من سيحافظ على بقاء الأسد؟ سؤالان مصيريان بشأن الانسحاب الروسى من سوريا - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من سيحافظ على بقاء الأسد؟ سؤالان مصيريان بشأن الانسحاب الروسى من سوريا

نشر فى : الأربعاء 13 ديسمبر 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 13 ديسمبر 2017 - 9:10 م
«أيها الرفاق، الوطن ينتظركم»، هكذا بلّغ فلاديمير بوتين جنوده فى القاعدة الجوية الروسية حميميم فى شمال سوريا. إنها بشرى ممتازة بالنسبة إلى الجنود، والمستشارين والطيارين الذين «أنهوا مهمتهم بمحاربة الإرهاب فى سوريا»، بحسب ما قاله بوتين، فقط لم يعرف هؤلاء الجنود متى عليهم أن يحزموا حقائبهم، وخصوصا ما هو عدد الذين سيغادرون سوريا. هل ينوى بوتين سحب قواته كجزء من الجهود السياسية التى تُبذل فى هذه الأيام فى جنيف، أم سيُبقى هذه القوات فى سوريا حتى تتضح نتيجة المحادثات التى انسحب منها ممثلو النظام ثم عادوا إليها مرة أُخرى يوم الاثنين؟ ثمة سؤال مهم آخر هو: هل ستنسحب روسيا أيضا من الإشراف على مناطق خفض التوتر (مناطق أمنية) فى جنوب سوريا وفى وسطها؟ أم ستواصل هذه المهمات وفق الخطة التى اتُّفق عليها مع الولايات المتحدة وإيران وتركيا؟
لم يتطرق إعلان بوتين إلى شروط انسحاب القوات، وحجم الانسحاب وموعده، وبناء على ذلك، يمكن التقدير أنه لا ينوى التخلى تماما عن الساحة السورية، بل تقليص الوجود الروسى جزئيا. أمّا المناطق الحساسة، مثل المناطق الأمنية والتحركات على الحدود الشرقية السورية، فسيبقى العمل فيها كالمعتاد.
من المتوقع أن ينعقد، يوم الخميس المقبل، فى أستانة عاصمة كازاخستان، اجتماع بشأن المناطق الأمنية، للبحث فى ترتيبات الرقابة، وتوزيع المسئوليات بين روسيا وإيران وتركيا. وفى ضوء إعلان بوتين، فإن هذا الاجتماع يجب أن يثير اهتمام إسرائيل بصورة كبيرة، لأنها تريد أن تعرف هل سينجح الرئيس الروسى فى إقناع الإيرانيين بإبعاد قواتهم فى شرق سوريا وجنوبها إلى ما بعد خط 25 كيلومترا؟. وتنتظر تركيا، من جهتها، الحصول على موافقة روسية على السماح لقواتها بتعميق سيطرتها على شمال سوريا، من أجل كبح توسع منطقة السيطرة الكردية، وهو موضوع من المنتظر مناقشته أيضا فى أستانة.
يوضح تعهد بوتين بضرب التنظيمات الإرهابية إذا رفعت رأسها أنه لا ينوى التخلى عن الساحة العسكرية، أو تغيير الاستراتيجية التى انتهجها حتى الآن، والتى غيّرت موازين القوى لمصلحة الأسد؛ لكن انسحابا، ولو جزئيا، من شأنه أن يعطيه شرعية المطالبة بمغادرة جميع القوات الأجنبية سوريا. وهو يقصد بصورة أساسية القوات الأمريكية والتركية، التى لا تحظى بشرعية مثل القوات الروسية والإيرانية التى «دعاها» الأسد، كما أوضح قبل أسبوعين وزير الخارجية الروسى سيرغى لافروف. ويمكن أن نجد إثباتا على ذلك فى الصيغة التى اختارها بوتين ومفادها أن القوات الروسية نجحت فى القضاء على أغلبية قوات تنظيم داعش، وليس للولايات المتحدة، التى بررت تدخلها العسكرى فى سوريا بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ما تفعله فى سوريا.
لقد رد البنتاغون مشككا وأعلن قائلا إن «الإعلان الروسى عن تحريك قوات لا يتطابق دائما مع خفض قوات، ولا يغيّر جدول أولويات الولايات المتحدة فى سوريا». حتى الآن كان هناك هدف واحد معلن للتدخل العسكرى الأمريكى فى سوريا وهو القضاء على داعش. وبعد إعلان رئيس الحكومة العراقية الأسبوع الماضى هزيمة داعش فى العراق، وأضافت روسيا إلى ذلك نجاحها فى سوريا، لم يعد واضحا ما تقصده إدارة ترامب عندما تتحدث عن «جدول أولويات فى سوريا».
إن نجاح روسيا، الذى سيلعب بالتأكيد، دورا مهما فى معركة الرئاسة الانتخابية التى ستجرى فى روسيا فى مارس المقبل، لم يبرز فقط بالطريقة التى تغيرت فيها موازين القوى لمصلحة الأسد، بل هو يبرز خصوصا فى طرد الولايات المتحدة من المنطقة، وفى إدارة النسيج المعقد لوقف إطلاق النار المحلى الذى سمح فى النهاية بإقامة مناطق أمنية، لكن من الصعب صمود هذا الإنجاز من دون مظلة عسكرية تحرص، من جهة، على منع الهجمات على المناطق الأمنية، وتواصل، من جهة أُخرى، محاربة معارضى النظام المعتبرين تنظيمات إرهابية. ومن أجل تحقيق هذين الهدفين، فالنظام بحاجة إلى قوات روسية كبيرة، وبصورة خاصة هو بحاجة إلى سلاح الجو الروسى.
إن انسحاب القوات الروسية، حتى لو كان كبيرا وبدأ فى وقت قريب، لن يغيّر فى مسألة تدخل إيران العسكرى فى سوريا. وفرضية العمل الإسرائيلية والأمريكية هى أن إيران ستسعى لاستغلال الانسحاب الروسى من أجل زيادة وجودها فى سوريا، عبر زيادة القواعد العسكرية وإرسال العديد من المقاتلين. لكن ليس هذا هو السيناريو الوحيد المحتمل. لا تدور بين روسيا وإيران لعبة الرابح يربح كل شيء، والخاسر يخسر كل شيء (Zero sum game) فى سوريا، وهما لا تتنافسان للحصول على قلب الأسد، الذى يعتمد اعتمادا مطلقا عليهما. 
فى أى اتفاق سياسى بشأن مستقبل سوريا، سيظل وضع الطاغية السورى مضمونا فى المدى القصير، والسؤال المطروح كيف سيجرى تقاسم «المغانم» الاقتصادية والسياسية بين روسيا وإيران؟. ليس فى استطاعة أى واحدة منها أن تزيح الثانية من الساحة، وهناك مصلحة للدولتين فى تحقيق استقرار سوريا ومنع قيام دولة كانتونات، وتحقيق هذه المصلحة منوط بالاتفاقات التى سيجرى التوصل إليها بينهما، وليس بصراع عسكرى على السيطرة الجغرافية التى ستجبرهما على الاحتفاظ بقوات فى سورية وقتا طويلا، وهذا أمر لا يعنى الدولتين اللتين تحاولان أيضا تحقيق سيطرة مهمة فى دول أُخرى بوسائل اقتصادية وسياسية، وليس بالضرورة عسكرية.
التعليقات