عن «القضاة .. والقضاء .. والقضية» .. ملحوظات على التعليقات - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن «القضاة .. والقضاء .. والقضية» .. ملحوظات على التعليقات

نشر فى : الأحد 9 أبريل 2017 - 7:20 ص | آخر تحديث : الأحد 9 أبريل 2017 - 8:04 ص

كل القضايا تحتمل الاختلاف في «وجهات النظر». أو على الأقل هكذا تعلمت من سنوات طويلة قضيتها مسؤولا عن تحرير المطبوعة التي تحمل ذات الاسم. ولذا اخترت أن أخصص هذه المساحة لمناقشة ما وصلني من «وجهات نظر» متحفظة، بل وربما رافضة لما كتبته في هذا المكان قبل أسبوع.

ليس مزية للقضاة، بل حق للناس (تصوير أحمد رمضانAFP)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عندما تذهب بعض التعليقات إلى حد القول هكذا بأن «القضاة لا يستحقون استقلالهم»، لا يكفي أن نقلق، بل لابد وأن نستشعرالخطر

«عن القضاة .. والقضاء .. والقضية»، عنوانٌ لمقالين كتبتهما في عهدين مختلفين. ويبدو أنني بحاجة إلى أن أعود إليه اليوم. إذ أخشى أن هناك من يريد، أن تظل «القضية» قيد المداولة، رغم البراهين والإثباتات والقرائن والأدلة.

عندما خصصت مقال الأحد الماضي لمناقشة «قضية» استقلال القضاء الذي أجمع «القضاة» على أنه مهدد بالتعديلات المقترحة لقوانين الهيئات القضائية التي أقرها البرلمان في عجلة مريبة، هالني أن بعض ردود الفعل على المقال لم تنتصر للقضاة، ولا للدفاع عنهم. بل على العكس تماما، وبحدة، وإن لم أكن أتصورها إلا أنها نبهتني إلى خطورة ما وصلنا إليه من تشوه للمفاهيم، وإلى عمق أزمة مجتمعية «ومؤسساتية» قد يصبح معه مفهوم «الدولة» ذاته؛ بالتعريف في خطر.

عندما تذهب بعض التعليقات والتحفظات على ما كتبت إلى حد التجاوز بالقول بأن «القضاة لا يستحقون استقلالهم»، لا يكفي أن نقلق، بل لابد وأن نستشعر كل الخطر. ثم، قبل ذلك لابد أن نناقش أصحاب هذا الرأي، الذي يبدو للأسف أن دائرتهم تتسع يوما بعد يوم.

أتفهم ارتباكات «لحظة اللا يقين» التي نمر بها جميعا «إلا من رحم ربي». وأتفهم أثرا خطيرا لما أوجده على مدى السنوات الأربع الماضية (ربما لدى بعض القائمين على أمر العدالة، كما لدى غيرهم) إعلامٌ «موجه» مُشوِّه، ومُشَوَّه، أبعد ما يكون عن المهنية، ناهيك عن المسؤولية.

أتفهم مشاعر آلاف المظلومين (والذين، بالمناسبة تحدث عنهم الرئيس نفسه أكثر من مرة). وأتفهم مشاعر عموم الناس، في أسبوع أنقذت فيه دائرة للقضاء المستعجل جهودا بدت رسمية للتخلي عن الجزيرتين، وأحال فيه قاضي تحقيق قاضيين جليلين لمجلس التأديب «لمشاركتهما في وضع نص مقترح لقانون يعمل على منع التعذيب في أماكن الاحتجاز(!). فضلا عن أنه الأسبوع ذاته الذي توسع فيه البعض في نشر تفاصيل محاكمة القاضي (السابق) المتهم بالاتجار في الحشيش، دون أن يضع الأمر موضوعيا في نصابه (جريمة يحاسب مرتكبها؛ أيًّا من كان .. وقد كان).

بل ولعلي هنا أكرر أنني أخشى أن يكون هناك من استهان أو استراح إلى تشويه مؤسسة القضاء عند عموم الناس. بالضبط كما سبق وأراحه تشويه مفهوم «حرية التعبير والصحافة والإعلام، بل وربما كان قد تعمد أن يأتي بمثل «هذا البرلمان»، حتى نفقد ثقتنا في نهاية المطاف بكل الأركان المتعارف عليها لنظام ديموقراطي حديث (إعلام حر، وقضاء مستقل، وبرلمان يحاسب) حتى لا يبقى في الوعي العام غير الرجل الأوحد، والحاكم الأوحد

ثم أنني أدرك، كغيري ما طرأ على منظومة العدالة (متعددة الأطراف؛ تشريعًا، وتحقيقًا، وقضاءً، وإنفاذًا) خلال الأعوام الماضية، وأدى في النهاية إلى شيوع الشعور بغيابها. ومن ثم إلى تلك الفجوة. بل ولعلي لا أكون مبالغا لو قلت أن «القضاء» كمؤسسة، بل والقضاة أنفسهم كانوا (مثل طوابير المظلومين الطويلة) من بين أكثر من دفع الثمن.

