بين السياسة والرياضة.. مسألة قواعد - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 9:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين السياسة والرياضة.. مسألة قواعد

نشر فى : الأحد 11 مارس 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : الأحد 11 مارس 2018 - 9:35 م

كل ما يتصل بالمجال العام فهو شأن سياسى.
هذه قاعدة لا تقبل الاستثناء.
هناك فارق جوهرى بين الشأن السياسى باتساع نظرته والتوظيف السياسى بضيق أفقه.
بمدى قدرة السياسة على إشباع احتياجات مواطنيها تكتسب الدول مناعتها وقوتها وقدرتها على النهوض.
هذه مسألة تشمل ــ بالضرورة ــ جميع حقوق المواطنة وبناء دولة المؤسسات وكفالة الحريات العامة وكفاية الخدمات الصحية والتعليمية واستقلال الجامعات وحرية البحث العلمى والإبداع الفنى والثقافى والحق فى الرياضة.
لكل ميدان قواعده وأصوله الحديثة، فإذا غابت تضرب العشوائية البلد كله.
لم تكن مصادفة أن ينص الدستور المصرى على أن «ممارسة الرياضة حق للجميع» فى باب «الحقوق والحريات والواجبات العامة».
هكذا استقر النظر الإنسانى إلى ممارسة الرياضة باعتبارها حقا رئيسيا لكل مواطن.
كما استقر فى القوانين الرياضية الدولية منع التسييس وإقحام الصراعات الحزبية عليها واستخدام منصاتها لدعايات عنصرية.
بقدر وضوح القواعد اكتسبت الألعاب الرياضية شعبيتها وسحرها.
فكل شىء يمضى وفق قوانين تحترم وقواعد تلزم وكل طرف يعرف حدود دوره وأصول المنافسة بما يضفى على المكسب شرعية استحقاقه.
من هذه الزاوية اكتسبت الرياضة قدرتها على التقريب بين الدول والشعوب والثقافات ــ إنها لغة واحدة مفهومة وممتعة معا.
من زاوية أخرى فإنها تزكى روح التنافس بين الدول فى اختبارات الجدارة وفق الشعار الأوليمبى: «الأسرع والأعلى والأقوى».
ما يجرى ــ أحيانا ــ من مناكفات سياسية قبل الدورات الأوليمبية يعبر عن طبيعة النظرة إليها كمؤشر على أوزان الدول وقدراتها.
من الأسرع فى معدلات النمو والتطور؟
من الأعلى بمقاييس جودة الحياة؟
ومن الأقوى فى القدرات العسكرية والاستراتيجية؟
نزع الرسائل السياسية عن المنافسات الرياضية وهم كامل.
فى الحالتين، السياسية والرياضية، فإن كفاءة المنظومة أساس كل حساب.
المنظومة السياسية مسألة مؤسسات ودولة قانون وفصل بين السلطات والتزام كل مؤسسة بأدوارها الدستورية لا تتعداها ولا تتغول على غيرها.
إذا توافرت الاشتراطات فإننا أمام دولة حديثة فرصها مفتوحة على المستقبل.
والمنظومة الرياضية مسألة قواعد وقوانين تضبط التنافس وسلامة التصرفات.
منذ العصور الحديثة هناك سؤال يلح على الفكر العربى: لماذا تقدموا؟.. ولماذا تأخرنا؟
تعددت الإجابات باختلاف المدارس والاجتهادات دون أن نتوقف بشىء من الجدية أمام حضور القواعد هناك وغيابها هنا، ضمانات التنافس هناك وغيابها هنا، روح العمل الجماعى هناك وغيابها هنا، تراكم الخبرات وتطويرها هناك وغياب التراكم هنا ـ كأننا نقرأ كتاب التاريخ من جديد ولا نتعلم من التجارب السابقة.
بأية قراءة موضوعية لظاهرة لاعب المنتخب المصرى «محمد صلاح»، الذى تألق فى الدورى الإنجليزى واكتسب سمعة عالية كواحد من أفضل اللاعبين فى العالم، فإنها تعود بالأساس إلى المنظومة الرياضية التى يعمل بمقتضى قواعدها وأصولها وقدرته على الانضباط والإبداع وفقها.
إذا غابت القواعد فلا منظومة رياضية، أو غير رياضية.
تحسين المجال العام من ضرورات بناء منظومات رياضية حديثة ومتقدمة وقادرة على المنافسة وإثبات الجدارة وعودة الجمهور إلى ملاعب كرة القدم مسألة لا غنى عنها حتى تعود الحياة إلى طبيعتها.
