قبل أن يحدث الصدام - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل أن يحدث الصدام

نشر فى : الخميس 15 فبراير 2018 - 10:25 م | آخر تحديث : الخميس 15 فبراير 2018 - 10:25 م

صباح الأحد «٤ فبراير» ذهبت إلى مصلحة حكومية تقع فى العتبة فى مواجهة المسرح القومى وجراج العتبة وموقف الأتوبيس.

لن أذكر اسم الهيئة لسبب بسيط، وهو أنها نموذج متكرر فى هيئات ومؤسسات حكومية كثيرة، وهدفى ليس التشهير بها بقدر ما هو محاولة للتنبيه إلى المشكلة، والبحث عن حلول حقيقية لها.

الطريق إلى دخول هذه الهيئة مفروش بغابة من الباعة الجائلين والبالة بكل أنواعها. هم يحتلون ليس فقط الأرضية، ولكن جزءا كبيرا من نهر الشارع، وبطبيعة الحال يمكنك سماع باقة منتقاة من الألفاظ البذيئة التى لم تعد تثير خجل الكثيرين للأسف الشديد، والمشهد هو نموذج مثالى للعشوائية فى أسمى معانيها.

هؤلاء الباعة يسدون جزءا من مدخل العمارة التى تقع فيها الهيئة. هناك ثلاثة مصاعد لا يعمل منها إلا واحد يصطف له الكثيرون فى طوابير. وقفت نحو ربع ساعة لأنه يصعب أن أصعد للدور الخامس.

حالة الهيئة تصعب على الكافر فعلا.. مكاتب صاج متهالكة وكراسى مكسرة وموظفون حانقون ومواطنون يحاولون إنهاء معاملاتهم بأقل قدر من الجدل والخناق.

نسيت أن أخبركم أننى أتصلت بالهيئة قبل قدومى بأيام، حتى أتأكد أن الموظف المختص موجود، وعندما وصلت لم أجده، فقد غاب أيضا. دخلت حجرة للموظفين وظللت بها نحو ساعة.. الموظفون فى غاية اللطف والأدب والذوق، لكن الروتين قاتل من أول البحث عن «الورقة والكربون»، وبعد كتابة الطلب، اكتشف الموظف أنه جمع الأرقام بشكل خاطئ، فأعاد العملية مرة أخرى، لكنه تأخر لعشر دقائق لعدم وجود آلة حاسبة!!. وبعدها بدأت رحلة البحث عن موظف بديل لاستلام الطلب والرسوم. ذهبت إلى غرفة بها أكثر من 15 موظفا، وشاهدت خناقة بين الموظفين وأصواتا مرتفعة وتبرما وكأنهم يحاولون الانتقام من الظروف العامة بالخناقات الشخصية!.

أنجزت المعاملة بعد أكثر من ساعة ونصف، وهى لا تحتاج إلا لخمس دقائق. حمدت الله ونزلت على السلم لأتفاجأ بأن الملفات الخاصة بالهيئة وهيئات أخرى فى بقية الأدوار ملقاة على السلالم وأمام المصاعد، ولا أعرف كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ إما أنها ملفات ودوسيهات مهمة فيتم حفظها فى مكان آمن، أو أنها غير مهمة فيتم تكهينها أو فرمها بدلا من هذا المشهد العبثى!.

خرجت من المكان بأكمله وتنفست الصعداء، وحمدت الله مرة ثانية، لكن المصادفة البحتة أننى التقيت بعدها بمجموعة من الشباب الذين يعيشون فى كوكب ثان. هم طلاب فى الثانوية والجامعة حياتهم تكاد تنحصر فى جوجل وفيسبوك وتويتر وسائر مواقع شبكة الإنترنت. هم ينتمون للطبقة المتوسطة، لم يتحملوا المسئولية بعد، ويعتمدون على أهاليهم فى دراستهم وحياتهم ومصروفاتهم، لكنهم سوف يلتحقون بعد سنوات قليلة بأعمال مختلفة.

السؤال الذى شغلنى هو ماذا سيحدث لو تعامل هؤلاء الشباب وأمثالهم مع هذه الهيئة وأمثالها؟!!.

لا أكتب هذا الكلام من باب التعالى فهو واقع موجود منذ سنوات طويلة ونتيجة طبيعية لتراكم مشكلات وأزمات وفساد وتقصير من حكومات متعاقبة، لكننى أكتبه بدافع البحث عن حل أو حتى بهدف التفكير فى الحل.

ظنى الشخصى أن صداما آتيا لا محالة بين النموذجين: الروتين القاتل فى أبهى صورة والشباب الجديد.

غالبية بلدان العالم بدأت ميكنة هيئاتها ومؤسساتها ووزاراتها إلكترونيا، وبعضها موجود فى مصر فعلا، وبالتالى فالمفترض أن يكون هناك تصور لدى الجهات الحكومية أن تتخلص من هذه الطريقة الورقية البائسة حينما تنتقل إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

التحول إلى الطريقة الإلكترونية سوف يساهم ليس فقط فى إنجاز المعاملات بسرعة والتخفيف من رحلة عذاب المواطنين داخل المؤسسات الحكومية، لكن سوف يقضى على جزء كبير من الفساد الصغير والكبير خصوصا إذا تم تعزيز «الدفع الإلكترونى» حتى تختفى تماما مقولات من نوعية «صباح الخير يا باشا»!!

هل لدينا تصور بجدول زمنى تختفى فيه طريقة المعاملات الحكومية الراهنة، وهل يمكننا تدريب الموظفين لكى يتعلموا كيفية معاملة المواطن بصورة حضارية وإنسانية، وأنه ليس عبدا ساقته الأقدار لكى يعذبوه؟! أما السؤال الأهم فهو: كيف يمكن لهؤلاء الموظفين البائسين والهيئات الأكثر بؤسا، أن تنقلنا للعصر الجديد، أو السؤال بصورة أخرى: هل هذه الحالة هى التى ستنتقل إلى العاصمة الإدارية الجديدة بعد 18 شهرا؟!

عماد الدين حسين  كاتب صحفي