الوحش القادم من الشرق - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 5:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوحش القادم من الشرق

نشر فى : السبت 10 مارس 2018 - 10:20 م | آخر تحديث : السبت 10 مارس 2018 - 10:20 م

نشرت صحيفة الاتحاد الإماراتية مقالا للكاتب «محمد عارف» جاء فيه: فتحتُ ستارةَ غرفتى فوجدت الجليد يغطى حديقة منزلى جنوب لندن، وعريشةُ الياسمين التى تتسلق ناصية نافذتى مكللةً بالجليد الذى غطىّ أشجار السرو السامقة، وتوسّدَ الأوراق الفضية لشجرتيْ زيتون فَتِيَّتَين غرستُهما جوارَ السرو، حمايةً من شتاء إنجليزى قارس، فتك بنخلتيّ العراقيتين. هذا الهجوم الجليديُّ المباغتُ حدث فى كل مدينة أوروبية أقمتُ فيها، وكنتُ أدهش عندما أستيقظُ صباحا فأجد كل شيء ملفعا بالبياض. فى مدينة «ووج» فى «بولندا»، حيث درست اللغة البولندية، شهدتُ أول مرة تساقط الثلج، وظننته أوراق الأشجار تتساقط بسبب البرد. وفى العاصمة التشيكية «براغ» كان عليّ وعروسى أن نزيل ركام الثلوج لإخراج السيارة المدفونة فى باحة منزل الطلبة، حيث كنا نقضى أسبوع العسل. وفى موسكو كنت أغالب الحنين لزوجتى وطفلّيَ فى بغداد، برياضة التزحلق على الجليد، وأتجاوز خوفى أن أسقط مغشيا عليّ، وتغطينى الثلوج المنثالة، ولا يعثرون على جثتى إلا عند ذوبانها فى الربيع.
و«الوحش القادم من الشرق»، كان عناوين تقارير الصحف عن دوامة جليدية قادمة من سيبيريا، ضربت حتى إيطاليا وإسبانيا واليونان جنوب القارة الأوروبية. وفى النرويج، شمال القارة انخفضت الحرارة إلى 42 تحت الصفر، فيما كانت 2 فوق الصفر فى القطب الشمالى. كيف أمكن حدوث ذلك؟.. السؤال مطروح، ليس فى أوروبا فقط، بل فى أمريكا أيضا، حيثُ تدعمُ الظاهرةُ موقف الرئيس ترامب ضد اتفاقية المناخ العالمى التى يعتبرها «كذبة صينية» لفرض قيود على الصناعة الأمريكية. إلا أن عالِم المناخ الأمريكى «يودا كوهين» يفسر العلاقة بين دفء القطب وكوارث العواصف الثلجية فى مدن أمريكية عدة: «عندما تضعف الدوّامات القطبية تسمح للرياح الباردة بالهروب إلى الجنوب». ويقارن «كوهين» ذلك بالبرّاد «عندما نغلق بابه يبقى داخله باردا، والمطبخ دافئ، لكن إذا تركنا باب البرّاد مفتوحا يتدفق البرد إلى المطبخ، فيما يتدفق الهواء الدافئ إلى داخل البرّاد».
ويوم الخميس الماضى استعاد «الوحش القادم من الشرق» معناه «التاريخي» عندما هدّد الرئيس الروسى «بوتين» بطوربيدات نووية، وأسلحة ليزرية، وصواريخ «خفية» عابرة للقارات، وغواصات تحمل قذائف نووية، تجعل أعماق البحار ميادين حرب. ورافقت خطابه فى «البرلمان الاتحادى الروسي» لقطات فيديو عرضتها شاشة عملاقة خلفه لصواريخ تستهدف نقاط ضعف استراتيجية واشنطن، التى تركز على هجمات صاروخية قادمة من الأعلى، فتأتيها من الأسفل. صاروخ «كينجال»، ويعنى «خنجر»، «لا تضاهيه أى أسلحة أمريكية، فهو ينعقف كالخنجر العربى حول خاصرة القارة، وينغرس فى قلب الهدف، ولاية فلوريدا، حيث منزل استجمام الرئيس الأمريكى. وصواريخ «سارمات» الطوّافة متعددة الرءوس النووية، تحتضن الكرة الأرضية عبر القطبين الشمالى والجنوبى، قادرة على تدمير الولايات المتحدة بالكامل». وأشار بوتين إلى معلومات حول «سارمات» سرّبتها موسكو عام 2007: «لم يصغوا آنذاك لما نقول، وعليهم الآن الإصغاء».
هل خطاب بوتين خدعة لتبريد الرءوس الساخنة فى واشنطن، حيث تستمر التحقيقات فى ما يُسمى «التدخل الروسي» فى انتخابات الرئاسة الأمريكية؟ أم لتسخين عواطف الروس الذين سيصوتون لانتخاب رئيس جديد قديم الأسبوع المقبل؟ أم لبث الحياة فى «المعسكر الاشتراكي» الراحل؟ هذه الأسئلة تستدعى جوابا «بنيويا»، حسب المصطلح الذى يردده بوتين. وأقدم حكمة «بنيوية» قالها الشاعر الصوفى جلال الدين الرومى: «الكلمات محض أعذار، فالروابط الداخلية تشدّ شخصا إلى آخر، وليس الكلمات». وهل غير الروابط الداخلية تفسر الزيارة الحافلة بالمشاريع والمشاعر إلى موسكو، قام بها زعيما هنغاريا وتشيكيا اللتان قادتا فى تسعينيات القرن الماضى حملة تهديم المعسكر الاشتراكي؟
أتّطَلَع من النافذة إلى أشجارى، وأتذكر قول «الرومي»: «لا تَحزَنْ، فكلّ ما تخسره يعود بشكل آخر».

الاتحاد ــ الإمارات

التعليقات