الأصابع الزرقاء! - خولة مطر - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأصابع الزرقاء!

نشر فى : الأحد 13 مايو 2018 - 9:30 م | آخر تحديث : الأحد 13 مايو 2018 - 9:30 م

جلس هو بقربى ورحل فى حديث مطول لا نهاية له، حتى إنه بدا كالهذيان، والحضور حول المائدة المستديرة لا يملك إلا أن يواصل متابعة حديث لا فواصل بينه ولا تواصل!!! وفى كل المساء حرص هو أن يستخدم إصبعه بكثرة حتى بدا واضحا أنه يريد أن ينتبه الحضور لإصبعه الأزرق ما يعنى أنه أدلى بصوته فى تلك الانتخابات ببلده.. أكثر من الإشارات ورفع يده ولوح بإصبعه ربما محاولا أن يستدرج انتباه الحضور وهم جميعا لم يفتهم ذلك حتما ولكن لم يولوا الأمر أى أهمية خاصة.
***

انتظر أن يسأله أحدهم عن الإصبع الأزرق وما قصته أو عن مسألة الانتخابات وأهميتها أو حتى حول المرشحين والتغيرات المحتملة والتصورات المستقبلية للتحولات بعد الانتخابات كما هو حال كل الدول التى تسمى نفسها متقدمة أو حتى تلك التى عرفت ديمقراطية الانتخابات منذ عصور.

طال الانتظار ولم يسأل أحد، فما كان منه إلا أنه استحوذ على الجلسة فى ذلك المساء.. حتى أدرك أحدهم ذلك أو خاف أن يدركهم الصباح وهذا الهذيان لا نهاية له، فقام بالسؤال فما كان من صاحب الإصبع الأزرق إلا أن انفرجت أساريره وعلت ابتسامة عريضة على وجهه، وهنا بدأ رحلة أخرى من الحديث المطول عن أهمية صوته وصوت الحضور والمشاركة فى الانتخابات و«عرس الديمقراطية» كما سماه.. وكأن به قد أدرك أن بعض الجالسين حول المائدة محتسين كأس نبيذهم الأحمر ومنهمكين فى ما لذ وطاب، لا شهية لهم لهكذا أحاديث ربما لسخريتهم من كل العمليات الانتخابية ليس فى هذا البلد فحسب بل فى كل بلاد المنطقة المنكوبة بصحراء وتصحر المشاركة الفعلية!!! فهل تنبت الياسمينة فى الصحراء القاحلة؟؟ وهل يزهر الزرع فى المياه الآسنة؟؟ وهل تتجمع النوارس فوق البحار الملوثة بالنفط وقاذورات قشور المدنية والحضارة؟؟
***

استمر هو فى الحديث وأنظار الحضور لا تستطيع أن تتفادى إصبعه الأزرق الذى استفز بعضهم ولكن ربما لآداب المائدة أو خشية من فتح فجوة فى أجواء عشاء هادئ، قرروا أن الصمت هو أعمق الكلام.

لم يتوقف عن مديح العملية الانتخابية وشفافيتها ونزاهتها وكيف أنها بالفعل تعنى أن هذه المنطقة (لازدحام الانتخابات البلدية والبرلمانية فى عدد من الدول العربية فى نفس الوقت) قد بدأت خطوات ثابتة نحو تلك الديمقراطية المستعصية لعصور.

وفيما هو مسترسل فى محاضراته وخطابه الحماسى وإصبعه لا يتوقف عن الحركة فى وجوه المحلقين حول مائدة العشاء الهادئة فى ذاك المطعم الراقى جدا بتلك العاصمة التى تتمدد بها المطاعم فيما تتقلص دور النشر والمكتبات وتجاهد المسارح حتى لا تموت واقفه!!! وقف أحدهم ربما فى البدء محاولا الهرب إلى أى مكان غير هذا الجحيم المسائى كما سماه لاحقا.. ولكنه لم يستطع إلا أن يقول لمتحدثنا الديمقراطى جدا إن كل ما قاله لا يعنى أبدا أن الديمقراطية قد دقت أبوابنا أو تسللت عبر الشبابيك الموصدة.. وأن إصبعه الأزرق قد كلف فقراء الأمة أكثر من فساد سادتها الأولين الذين تحدث عنهم بشديد النقد والعصبية لما كانوا عليه من فساد وقمع وفقدان للعدالة والمشاركة.
***

وفيما ازدادت درجة حماسة محدثنا دفاعا عن الديمقراطية القادمة على أصوات الطيران الحربى والدبابات والدولارات والدنانير والدراهم والمذهبية والتعصب والطائفية المميتة، راح هذا الآخر يرفع من مساحات سخريته من هكذا حوار أو خطاب ويذكر بجموع الفقراء الذين تحلقوا حول المرشحين عبر شاشات التلفزة يرددون الهتافات الحماسية حتى بعضها الذى عفا عليه الزمن مثل «بالروح بالدم نفديك يا !!!» فى تقديس للفرد وفهم خاطئ للديمقراطية واستغلال بشع لفقرهم وعوزهم وقلة حيلتهم.. وراح يمطر المتحدث صاحب الإصبع الأزرق بالأسئلة «من أين لهم كل هذه الأموال لمثل هذه الحملات الإعلانية؟» و«كيف التمَّ الشامى على المغربى؟؟» والتحق اليمين باليسار حتى أصبحت الصورة تشبه القول المصرى «سمك، لبن، تمر هندى».. وقال له «لا أستثنى منهم أحدا»، مسترشد بمقولة مظفر النواب الشهيرة دون أن يتبعها بتلك الكلمات النابية، ربما مراعاة لأجواء المطعم الراقى وزبائنه المنتشين بانتصاراتهم أو صفقاتهم أو ربما احترام للسيدات المشاركات فى العشاء واللاتى التزمن الصمت؛ لأن النساء من تلك الشريحه قد ربيت على أن عليها أن تصمت عندما يتحدث الرجال!!!
***

استمر الحديث طويلا حتى تعب الحضور وراحت نعشة الكأس الأولى، واضطر البعض للتململ ومحاولة لتخفيف حدة اللهجة أو إنهاء الحوار وصاحب الإصبع الأزرق هو الآخر وكأنه انتقل من حال إلى حال فراح يخبئ إصبعه ربما خوفا أو ربما خجلا أو ربما فقط ليعترف أن الإصبع الأزرق ليس هو الديمقراطية!!!

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات