نقل السفارة الأمريكية للقدس سقوط الأمم المتحدة وحل الدولة الواحدة - بيسان عدوان - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:34 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نقل السفارة الأمريكية للقدس سقوط الأمم المتحدة وحل الدولة الواحدة

نشر فى : الثلاثاء 12 ديسمبر 2017 - 10:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 12 ديسمبر 2017 - 10:25 م
اعتبر الوضع النهائى لمدينة القدس أحد أهم محاور الصراع العربى الإسرائيلى. هذا كان قبل إعلان الرئيس الأمريكى رونالد ترامب فى السادس من ديسمبر الماضى بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترافه بأن القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، الأمر الذى يعتبر حسما باتا لقضية متروكة للتفاوض بين أطراف الصراع بالمنطقة. فى حقيقة الأمر لم يكن قرار ترامب بالمفاجئ، ليس من خلال وعوده بذلك خلال حملته الانتخابية ــ كعادة ــ كل المرشحين للرئاسة الأمريكية، لكنه تأخر فى تنفيذ ذلك الوعد لجمهوره من الداعمين والممولين لحملته الانتخابية، خاصة بعد توقيعه على تأجيل تنفيذ وعده فى يونيو 2017.

منذ قيام إسرائيل، أعلن جميع المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة، سواء ــ ديمقراطيين أو جمهوريين ــ ودون استثناء بأنهم سيهتمون بنقل سفارة بلادهم إلى القدس، وتعاظمت كمية الوعود على نحوٍ أكبر منذ قيام إسرائيل باحتلال القدس الشرقية عام 1967، بهدف تحقيق عملية القدس الكبرى وإعلانها عاصمة يهودية للدولة. منذ سبعينيات القرن الماضى لم يتخلف الرؤساء الأمريكيون عن إرسال الوعود بنقل السفارة، بدءا من ريتشارد نيكسون إلى باراك أوباما، لكنهم ظلوا يؤجلون تنفيذ وعودهم تلك خشية المساس بعلاقات ومصالح واشنطن مع دول المنطقة، فى مقابل ذلك كانت واشنطن تجبر العرب على دفع أثمان للتأجيل بأشكال مختلفة.
رغم انحياز رونالد ريجان لإسرائيل لخلفيته الدينية كمسيحى صهيونى وإشارته مرات عدة فى عام 1984 إلى إمكانية نقل السفارة لكنه تعهد بعدم إقدام بلاده على تلك الخطوة، بينما صادق كلينتون على القانون الذى أقره الكونجرس عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس لكنه عارض تنفيذ القانون رغم إلزاميته، لكنه استغل إحدى مواده التى نصت على أن الرئيس يمكنه تأجيل اتخاذ قرار نقل السفارة لمدة 6 أشهر، لحماية مصالح الأمن القومى. وظل ذلك عرفا سائدا طيلة السنوات السابقة بين الرؤساء الأمريكيين من كلينتون إلى أوباما حيث يوقعون على وثيقة تأجيل نقل السفارة بشكل روتينى كل 6 شهور.

***

فى الواقع، فإن التوتر الأخير الذى أخلفه توقيع ترامب على نقل سفارة بلاده واعترافه بأن القدس عاصمة إسرائيل ليس بالجديد ــ تماما ــ كما التوتر الدائم بين الولايات المتحدة الأمريكية وفلسطين طيلة العقود التى تلت النكبة. حيث عارضت واشنطن كل قرار صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أو استخدمت حق الفيتو لتعطيل أى قرار كان يصدر من مجلس الأمن تجاه المسألة الفلسطينية والحقوق الثابتة للشعب الفلسطينى وخاصة فيما يخص القدس.

فالصراع حول مدينة القدس له تاريخ طويل، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فى عام 1947، وافقت الأمم المتحدة على خطة تقسيم فلسطين لدولتين، يهودية وأخرى عربية. أما القدس فيحكمها نظام دولى خاص، نظرا لمكانتها الفريدة. رفض العرب هذا القرار فيما وافقت الدولة الجديدة «إسرائيل» عليه بعد حرب 1948 وإعلانها «الاستقلال». قبلت إسرائيل شرط الأمم المتحدة بقرار 181 و194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين كأساس لقبولها فى المجتمع الدولى والاعتراف بها.

اعترف الرئيس ترومان وبشكل فورى بالدولة الجديدة. ولكن واشنطن لم تعترف بالسيادة الإسرائيلية على أى جزء من القدس. كما لم تعترف بالسيادة الأردنية على الجزء الذى تسيطر عليه من المدينة. ولعبت واشنطن دورا مهما فى تمرير قرار للجمعية العمومية يشير إلى أن القدس «ينبغى أن تحصل على تعامل مميز ومنفصل عن باقى فلسطين». وحين دعت إسرائيل الرئيس ترومان عام 1949 لحضور افتتاح برلمانها الأول فى القدس، رفضت إدارته إرسال ممثل عنها لذلك، عبر ردها الرسمى «الولايات المتحدة لا يمكن أن تدعم أى ترتيب يتضمن شرعنة لتأسيس سيادة إسرائيلية على أجزاء من أراضى القدس».

أكدت الولايات المتحدة بعد أن احتلت إسرائيل كامل مدينة القدس عام 1967 على أنها لا تعترف بأى تدابير إسرائيلية باعتبارها «تغير من وضعية القدس» أو أنها «تشكل حكما مسبقا حول الوضعية النهائية والدائمة للقدس». كذلك أشارت إلى أن «السياسة القائمة لحكومة الولايات المتحدة: هى أن وضعية القدس... لا ينبغى تحديدها من جانب واحد بل بالتشاور مع جميع الجهات المعنية». ورغم تحفظ الحكومات الأمريكية المتعاقبة فى سياستها تجاه «مسألة القدس» إلا أن الكونجرس الأمريكى على العكس من ذلك، أصدر عدة تشريعات يطالب فيها باتخاذ خطوات يمكن أن تعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، تماما كما هو قانون «سفارة القدس» لعام 1995 الذى يعد أقوى تعبير عن رغبة الحزبين الكبيرين بشأن نقل القدس إلى السيادة الإسرائيلية كاملة. ولضمان تنفيذ القانون، فرض الكونجرس عقوبات على الجهات التنفيذية فى حال فشلت فى اتخاذ مثل هذه القرارات ضمن الموعد المذكور. ومنها قطع تمويلات السنة المالية المخصصة لصيانة وبناء السفارات والقنصليات والمكاتب الخارجية الأخرى الأمريكية إلى النصف. وهذا سبب كافٍ لترامب لاعتماد نقل السفارة وهى حاجته المالية للميزانية الخارجية التى يقرها الكونجرس كل عام.

***

لا يهم إن كان قرار ترامب مستندا إلى حجج عقائدية أو رؤية مغايرة للأمن القومى الأمريكى أو لحاجته المالية، هو يمهد الطريق بالنسبة للقدس واعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل كدولة يهودية، كبداية لحل قضايا أخرى أشد صعوبة وبتعاون قسرى من بعض الدول العربية كحل مشكلة اللاجئين من خلال وقف تمويل الأونروا وتوطين اللاجئين فى أماكن تواجدهم، والقبول بجغرافية الدولة الفلسطينية الجديدة عبر توسيع غزة باتجاه سيناء وتبادل أراضٍ، كل ذلك مترافقا مع الضغوط المالية التى تمارس ضد سلطة الحكم الذاتى المحدود وحكومة الرئيس محمود عباس لقبول تلك الصيغ والحلول، خاصة بعد قرار الكونجرس الأمريكى بوقف تمويل السلطة الفلسطينية فى نفس يوم إعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

السؤال ما هى خطواتنا القادمة للرد على القرار، سيذهب الفلسطينيون والعرب إلى مجلس الأمن والجمعية العمومية لطرح موضوع انتهاك الولايات المتحدة الأمريكية لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى وفقا للبند السادس فقرة 28، وهذا البند لا يتيح للولايات المتحدة استخدام حق النقض (فيتو) لأنها الدولة المتعدية على القانون، كما اللجوء إلى بند الاتحاد من أجل السلام لتفادى الفيتو الأمريكى وطرح عضوية فلسطين الكاملة فى الأمم المتحدة، لن يكون كافيا خاصة إن ضربت واشنطن تلك القرارات الدولية عرض الحائط ولم تتراجع ــ وهو الأوقع ــ فماذا نحن فاعلون؟

لم يعد حل الدولتين بالأمر الواقعى خاصة بعد سقوط الأمم المتحدة، فلنجرب حل الدولة الواحدة حتى لا تهدر كل تلك الدماء الذكية؟

 

التعليقات