الاحتلال اللغوى لسوريا يوازى الاحتلال العسكرى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاحتلال اللغوى لسوريا يوازى الاحتلال العسكرى

نشر فى : الإثنين 9 أكتوبر 2017 - 10:35 م | آخر تحديث : الإثنين 9 أكتوبر 2017 - 10:35 م
نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب «عبدالعزيز التويجرى» ذكر فيه أن الدول الثلاث التى تحتل سوريا فرضت مع اختلاف فى طبيعة هذا الاحتلال وحجمه، لغاتِها التركية والفارسية والروسية على المواطنين السوريين فى الأماكن الخاضعة لسيطرتها. وبذلك صار على الأطفال فى هذا البلد العربى المنكوب، أن يتعلموا لغة أجنبية مفروضة عليهم، على حساب لغتهم العربية. وقد يُرغم هؤلاء الأطفال على تعلم لغتين على الأقل من اللغات الثلاث التى باتت اليوم هى السائدة فى المناطق الخاضعة للهيمنة الشاملة من طرف الدول الثلاث. والمسألة إلى هنا ليست تقديم خدمات تربوية لقطاع واسع من الشعب السورى حرم من فرص التربية والتعليم، التى من المفترض أن تتيحها له حكومة بلاده، لو أنها كانت حرة، وليست تابعة للنفوذ الأجنبى، خصوصا النفوذ الروسى والإيرانى، ولكنها مسألة استقلال مغصوب ووطن منهوب، وتمهيد لفرض الهيمنة الأجنبية بالكامل على سوريا لأطول فترة ممكنة.
حتى الاستعمار الفرنسى الذى فرض على سوريا عقب الحرب العالمية الأولى، تحت مسمى الانتداب، لم يفلح فى إلغاء اللغة العربية، وفى فرض اللغة الفرنسية بدلا منها بالإكراه. وكانت قبله الدولة العثمانية تبسط نفوذها على الشام والعراق، مع استمرار اللغة العربية فى النماء والانتشار بين الشعوب العربية فى تلك المناطق أو «الولايات العربية»، كما كان يطلق عليها، على رغم مزاحمة اللغة التركية لها، فاحتفظت بأصالتها فى حدود الإمكان، وظلت لغة الثقافة والفكر والأدب والشعر، وإن فى حدود ضيقة، وتدرس بها العلوم الدينية، وفى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، بدأ تدريس العلوم العصرية بها. ولعل مكتب عنبر، وهو المؤسسة التعليمية الرائدة والشهيرة فى دمشق، خير مثال للحفاظ على اللغة العربية فى سوريا. ففى هذه المؤسسة درس وتخرج شخصيات كان لها حضور مؤثر فى تاريخ سوريا وقامت بأدوار متميزة فى النهضة العلمية والثقافية.
إن إجبار الأطفال السوريين على تعلم اللغات التركية والفارسية والروسية فوق ترابهم الوطنى، مع الضعف الملحوظ فى تعليمهم اللغة العربية، هو بكل المقاييس، استلاب ثقافى كامل الأركان، وانتهاك صارخ لحق أصيل من حقوق الإنسان، بقدر ما هو إيذان بأن الوجود الأجنبى فوق الأراضى السورية، ليس له من نهاية فى المديين المتوسط والطويل. الأمر الذى يؤكد أن الأزمة السورية لن تعرف انفراجا، حتى وإن زعمت روسيا أنها فى سبيلها إلى إيجاد «تسوية سياسية» لها. فما تلك التسوية السياسية المزعومة سوى شكل مبتكر من ترسيخ الوجود الروسى فى سوريا. ويقابل هذا الخطر الذى يهدد شخصية الفرد والمجتمع فى سوريا، عملية التوطين التى تقوم على قدم وساق من طرف إيران، بإحلال جماعات أفغانية وباكستانية وأخرى إيرانية محل المواطنين السوريين الذين اقتلعوا من مواطنهم وأرغموا على النزوح إلى مناطق أخرى، خصوصا إدلب التى باتت اليوم مستودعا للنازحين من مدنهم وقراهم، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانفجار المفضى إلى الدمار، لتتكرر مأساة حلب التى دمرت بالكامل، بإخراج جديد.
إن إفراغ سوريا من شعبها وإخضاع مَن تبقى منه لعملية تشويه لهويته، إلى جانب إهدار كرامته، هما الخطر الحقيقى المحدق بهذا الشعب العربى الذى حمل لواء الحضارة العربية الإسلامية عقودا متطاولة من الزمن، وكان أعلامُه الروادُ من أبرز البناة للنهضة العربية فى القرنين التاسع عشر والعشرين. ويتحمل النظام الطائفى الاستبدادى، المسئولية الرئيسَة فى تدمير سوريا وإفراغ شخصيتها من مضمونها الحضارى العربى الإسلامى، إلى جانب المسئولية التى تتحملها روسيا الاتحادية وإيران، فى هذه المأساة الإنسانية التى لا يعرف العالم اليوم شبيها لها. أما تركيا، فهى وإن كانت تعلن عن انحيازها إلى انتفاضة الشعب السورى، إلا أنها انخرطت فى تفاهمات غير واضحة مع روسيا يخشى أن تكون فى الاتجاه المعاكس لإرادة الشعب السورى، وإن كان يقدر لها أنها تأوى فوق أراضيها نحوا من ثلاثة ملايين من اللاجئين السوريين.
فإذا كان الاحتلال اللغوى يوازى، من وجوه كثيرة، الاحتلال العسكرى، فإنه بطبيعته يساهم فى تعزيز هذا الاحتلال، وفى إطالة أمده، حتى يصبح أمرا واقعيا.
الأدهى من هذا كله، أن جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامى، واليونسكو، بل مجلس الأمن الدولى، فى منأى مما يجرى اليوم على الأراضى السورية من جرائم ضد الإنسانية.

الحياة - لندن
التعليقات