استعراضات القوة فى حسابات الرئاسة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استعراضات القوة فى حسابات الرئاسة

نشر فى : الإثنين 12 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 12 مارس 2012 - 8:00 ص

دخل المشير «حسين طنطاوى» إلى سؤاله المقلق بلا مقدمات طويلة: «هل تتقدم المؤسسة العسكرية بمرشح رئاسى على ما درجت عليه منذ عام ١٩٥٢؟».. ودعا أعضاء المجلس العسكرى أن يجيبوا عن هذا السؤال واحدا إثر الآخر من اليمين إلى اليسار، وتدافعت الإجابات تزكى المشير للمنصب الأرفع، ولكن بعض تلك الإجابات طرحت مخاوفها من تورط القوات المسلحة فى المستنقع السياسى، وكانت الأجواء يومها ملبدة بغيوم كثيفة أعقبت مباشرة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، أو أن يوضع على كاهلها ما لا قبل لها به من ملفات اقتصادية ضاغطة تنذر بمواجهات اجتماعية وثورات جياع.

 

فى هذا الاجتماع حسم المشير أمره قائلا: «لا أنا ولا غيرى من أعضاء المجلس سوف يترشح للرئاسة». ظلت العبارة بنصها معلقة فى فضاء اجتماعات العسكرى: لا تقدم بمرشح عسكرى للرئاسة ولا تحبيذ لمرشح مدنى بعينه للمنصب ذاته.

 

فى فراغ التصور راوحت الفكرة مكانها، والقرار الأخير أحيل إلى أجل غير مسمى.

 

فى لحظة بدت فكرة «المرشح التوافقى» بين العسكرى والجماعة ممكنة وجاهزة، ولكن العسكرى خانته مواقيته.. والجماعة تغيرت حساباتها بعد حصولها على أكثرية مجلسى «الشعب» و«الشورى». العسكرى فقد هيبته بصورة فادحة بعد المواجهات الدامية فى «ماسبيرو» وشارعى «محمد محمود» و«مجلس الشعب»، ولحقت بصورة المؤسسة العسكرية أضرار يصعب تداركها فى أى مدى منظور إلى حد أن قيادات بارزة فيها وصفت ما جرى بأنه «اغتيال معنوى».. والجماعة تصاعد نفوذها السياسى والبرلمانى واتسعت مطالبها، حزبها هو حزب الأكثرية، وحكومة الجنزورى إخفاقها واضح، وبيانها ركيك. مشكلة الجماعة فى التقدم للسلطة تلخصها هواجس تاريخها: إما أن نحصل عليها الآن كاملة وإما ألا نحصل عليها أبدا.

 

بدأت عمليات شد وجذب بين العسكرى والجماعة من نوع جديد ومختلف.. صراعات على أحجام القوة فى موازين السلطة، وتبدت قضيتان فى المشهد المحتقن حانت الاستحقاقات فيهما: الرئاسة والدستور. استبقت الاستحقاقات قضية ثالثة أخذت شكل المواجهات المحسوبة، لا اتفاق ولا صدام قبل تحديد الأحجام وحسم الخيارات. الجماعة دعت إلى سحب الثقة من حكومة الجنزورى وتشكيل حكومة جديدة برئاستها، وهى تدرك أن الإعلان الدستورى لا يخول البرلمان صلاحيات سحب الثقة من الحكومة أو تعيين حكومة جديدة.

 

فى لعبة الشد والجذب وجد الدكتور «كمال الجنزورى» نفسه مدفوعا إلى التهديد الجدى: «لن أذهب للبرلمان»، فالجماعة تهينه والعسكرى لا يحميه. ووجد العسكرى نفسه مدفوعا إلى طريقين متناقضين. الأول، إبداء قبول مبدئى بتشكيل حكومة جديدة لها سند فى البرلمان. والثانى، الاعتراض على الطريقة التى تجرى بها الجماعة إدارة الأزمة.

 

 الأول، فيه إغواء بالسلطة.. والثانى، فيه طلب بالتراجع عن فكرة سحب الثقة من حكومة الجنزورى.

 

فى لعبة الشد والجذب وتحديد الأحجام وصفت شخصية برلمانية كبيرة من قلب المطبخ السياسى للجماعة فى لقاء مع العسكرى الأزمة كلها بـ«زوبعة فى فنجان». وباليقين فإن الأزمة ليست مفتعلة ولا طارئة، ولكنها القوة عندما تحاول استكشاف طرقها إلى السلطة وتقاسم جوائزها، التى يجرى التعامل معها أحيانا كغنائم.

