«أشعارٌ بلا نهاية».. البحث عن أجنحة! - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 6:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«أشعارٌ بلا نهاية».. البحث عن أجنحة!

نشر فى : الخميس 10 يناير 2019 - 10:35 م | آخر تحديث : الخميس 10 يناير 2019 - 10:35 م

من أفضل وأمتع أفلام بانوراما الفيلم الأوربى 2018 الفيلم السيريالى البديع «أشعار بلا نهاية» للمخرج الكبير أليخاندرو خودورفسكى، الذى يمكن اعتباره فيلما فى حب الحرية والفن، وفى مدح الباحثين عن أجنحة للطيران، وفى أهمية اكتشاف الذات، والتمرد على المألوف، وفى البحث عن الاختلاف والتفرد.
لا يُقال ذلك من خلال رحلة البطل إليخاندرو فحسب، وهو المعادل الدرامى الذى يترجم سيرة المخرج، بل إن أليخاندرو خودورفسكى يمثل شخصيتَه فى الفيلم، كما يمثل معه اثنان من أبنائه، ولكن الفيلم يترجم أيضا هذه الحرية بمعالجته السيريالية باذخة الجمال والألوان، وبهذا الخيال الذى رسمت به معالم الشخصيات والديكورات، وبتلك اللمسة الساخرة والساحرة فى رسم المواقف والمشاهد، وكأن أليخاندرو الذى يتمرد على والده وأسرته فى الفيلم، فى سبيل أن يكون شاعرا، كتب لنا قصيدته السينمائية باستخدام الكاميرا بعد أن تجاوز سن الشباب، وهى بالطبع قصيدة سيريالية، تعيد تشكيل الواقع، بصورة تجعله أقرب إلى الأحلام، وعلى الرغم من أن الوعى حاضر، والسرد مرتب إلى حد كبير، ولكن هناك دوما لمسات مفاجئة تجعلنا فوق الواقع.
تبدأ الحكاية من وصول الصبى أليخاندرو مع أمه المغنية، ووالده التاجر المتسلط، إلى سانتياجو، عاصمة شيلى، وينتهى الفيلم، برحيل الشاب أليخاندرو بمفرده إلى باريس لكى يكتشف السيريالية، وبين البداية والنهاية رحلةٌ مدهشة يتعلق فيها الصبى بأشعار لوركا، بينما يصر الأب، عدو الفقراء، على أن يكون ابنه طبيبا، يهرب الابن، ويلقى بنفسه وسط أهل الفن والشعر، يعشق الشاعرة البوهيمية «ستيلا»، ويصادق الشاعر غريب الأطوار «نيكانور بارا»، يمتلك إليخاندرو استديو منحه له فنان يلعب دوره الشاعر السورى «أدونيس»، يعرف الشاب عاشق الشعر معنى بهجة الحياة والفن، ومع ظهور ديكتاتور فى بلاده يُدعى إيبانيز، يختار أليخاندرو الذهاب إلى باريس، بعد أن يواجه والده مواجهة قاسية وعاطفية معا.
يبدو السرد كلاسيكيا ومرتبا فى ظاهره، ولكنه ترتيب خادع، ذلك أن خودورفسكى يظهر شخصيا لكى يكسر أى إيهام، يتكلم مع أبطاله، والشخصيات والديكورات ولمسات الماكياج تصنع عالما خياليا وغير واقعى، أم أليخاندرو مثلا مغنية، بالطريقة الواقعية يمكن أن نعرف ذلك بجملة حوار، ولكن بالطريقة السيريالية تنفرد الأم بأن كل جمل حوارها العادية مغناة بشكل أوبرالى، المطعم والبار الذى يقابل فيه أليخاندرو ستيلا لا يبدو أيضا عاديا، الجرسونات كلهم من كبار السن، فى ملابس سوداء رسمية، وفى إحدى المرات يجتمعون حول جثة زميل لهم، فى تحية واضحة لمشهد شهير فى فيلم «سحر البورجوازية الخفى» للمخرج السيريالى الأشهر لويس بونويل.
هكذا تتم إعادة تشكيل الواقع فى لوحات كوميدية غالبا، وصادمة فى بعض الأحيان، تمتلك الصورة ومكوناتها ثراء مذهلا على الرغم من بساطة الحكى، تصبح المقاعد أعلى وأضخم، ويطير مشد الأم الذى يكبل إرادتها، ويجعلها متفرجة وغير مؤثرة، من خلال ربطه ببالونات حمراء تحلق فى الهواء، وتظهر الهياكل العظمية فى كرنفال النهاية، وعلى خلفية المركب الذى يحمل أليخاندرو إلى باريس، تعبيرا عن خطورة الرحلة، وحضور الموت فى مقابل صخب الحياة، تمتلئ الحكاية بالأشعار، والأجساد العارية، ورموز النازية (التى تظهر أمام متجر الأب وفى استعراضات الحاكم إيبانيز الذى يدعى تطهير المدينة من الفساد بالمقشات)، ويظهر معنى الرحلة قويا وواضحا: إيمان كامل بالفن والشعر، وانصراف إلى اكتشاف الحياة بدلا من تأملها أو تعريفها، ورفض قاطع لكل القيود التى تقهر الموهبة، أو تمنع إنسانا من أن يختار أو يتحقق.
ربما يبدو التشخيص هو أقل عناصر الفيلم، أليخاندرو الصبى جيد، ولكن أليخاندرو الشاب متواضع الأداء، ويشبه الموظفين فى هيئته، والأفضل هو الممثل الذى لعب دور والد خودورفسكى، الحقيقة أنه يمكن فهم الفيلم بأكمله على أنه رحلة تمرد على السلطة الأبوية، التى لولا مواجهتها ما عرف أليخاندرو معنى وأهمية حريته، لذلك يتعارك مع الأب، ثم يقبله مودعا إلى باريس، ولكن ليس قبل أن يحلق الابن شعر الأب، وكأنه يجعله مولودا من جديد، يبدأ حياته مرة أخرى، بعيدا عن التسلط والجشع.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات