة أهم مليون مرة من الحصول على الدكتوراه.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي