إقالة رئيس هيئة السكة الحديد اللواء مدحت شوشة أو قبول استقالته علامة طيبة لكنها ليست كافية بالمرة.
الإقالة تعنى أن المسئول عن أى كارثة حتى لو كانت مسئولية تضامنية ينبغى أن يدفع الثمن. هى رسالة إلى كل مسئول فى أى مكان، بأنه سوف يقال من منصبه مادام أن خطأ كارثيا قد وقع، ليس بسبب الصدفة او خارج الإرادة الانسانية، ولكن نتيجة إهمال منقطع النظير فى مجمل المنظومة، بالنظر إلى جميع المؤشرات والشواهد المتاحة.
الإقالة يفترض أن تكون ماثلة أمام أى مسئول سيأتى بعد اللواء شوشة سواء فى السكة الحديد أو أى مؤسسة أخرى. صحيح أنه كان سيغادر منصبه بعد أيام قليلة لبلوغه سن المعاش، لكن دلالة إقالته عقب الحادث تعنى أنه يدفع ثمن الإهمال الذى تم والدماء والأرواح البريئة التى تم إزهاقها.
السؤال البسيط: هل هذه الإقالة كافية؟!
الإجابة هى: لا، هى رسالة مهمة، لكنها لو اقتصرت على مجرد الإقالة، فسوف تعنى أنها مجرد مسكن وأسبرين لامتصاص غضب الرأى العام الثائر.
وبعدها يأتى رئيس جديد للهيئة وتستمر السياسات داخلها كما هى، حتى تقع مصيبة جديدة ــ لا قدر الله ــ ونكرر نفس السيناريو، ويتم إقالة رئيس الهيئة أو حتى وزير النقل، وينتهى الأمر انتظارا لكارثة ثالثة وهكذا!!.
ما فعله وزير النقل هشام عرفات بإقالة رئيس الهيئة خطوة جيدة، لكن ما نحتاج إليه فعلا وجود منظومة مختلفة تماما، بحيث يتم القضاء على الأسباب التى تؤدى إلى هذه الكوارث وليس مجرد إقالة رئيس الهيئة وكبار مساعديه أو حتى كل قيادات السكة الحديد. لأن هذا الإجراء لو تم بمفرده فسوف يعيد إنتاج نفس الكوارث فى أماكن مختلفة، وأحيانا فى نفس المكان، كما يحدث أمام مدينة العياط التى تشهد حوادث قطارات بصورة شبه دورية، وكأنها «مسكونة بعفاريت القضبان».
تطوير السكة الحديد لا يتعلق فقط بالأموال التى تحتاج إليها وهل هى ٤٥ مليار جنيه، كما قيل قبل أسابيع، أم ١٠٠ مليار جنيه كما قال عرفات أمس فى لجنة النقل بمجلس النواب، مفصلا أن تطوير المزلقان الواحد يحتاج إلى ٣ ملايين جنيه، وتطوير الكيلو متر الواحد إلكترونيا يحتاج إلى ٢١ مليون جنيه..
فى كلامه أمس قال الوزير: «نحن متأخرون عن العالم ٣٠ سنة والاعتماد على العنصر البشرى فقط سبب المصايب السودا»!!!.
هذا كلام مهم ومحدد ولكنه يحتاج إلى سؤال الوزير: وماذا ستفعل للقضاء على ذلك، وما هى خطتك لجعل الاعتماد على التكنولوجيا هو الأساس وليس البشر، وما هى الميزانية التى يتطلبها ذلك، ومن أين ستأتى بها؟.
وإذا كان الوزير يقترح تقليل عدد رحلات القطارات ليصبح زمن التقاطر رحلة واحدة كل ثلث ساعة وليس كل عشر دقائق، فالسؤال: وما هو البديل لذلك، أى ما هى المواصلات البديلة التى سيتم توفيرها للمواطنين وبأى كيفية وتكلفة، لأن القطار يظل الوسيلة الأكثر أمانا حتى الآن خصوصا لركاب الصعيد؟!.
للأسف الشديد كنت أتمنى أن أستمع من الوزير أمس، إلى رؤيته لهيكلة هيئة السكة الحديد، وكنت أتمنى من أعضاء اللجنة، أن يسألوه تفصيلا فى هذا الأمر، خصوصا فى التدريب والتأهيل وتوزيع الأموال، وهل صحيح أن ملايين الجنيهات تذهب لمستشارين لا صلة لهم بالهيئة من قريب أو بعيد؟!.
لماذا لا يكشف الوزير كل هذه التفاصيل حتى يخرس الألسنة التى تتحدث عن إهدار المليارات على مستشارين لا يعملون، أو قيادات تتولى مناصب شرفية فى الهيئة وتحصل على الكثير من دون عمل؟!!.
الهيكلة تعنى الشفافية والرد على كل الأسئلة.