 

المثير فى قصة الجماعة والجنزورى أن الأولى رجحت اختيار الثانى لمنصب رئيس الحكومة بعد إقالة الدكتور «عصام شرف»، واعترضت على فكرة إسناد المنصب ذاته لأمين عام الجامعة العربية السابق «عمرو موسى» أو الفقية القانونى الدكتور«حسام عيسى». ولكن الأحوال تغيرت والحسابات تبدلت، وبدا أن أمام الجماعة خيارات جديدة واختبارات جديدة للقوة وحدودها دخلت فيها فضيحة سفر المتهمين الأمريكيين فى قضية «التمويل الأجنبى». وكانت تصريحات السيناتور الأمريكى «جون ماكين» مادة تجاذبات أخرى بين العسكرى والجماعة، اللذين شكرهما «ماكين» معا على دورهما فى إنهاء تلك الأزمة الملغومة.

 

حتى الآن لم يتطرق «خيرت الشاطر» نائب المرشد العام ورجل الجماعة القوى إلى النقاط الرئيسية فى حواره مع «ماكين» بمكتبه فى مدينة نصر: كيف عرض السيناتور قضيته.. وماذا طلب بالضبط.. وبماذا رد على طلبه؟. والأهم أن يوضح: كيف استنتج «ماكين» من كلامه ما استدعى أن يشكره عليه فى مجلس الشيوخ الأمريكى؟. ولدرء المخاطر التى لحقت بصورة الجماعة أصدرت بيانا سياسيا باسمها يُذكر بمواقفها من السياسات الأمريكية وحروبها فى المنطقة وفيه انتقادات غير معتادة للعسكرى الذى «يدير البلاد بالطريقة التى كان يديرها بها الرئيس المخلوع من حيث الخضوع لأمريكا والتدخل السافر فى أعمال القضاء والتفريط فى السيادة والكرامة الوطنية». فى ظاهر العبارة ما يوحى بأن الصدام وشيك، وفى حقيقتها فإن غضبها مرده تلويح العسكرى فى رسالة وصلتها بأن مجلس الشعب قد يُحل لعدم الدستورية، فقد أجريت انتخاباته بقانون من المؤكد أن المحكمة الدستورية سوف تحكم ببطلانه وفق أغلب أساتذة القانون الدستورى. الرسالة وصلت للجماعة والإجابة عنها أخذت طريقين. الأول، الاتجاه إلى تسوية أزمة حكومة الجنزورى. والثانى، تصعيد الحملة الكلامية مع العسكرى. وفى الطريقين تجلت سياستها العملية، فالعسكرى، رغم تراجع هيبته ونفوذه، مازال يمتلك أوراق سلطة الدولة وهيبة سلاحها.

 

هذه الأجواء الملبدة بالتوترات والتقلبات استبقت فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية وانعكست بتفاعلاتها على حساباتها واستعراضات القوة فيها.

 

العسكرى داهمته مواعيده المؤجلة وقبل فتح باب الترشح بأيام قليلة سأل المشير «حسين طنطاوى» عما إذا كان «منصور حسن» سيترشح للمنصب الرئاسى أم أنه سيواصل الإحجام ويصرف النظر عن هذه الفكرة تماما. اتصل الفريق «سامى عنان» على الفور بـ«حسن» مستوضحا قراره الأخير، فأبلغه أنه قد حزم أمره وسيعلن ترشحه للرئاسة فى صباح الغد.

 

عندما التقى الرجلان فى اليوم التالى باجتماع ضم عددا من الشباب، قبل أن يختليا لبعض الوقت، راجت تصورات أن هذا الاجتماع هو الذى حسم فكرة الترشح للرئاسة. ولم يكن ذلك دقيقا ولا صحيحا. فالفكرة راودت «حسن» طويلا، وحاورته الجماعة واستطلعت تصوراته، وعرض بعض رسلها أن يسند منصب نائب رئيس الجمهورية لـ«خيرت الشاطر»، ولكنه اعتذر عن قبول الفكرة، التى تظهره أمام الرأى العام كرجل جاءت به الجماعة إلى الرئاسة، وأنه بات أسير نائبه المفترض. ولكن اتصالاته مع الجماعة لم تتوقف فى محاولة لاستكشاف الطريق إلى القصر الجمهورى. وصاحبتها فى الوقت ذاته حوارات أخرى مع أحزاب ليبرالية من بينها «الوفد» و«المصريين الأحرار» و«المصرى الاجتماعى».الأول، حسم خياره وأعلن دعم «حسن» وتخلى عن دعم «عمرو موسى» ولكنه عاد تحت ضغط بعض جماعات الشباب فيه لإعادة طرح التصويت فى هيئته العليا مرة أخرى. والثانى، يميل إلى إبداء الدعم ذاته. والثالث، يفكر فى خياراته قبل إعلان مواقفه.

 

إنه إذن «المرشح التوافقى». ولكن الفكرة باتت مستهجنة فى قطاعات الرأى العام.. والرجل نفسه يرفض أن يوصف بهذه الصفة.

 

العسكرى يميل إليه ويحبذه، وليس له مرشح آخر يفضله عليه. ولكن اللعبة فى أولها، والأرضية السياسية هشة، واتجاهات الرأى العام تأخذها الرياح فى اتجاهات شتى إلى أن تستقر على حقائق ثابتة وخيارات أخيرة.

 

العسكرى يعنيه تماما من يكون الرئيس القادم، ولكنه إن تعقدت الأمور واضطربت الحسابات قد يتراجع عما أعلنه من قبل ويتقدم بمرشح رئاسى مباشر.

 

إنه «منصور حسن» مبدئيا إلى أن تتأكد فرصه فى موازين اللعبة الانتخابية، أو مرشح آخر من داخل العسكرى، المشير بضغوط عليه من المجلس نفسه، أو الفريق «سامى عنان» وطموحاته تسبقه فى اتصالاته. جولة الأول فى شوارع مدينة نصر لنصف ساعة بعد صلاة الجمعة فى يوم الشهيد قد تدعوه مشاهدها لاحقا لإعادة النظر، وهو احتمال محدود للغاية لكن يصعب استبعاده نهائيا. والثانى، حضوره السياسى فى حوارات القوى السياسية يغريه بالتفكير، ولديه مخاوفه من ألا يحصل على شىء، لا فى بنيان الدولة السياسى ولا فى رئاسة المؤسسة العسكرية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.

 

فى لحظة مبكرة تصور «عمرو موسى» أن منافسه الرئيسى هو «سامى عنان»، وهى فكرة قد تعاود إنتاج نفسها إن تعقدت حسابات الرئاسة.

 

الفرصة الآن عند «منصور حسن»، وإذا اكتملت لعبة «الميكانو» فى تزكيته قطعة بعد أخرى فمن المؤكد أنه رئيس الجمهورية القادم. ولكن ألعاب السياسة أكثر تعقيدا، وشواغلها تأخذها إلى حسابات متقلبة، فاكتمال اللعبة يفترض أن تحسم القوى البرلمانية الليبرالية خيارها، وأن تحسم القوى الإسلامية الرئيسية ذات الخيار وأن يبارك العسكرى اللعبة كلها.

 

عوامل القوة تنازع عوامل الضعف فى حملته، فمن عوامل القوة فكرة التوافق السياسى والعسكرى الواسع عليه، ونقطة الضعف هنا أنه توافق هش حتى هذه اللحظة. ومن عوامل القوة أن جماعات رجال الأعمال سوف تدعمه، وهو الوحيد القادر على ضخ مال فى شرايين حملته الرئاسية تضاهى قدرة حملة «عمرو موسى»، بينما حملات منافسيهم الرئيسيين «أبو الفتوح» و«حمدين صباحى» و«حازم أبو إسماعيل» لا تتوافر لها ذات القدرة التنافسية. ونقطة الضعف هنا تتعلق بمدى التزامه بقضية العدالة الاجتماعية، وهو تحدى يفرض نفسه عليه. المعضلة الكبرى أمام أى رئيس منتخب: ماذا سوف يفعل فى تركة ثقيلة ومواريث فاسدة؟. واللافت فى أربعة من المرشحين الكبار أن فكرة القدر تسكنهم جميعهم معتقدين أن المشيئة الإلهية ادخرتهم لهذا اليوم. عمرو موسى بتاريخه الدبلوماسى وشعبيته الظاهرة عندما كان وزيرا للخارجية تسكنه فكرة مواصلة الصعود إلى أعلى السلم السياسى، ومنصور حسن تسكنه فكرة استعادة ما كان مؤهلا له ومستعدا لتبعاته قبل ثلاثين سنة فى ظل «السادات»، أن يكون هو لا «مبارك» رجل مصر الأول، وبعبارة موحية وصف ما يجرى له الآن بأن «القدر يجرجرنى»، إنه إذن موعد مع القدر، وهذه فكرة تسكن «حمدين صباحى» و«عبدالمنعم أبوالفتوح» بذات القدر، منذ منتصف السبعينيات، فقد تبع الثانى الأول على مقعد رئيس اتحاد طلاب جامعةالقاهرة. وهناك فكرة فى الجو السياسى قد تزكى فرص الأخيرين معا فى تشكيل فريق رئاسى، يضم إليهما المستشار «هشام البسطويسى»، وتجرى اتصالات واجتماعات لهذا الغرض، لكن ما يحول دون تحققه أن كليهما يعتقد أن فرصته مواتية وشخصيته قادرة على كسب القلوب والعقول.

