فى البدء كان الكلمة - جورج إسحق - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 10:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى البدء كان الكلمة

نشر فى : الأحد 11 نوفمبر 2018 - 11:20 م | آخر تحديث : الأحد 11 نوفمبر 2018 - 11:20 م

«فِى الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ» ــ «يوحنا عدد: 1»
والكلمة تشمل أيضا منطق حياة.
أما القرآن الكريم: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ».
أما الشاعر عبدالرحمن الشرقاوى قال كلاما أبهرنى وأعجزنى وصف كلماته الرائعة التى تحيى الروح والأمل:
«أتعرف ما معنى الكلمة؟
مفتاح الجنة فى كلمة
دخول النار على كلمة
وقضاء الله هو كلمة
...
الكلمة نور..
وبعض الكلمات قبور
وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشرى
الكلمة فرقان بين نبى وبغى
بالكلمة تنكشف الغمة
الكلمة حصن الحرية
إن الكلمة مسئولية إن الرجل هو كلمة، شرف الله هو الكلمة».
***
الكلمة هى المَلَكة المعبر بها عن قيم وسلوك المجتمعات، فهى وسيلة التواصل والتفاهم بين كل طرفين، وبها تحدد قيمة كل فن من الفنون البشرية وهى قديمة قدم العمران ويرتبط تطور العمران بدرجة تطور الكلمة.
إن فن الكلمة منذ نشأة الإنسان من الصعب ــ وإن لم نقل المستحيل ــ تصور الإنسان بدون كلام وبدون تفكير، فثنائية الفكر والكلمة هى عنصر مكمل للإنسان بمفهومه الكامل وبدون هذه الثنائية فالإنسان يبقى ناقصا. فوجود الفكر من دون الكلمة يظل محدود الجدوى، نظرا لافتقاره لملكة تخرجه إلى العالم الخارجى المعبر عنه بالآخر، ولذلك فوجود الكلمة يظل إحدى الأساسيات التى لا غناء عنها فى الفكر السليم، ومن هذا المنطلق فإنه بات واضحا ضرورة الاهتمام بفن الكلمة والحرص على سلامتها نظرا لما تلعبه من دور فى خدمة المجتمعات.
الكلمة تعود جذورها وتأثيرها إلى عصر الفراعنة، حيث استخدموا كلمات قديمة فى مصر القديمة، حيث ظهرت لأول مرة فى مخطوط رسمى ما بين عامى 3300 قبل الميلاد و3200 قبل الميلاد، وسميت بالهيروغليفية؛ لأنها تعنى بالإغريقية «نقش مقدس»، وفيها استخدمت الرموز لتعبر عن الأصوات.
وفى عصر الفراعنة استخدمت اللغة الهيروغليفية لنقش وزخرفة النصوص الدينية، وظلت لغة كتابة متداولة حتى القرن الرابع الميلادى، حين تم فك رموزها بمساعدة الكشف الأثرى لحجر رشيد على يد الفرنسى شامبليون.
***
إن مصطلح القوى الناعمة متجذر فى الثقافات الإنسانية، وكان حاضرا فى مصر المحروسة ولا يزال أقوال وكتابات فلاسفة ومفكرين وسياسيين وعلماء، على مر العصور. ويشمل هذا المفهوم، معانى الحكمة، والقدوة، والنموذج الملهم والقيم الإنسانية الجاذبة، والثقافة المبدعة فى مختلف المجالات والفنون.
إن القوى الناعمة لأى مجتمع أساسها الكلمة، فالثقافة كلمة، الفنون كلمة، وتلعب الكلمة دورا بالغا فى تأثير القوى الناعمة، فهى لها فعل السحر فى حياة البشر.
وبمعنى آخر، فإن «القوة الناعمة» هى قوة النموذج الحضارى، كبديل عن «القوة الخشنة» المتمثلة، فى امتلاك واستخدام القوة، والعنف المفرط، والبطش والهيمنة وثقافة الكراهية والتحريض على العنف.
إن تجارب التاريخ المعاصر، تؤكد أن استخدام «القوة الخشنة» كالتدخل العسكرى فى حل الصراعات، لم يعد مقبولا من الرأى العام العالمى، ونتائجه كانت كارثية وغير أخلاقية إلى حد كبير. فهكذا فعلت أمريكا حينما صدرت إلى العالم، فكرة «الحلم الأمريكى» وقيم الحرية، من خلال قوة السينما «هوليوود» الناعمة. والصناعات الثقافية والجامعات والطب المتقدم، والبرامج التليفزيونية التى أثرت تأثيرا كبيرا فى ثقافة المجتمع الأمريكى والعالمى.
روى أن الوزير العراقى الراحل طارق عزيز، استدعى المخرج السينمائى الشهير يوسف شاهين، لمساعدة العراق فى تطوير «سينما عراقية»، وسأله: «ماذا ينقص العراق لصناعة سينما عالمية؟ لديه فنانون ومعدات وأموال» وكان رد يوسف شاهين (وفق رواية سمير فريد ــ الناقد السينمائي) هو: « ينقصكم الحرية».
وفى فترة الخمسينيات والستينيات كان للثقافة المصرية سواء فن أو أدب بالغ التأثير فى المحيط العربى كله، وقد أثر الفنانون المصريون سواء بالغناء أو التمثيل أو الشعر وظهرت أهم الشخصيات على الإطلاق... كانوا يشكلون الوعى والتفكير الجمعى للشعوب.
بدأت تخبو قوتنا الناعمة لسنوات كثيرة، ضعفنا فيها، سمحنا لأفكار هدامة تدخل فى عقول شبابنا وأهمها على الإطلاق التعصب الدينى والمفاهيم الخاطئة عن الحريات، وكل هذا كان له دور فى حدوث خلخلة فى المجتمع من خلال رؤى جديدة بعد هجرة المصريين إلى دول الخليج.
***
والآن وبكل أسف قوتنا الناعمة فى مصر تتراجع وتتهاوى، فالثقافة أصبحت ترفًا لا أهمية لها، انحصر أو تلاشى دور قصور الثقافة فى المحافظات، انعدمت المؤتمرات والندوات الثقافية. أصبحنا فى زمن يحبس فيه الكاتب والناشر ويصادر فيه الكتاب، تمنع المقالات، تحجب المواقع الصحفية، فتموت الكلمة ويتوقف الفكر.
وانحصر دور الكلمة من قبل طرف واحد وتلاشى مصطلح «الكلمة وعكسها»، فأصبحت الكلمة تسير فى اتجاه مخالف تماما لما خلقت من أجله. أما الكلمة المختلفة المضادة فى المعنى والتعبير عن ما هو مروج له فلا مكان لها تحبس وتمنع وتصادر حتى الاختناق.
لابد أن نستعيد آمننا بدور القوة الناعمة وإنها هى السلاح الأقوى لمواجهة كل تطرف وإرهاب وفساد.. هى السلاح الأقوى لاستعادة صورة مصر ودورها على خريطة العالم.. السلاح الأهم والأكيد فى استعادة شباب مصر لحضنها ولأرضها بانتماء وحب.
لابد أن تطلق حرية الكلمة وندرك أن الكلمة نور فى كل العصور، إن الكلمة منبر الحريات وصيانة الفكر وانعكاس الحاضر.
أطلقوا الإبداع ولا تحاصروه
حرروا الكلمة ولا تحبسوها
اسمعوا كل الآراء ولا تتجاهلوها

مفتاح الجنة فى كلمة
دخول النار على كلمة
وقضاء الله هو كلمة

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات