الهجرة.. رؤية فلسفية جديدة - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 4:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهجرة.. رؤية فلسفية جديدة

نشر فى : الجمعة 14 سبتمبر 2018 - 9:10 م | آخر تحديث : الجمعة 14 سبتمبر 2018 - 9:10 م

لولا الهجرة ما ركب نوح سفينة النجاة مع زوجين من كل الحيوانات والطيور ليرسو على جبل الجودى فى كردستان، ولتبدأ هناك حياة جديدة يغمرها الإيمان لا الكفر، والشكر لا الجحود.

ولولا الهجرة ما ذهب إبراهيم بزوجته هاجر وابنه الرضيع إسماعيل إلى الصحراء القاحلة فى جزيرة العرب، ولولاها ما تدفقت زمزم التى تسقى وتشفى الحجيج والناس حتى اليوم، ولولا هجرة هذه الأسرة المباركة ما وجدت مكة قبلة المسلمين جميعا.

ولولا هجرة إبراهيم عليه السلام إلى مصر مع زوجته سارة ما حلت بركته عليهم، وما تزوج هاجر المصرية التى صارت بعد ذلك أما للعرب والمسلمين، والتى يخلد كل حاج مواقفها الإيمانية كلها.

هاجر أم إسماعيل، وجدة كل أنبياء العرب مثل هود وصالح وشعيب ولوط وجدة النبى الخاتم محمد عليهم السلام جميعا.

ولولا الهجرة ما تشرفت مصر بثلة طيبة من أنبياء بنى إسرائيل على رأسهم يعقوب «إسرائيل» وتعنى فى العبرية «عبدالله» ومنهم يوسف والأسباط جميعا، وأهمهم موسى بن عمران من أولى العزم من الرسل وشقيقه هارون، وأسرهم وأسر أتباعهم المؤمنة على مر الزمان.
ولولا الهجرة لوئدت دعوة موسى عليه السلام وقتله فرعون، فقد هاجر مرتين فى طريقين متعاكسين أولهما من مصر إلى فلسطين هاربا من فرعون والأخرى بالعكس حاملا رسالة ربه بعد أن تنزلت عليه ألواح التوراة وكلمه الله كفاحا، وشرفت سيناء لكونها الموضع الذى كلم الله فيه نبيه موسى.

إن من بركة مصر وشرفها أن هؤلاء الأنبياء العظام من أنبياء بنى إسرائيل كانوا فيها وجاءوا إليها، ومن بركتها هجرة إبراهيم وزوجته الطاهرة سارة إليها.

ولولا الهجرة ما حلت بركة المسيح وأمه مريم عليهما السلام على مصر، وما اتخذوا أول مكان للعبادة فيها فى دير المحرق وما شرفت محافظتى أسيوط بأن أطول إقامة لهما كانت هناك، فقد مكثوا قرابة ستة أشهر، أما بقى الأماكن فكانوا ينتقلون منها سريعا دون أن يتخذوا فيها مكانا للعبادة.

وقد اختار الله لمريم وابنها الرضيع مصر دون غيرها من البلاد لعلة يعلمها الله، فقد كانت هناك أقطار كثيرة آمنة أقرب إلى الناصرة وبيت لحم من مصر، ولكن الله اختار لهم مصر دون غيرها.

ولولا الهجرة ما دخل الإسلام أثيوبيا وجنوب السودان عن طريق الصحابة الذين احتموا بالنجاشى، فحمت المسيحية الإسلام فى مهده وضعفه ثم رد لها الإسلام الجميل حينما دخل البلاد المختلفة فاتحا ومنتصرا فلم يمس كنيسة بسوء ولم يهدم كنيسة بل رفع الظلم الرومانى عنهم وعن قساوستهم الذين هربوا إلى الجبال فرارا من بغى الرومان.

ولولا هجرة مسلمى الحبشة ما أسلم النجاشى، فقد دخل الإسلام السودان وإثيوبيا وإفريقيا دون أن تدخلها جيوش المسلمين على الإطلاق وهذا حدث فى ماليزيا وإندونيسيا وغيرهما.

ولولا هجرة النبى إلى المدينة لماتت دعوة الإسلام ووأدت فى مهدها.

ولولا قبول أهل المدينة لهجرة النبى إليهم ونصرتهم له ما أصبح للمدينة المنورة هذا الشأن، فما الفرق بين المدينة والطائف مثلا، وهل يستويان اليوم، كلا.. والعلة أن أهل المدينة بكرمهم وجودهم وشجاعتهم ورقتهم قبلوا دعوة الرسول ونصروه وأحسنوا وفادته فصار لها شأن عظيم ببركة النبى وصحابته، وبنى فيها ثانى مسجد فى الإسلام يشد الملايين إليه الرحال.
أما أهل الطائف فحرموا أنفسهم وبلدتهم من هذا الخير لجفوتهم وغلظتهم وقسوتهم.