 

الجماعة ترقب التفاعلات وترصد حساباتها، وعندها مأزق يؤرقها عنوانه: «أبو الفتوح»، تخشى من تصدعات داخلها، قررت ألا تدعمه، ولكنها لا يتوافر لديها مرشح تزكيه قادر على إقناع قواعدها. الجماعة تشغلها حسابات السلطة وشهواتها أكثر من حسابات الرئاسة وتعقيداتها، فالرئيس قد تُهمش صلاحياته فى الدستور الجديد، ولكن السباق الرئاسى يضغط على أعصابها، و«منصور حسن» الأقرب حتى الآن لدعمها، ولكن هذه مسألة مؤجلة لحين غلق باب الترشح، ففى اعتبارها أن الرهان على جواد خاسر يخصم من هيبتها ومن فوائض القوة التى حصدتها فى انتخابات مجلسى «الشعب» و«الشورى». الانتخابات الرئاسية تختلف فى طبيعتها عن الانتخابات البرلمانية، والجماعة لا تمتلك ولا تقدر أن تحسم بمفردها مصير الرئاسة، قالت فى البداية إنه لن يكون إسلاميا، ثم عادت لتقول إنه لابد أن يكون بخلفية إسلامية، دخل فى خط خياراتها المستشاران «طارق البشرى» و«حسام الغريانى». لكن الأول اعتذر والثانى اعتبر أن الفكرة مستبعدة قبل أن تطرح رسميا عليه.

 

تتداخل استعراضات القوة بين العسكرى والجماعة والتيارات السياسية الليبرالية، وبعض تلك الاستعراضات تفتقر إلى الإقناع بأنها جادة وحقيقية، مع استعراضات أخرى إقليمية ودولية، فالسعودية حاضرة وقطر داخلة فى الملف، والولايات المتحدة تعتبر قضية المستقبل السياسى المصرى شأنا استراتيجيا يتعلق بأمنها القومى ومصالحها فى المنطقة.

 

دول الخليج، وقد أصبحت الجامعة العربية رهينة لديها، عندها صلات قوية ومصادر ضخ مال لجماعات إسلامية متعددة، وكلمتها مؤثرة ومسموعة، والولايات المتحدة خرجت من اختبار قوة فى مسألة المتهمين الأمريكيين فى قضية «التمويل الأجنبى» منتصرة بصورة تؤكد حضورها الكبير فى اختيار الرئيس المقبل. وهنا أمران خطيران. الأول، أن العسكرى يبرر فضيحة سفر المتهمين الأمريكيين بأن مصر قد تعرضت لتهديد صريح بعملية عسكرية تفرج عن هؤلاء المتهمين، كأن بلادنا صارت مستباحة إلى هذا الحد، وهو أمر يتعلق بالأمن القومى والمستقبل السياسى المصرى الذى بات التدخل الأمريكى فى أدق شئونه الداخلية علنيا وفاضحا. والثانى، أن السيناتور «جون ماكين» تطرق فى حواراته القاهرية إلى مسألة الرئاسة، مستطلعا التوجهات والخيارات، وفى حواره مع «خيرت الشاطر» أسهب لمدة ربع ساعة كاملة فى الحديث عن مرشح بعينه. وهذه كلها عوامل مؤثرة فى استعراضات قوة مخفية تحت سطح ملتهب شواهدها تظهر أحيانا للعيان.