غياب الجمهور رسالة سلبية على مستويات الاستقرار تؤثر بالسلب على حركة الاقتصاد وجذب السياحة، كما تضرب الرياضة كصناعة.
هذه مسألة سياسية مباشرة.
كما أن ذلك الغياب يحرم قطاعات واسعة من الرأى العام من حق أصيل فى المتنفسات الاجتماعية تضيق به الصدور.
ملاعب كرة القدم مثل الحدائق العامة ودور المسرح والسينما والمقاهى والمنتديات تسمح بالتنفس الاجتماعى، فإذا أغلقت، أو حوصرت، يدخل المجتمع فى أزمة عميقة، حتى لو بدت مكتومة.
هناك فارق بين التنفيس والتنفس، الأول فعل إلهاء، والثانى ضرورة حياة.
وقد كان تطورا سلبيا وخطيرا ما جرى فى استاد القاهرة الدولى خلال مباراة بين فريقى «الأهلى» و«مونانا» الجابونى فى دورى أبطال إفريقيا من أعمال شغب حطمت خلالها مقاعد وكاميرات مراقبة وأعقبتها حملة اعتقالات فى صفوف «الألتراس» وتحقيقات أمام نيابة أمن الدولة.
بأثر الحادث تأجلت أى عودة للجمهور بصورة واسعة وطبيعية إلى ملاعب كرة القدم وأوقفت أية مباريات فى استاد القاهرة الدولى برمزيته وموقعه فى قلب العاصمة.
كما انكشفت المنظومة الرياضية بمناكفات بين أطراف مختلفة كل منها يلقى المسئولية على الآخر دون مراجعة حقيقية، أو أية مصارحة على شىء من الجدية.
يكاد الغبار أن يعمى الأبصار عن الحقائق، فالجميع يدين ما جرى، بمن فيهم «الألتراس»، وبعض الأصوات تطالب بالقمع المفرط واعتبار الجمهور ــ دون تمييز ــ عنصر هدم للاستقرار وتهديد للدولة.
ذلك يعنى ــ أولا ــ نوعا من التجهيل بأسباب ما هو مكتوم ومنذر وسط جمهور عريض وغاضب من مشجعى «الأهلى»، أكبر الأندية الرياضية المصرية وأكثرها شعبية، على خلفية صدامات سابقة مع الأمن لم تجد من يحتوى آثارها بالحوار لا الوعيد حتى يستعيد العلاقة الطبيعية المفترضة بين جمهور يشجع وأمن يصون.
ويعنى ــ ثانيا ــ أن طاقة الغضب والإحباط مازالت تتفاعل وتنذر بصدامات مقبلة دون أن تجد من يتفهم دوافعها ويعمل على التئام جراحها التى نزفت بقسوة، فى حوادث سابقة أخطرها ما جرى فى استاد «بورسعيد» وأفضى إلى سقوط (٧٢) ضحية من بين المشجعين.
ويعنى ــ ثالثا ــ أن احتمالات الصدام تظل ماثلة إلى أجل غير معلوم طالما بقيت طاقة الغضب على حالها، أو استمدت من البيئة السلبية المحيطة مددا إضافيا بقدر ما تحتويه من تشوهات فى العلاقة بين الأمن وشعبه.
ويعنى ــ رابعا ــ غياب أية إدارة سياسية للملف الشائك، وبعض الاتهامات المرسلة لـ«الألتراس» تمنع أى تواصل ممكن، خاصة أنهم أدانوا ما جرى فى استاد القاهرة واعتذروا عنه.
هناك خط فاصل بين العقاب القانونى فى حدوده وإطلاق التجريم من أى قيد سياسى أو أخلاقى.
تخريب المنشآت العامة جريمة لا يصح لأحد أن يدافع عنها وتعميم الاتهام دون قرينة خطيئة لا يصح لأحد ارتكابها.
هذا كلام فى القانون والعدل والشأن العام يهم كل مواطن برسائله ومحاذيره، سواء دخلت «كرة القدم» فى اهتماماته أو انصرف عنها.
القواعد مسألة التحاق بالعصر وضوابط لا تحجب الحريات باسم الأمن ولا تمنع حرية إبداء الرأى تحت سيف الترهيب.
بلا قواعد حديثة لن يصلح شىء فى هذا البلد من المؤسسات النافذة إلى ملاعب كرة القدم.