ولولا الهجرة ما قامت دولة الإسلام الأولى فى المدينة التى قامت على الحب والإخاء وحرية العقيدة، وهى أول دولة مدنية فى تاريخ المنطقة العربية التى تقوم على العدل السياسى والاجتماعى وعلى رفض الطبقية والعنصرية، فذاب فى بوتقتها سلمان الفارسى وبلال الحبشى وصهيب الرومى وسعد بن عبادة الخزرجى، وسعد بن معاذ الأوسى وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعلى بن أبى طالب القرشى.

ولولا الهجرة ما عرف سلمان الفارسى الحق وما وصل إلى النبى الكريم محمد «صلى الله عليه وسلم».
لولا الهجرة ما نبغ د/أحمد زويل حتى وصل لنوبل، فلو بقى فى مصر لقتلت البيروقراطية طموحه وعلمه.
ولولا الهجرة ما وصل د/مجدى يعقوب إلى ما وصل إليه ولصار مجرد أستاذ جراحة عامة يخوض صراعات مع الكسالى ومحترفى «الأسافين» من الزملاء والموظفين عاشقى الإقصاء للنوابغ.

ولولا الهجرة ما تعلم أمثال د/كمال أبو المجد، وأسامة الباز وفاروق الباز فى جامعات عرقية مثل هارفارد وغيرها.
ولولا الهجرة لفرنسا ما أثر أمثال د/عبدالحليم محمود، د/دراز، د/الطيب ود/مهنا فى أساتذتهم وبلادهم فزادت تعدديتهم وتسامحهم وصوفيتهم عمقا وتألقا.

ولولا الهجرة ما وصل اللاعب محمد صلاح إلى العالمية ولظل يرزخ هنا تحت وطأة مديرين لا يعرفون سوى المحاباة والفساد.

ولولا الهجرة ما عاش وتعافى أبطال النضال الوطنى على مر الدهور والزمان.

ولولا الهجرة ما انتقلت علوم الإسلام الشرعية من الأزهر ومدارس المذاهب إلى العالم كله، وما وصل فقه الأحناف إلى أطراف الأرض مثل تركيا والشيشان وأفغانستان وجنوب روسيا، وما وصل فقه المالكية إلى المغرب العربى والأندلس، وما جدد الشافعى فقهه حينما انتقل من العراق إلى مصر.

الهجرة حياة، وتطور، وتفتح للعقول والقلوب على معانٍ جديدة، إننى أكاد أميز بين الأزهرى الذى لم يترك مصر وبين غيره الذى سافر للخارج مرارا فأجد الأخير فيه من الانفتاح والتعددية وتوقد الذهن وعبقرية الأداء ومرونته الكثير.

وأفرق بين القسيس الذى عاش حياته كلها فى مصر، وبين الذى عاش فترة فى الغرب وبلاد الديمقراطية والتعددية فأجد الأخير أكثر سماحة ورقيا.

الهجرة فطرة أودعها الله فى نفوس الحيوانات والطيور والأسماك قبل الإنسان، وأوجبها على بعض الناس وأباحها لآخرين «وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَهِ يَجِدْ فِى الْأَرْضِ مُرَاغَما كَثِيرا وَسَعَة» فسمك السالمون وهو من أرقى الأسماك هجرته تعد من أكبر الهجرات على الأرض فهى تلد فى الماء العذب، وبعد خروج البيض بعدة أشهر تهاجر إلى البحار حتى تصل لسن البلوغ ثم تعود إلى المياه العذبة لكى تضع البيض من جديد فيها، وأثناء هجرتها تسبح ضد التيار مع مناورات رائعة للهروب من الأسماك المفترسة.

أما الحيتان فتعيش معظم حياتها قريبا من المياه الباردة ثم تسافر آلاف الأميال بحثا عن المياه الدافئة لكى تضع مواليدها هناك وتسير بترتيب عجيب الذكور ثم الإناث الحوامل ثم الشباب الصغير وبعد أن تقضى أربعة أشهر فى المياه الدافئة تعود مرة أخرى إلى الباردة.

والفراشات تهاجر كذلك، والأفيال تهاجر، حتى البطريق البطىء الخطى يهاجر لمسافة 70 كم من أجل التناسل وتجتمع الآلاف منهم هناك ليختار كل منهم شريك حياته ويظل معه هناك بقية عمره الذى يصل إلى عشرين عاما.

لولا الهجرة لركدت الحياة، ولولاها لنضب العلم ولولاها ما كانت التعددية، ولولاها ما عرفنا تعددية الأعراق والألوان فى بلد مثل مصر.

الهجرة ليست فراقا ولكنها حياة جديدة، سلام على أنبياء الله ورسله الذين هاجروا وتركوا أوطانهم فى سبيل الله، وسلام على كل من هاجر طلبا للخير والعلم وبذل المعروف والدعوة إلى الله وتعريف وتقريب الخلق للحق سبحانه.

التعليقات