ما بين قوانين متعجلة، وأعراف غائبة، وتدخلات أمنية، لا أريد أن أسترسل كثيرا في تقليب أوراق ملف، يعرف «سدنة العدالة» الأجلاء، على اختلاف مشاربهم ما فيه. أو بالأحرى خطورة ما فيه. كما لا أحب أن أتصور أن في «الدولة» من لم ينتبه إلى أنه، ربما دون أن يشعر «يهدم الدولة»، بإضاعة الثقة تدريجيا في مؤسسة العدالة، التي نتصور أنها بالتعريف «عمياء» لا تعرف شخصنة ولا مكايدة ولا تصفية حسابات. وأنها، بالتعريف أيضا لا يمكن أن تكون هكذا، إلا إذا كانت «مستقلة»

***

أرجوكم لا تخلطوا بين «القضاء» كمؤسسة، «والقضاة» كأفراد، واستقلال القضاء «كقضية»

كما لم أعف «إعلاميين» من مسؤولية ما لحق بصورة الإعلام والصحافة وحرية التعبير، قد أتفق مع بعض المتحفظين على ما كتبت الأحد الماضي، فلا أعفي قضاة (ولا أقول «القضاة») من بعض المسؤولية عن ما كان من فجوة، وعن ما تشكلت ملامحه من صورة. والأمثلة كثيرة، ولعلي أشرت إليها هنا غير مرة، كما لطالما أشار إليها شيوخ النقض أنفسهم في حيثيات قراراتهم، التي أشرت إلى شيء منها في مقال الأحد الماضي. ولكن أرجوكم لا تخلطوا بين «القضاء» كمؤسسة، «والقضاة» كأفراد، واستقلال القضاء «كقضية» دستورية ومجتمعية، أستغرب أن يكون عليها جدال. المبادئ لا تتجزأ. ولا يوجد دولة حقيقية دون استقلال «حقيقي» للقضاء

أكرر، لا أعفي قضاة (ولا أقول «القضاة») من بعض المسؤولية. ولكن أرجوكم لا تنسوا أن كثيرا جدا مما نشكو منه ليس أكثر من أعراض «لثقافة استبداد حاكمة». منذ عرفنا «سيف المعز وذهبه». لا أكثر ولا أقل. وأن تدعيم الاستقلال «الحقيقي» للقضاء، هو السبيل الوحيد لمعالجة ما قد يشكو منه البعض، ويُحَّمل القضاءَ / المؤسسة ظلما مسؤوليته.

***

علينا إذن ألا نستدرج إلى ما يريده البعض بنا من «كفر باستقلال القضا»، وإلى الغفلة عن ضرورته لأمن المجتمع واستقراره. بل ربما يكون كل ما نحن بحاجة إلى أن نتذكره، وسط كل هذا الارتباك في المفاهيم هو التأكيد على أن لا انتقال سلميا «وآمنا» إلى مجتمع ديموقراطي معاصر، دون الانتباه إلى حقيقة ما يتطلبه هذا الانتقال من مقتضيات العدالة الانتقالية الخمس Transitional Justice التي تعرفها كتب السياسة وكل تجارب التحول الديموقراطى. وإلى التذكير بخبرات السابقين، وبما قرأناه في الكتب من أن للقضاء / المؤسسة نصيبا مهما في هذا الملف، عنوانه، بغض النظر عن التفاصيل وهي كثيرة وحاكمة: «الاستقلال».. ثم الاستقلال. ذلك الذي لا يسمح، قانونا «ومناخا»، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة «بسيف المعز أو بذهبه». هذا ما قلناه مائة مرة. وهذا باختصار جوهر «القضية»

***

وبعد

فمهما كان لدينا من تحفظ (أو غضب)، علينا أن ندرك ابتداءً أن «استقلال القضاء» ليس مزية لهم، لنا أن نجود بها (رضًا) أو نبخل بها (غضبًا). بل هو حق لنا نحن؛ لهذا البلد، ولمواطنيه. حق لنا أن يكون لدينا قضاء يحكم بيننا «بالعدل» حين نختصم إليه، فنطمئن إلى أحكامه. فلا أمن ولا استقرار بلا قضاء عادل. ولا قضاء عادلا، إلا إذا كان «مستقلا».

انتبهوا: الدفاع عن استقلال القضاء، هو في حقيقته دفاع عن «حقنا، كمواطنين» في أن يكون لدينا قضاء مستقل. بالضبط كما أن الدفاع عن «حرية التعبير والصحافة» هو دفاع عن «حقنا، كمواطنين» في أن نعرف

أكرر: لا يوجد أمن ولا سلام مجتمعي، بل ولا توجد دولة (بالتعريف) دون استقلال «حقيقي» للقضاء. فعضوا عليه بالنواجز.

ومرة ثانية، لا تخلطوا بين «القضاء» كمؤسسة، «والقضاة» كأفراد، واستقلال القضاء «كقضية».

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمتابعة الكاتب:

twitter: @a_sayyad

Facebook: AymanAlSayyad.Page

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات صلة:

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات