عبدالناصر.. وانقسام النخبة المصرية - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 9:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عبدالناصر.. وانقسام النخبة المصرية

نشر فى : الإثنين 8 يناير 2018 - 10:10 م | آخر تحديث : الإثنين 8 يناير 2018 - 10:10 م
إذا كانت نخبة النخب عاجزة عن إجراء أى نقاش موضوعى وجاد ومهذب بشأن أى قضية، فهل نلوم المواطنين العاديين أو «جمهور الترسو فى الفيس بوك» إذا تحولوا إلى «التراس» فى أى نقاش؟!

أقول هذا الكلام بمناسبة نقاش عنيف جدا على مجموعة مغلقة أشارك فيها بين الحين والآخر، وتضم بالأساس سفراء سابقين وشخصيات عامة مرموقة. وعلى المستوى الشخصى أستفيد منها كثيرا فى المتابعة والإطلاع على أحدث مقالات الرأى فى الصحف الأجنبية إضافة إلى آراء غالبية الأعضاء المحترمين.

النقاش اندلع حينما شن أحد الأعضاء هجوما حادا ومنفلتا وشخصيا على الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حمله فيه مسئولية كل مصائب مصر منذ انهيار الحضارة الفرعونية وحتى قيام الساعة!

لم يرَ هذا المسئول أى فضل أو عمل إيجابى لعبدالناصر، طوال حياته، بعدها قام بعض الأعضاء بشن هجوم مضاد لكنه موضوعى، على الكاتب، الذى لم يكتفِ بهجومه الاول، بل وضع على صفحة المجموعة على «الواتساب» مقالا منقولا لأحد الأشخاص يسب فيه عبدالناصر بألفاظ جارحة ومهينة، وهنا عاد الجدل ليشتعل مرة أخرى.

هذا الكاتب تضررت أسرته من قرارات وسياسات عبدالناصر، ولذلك، فقد استغرب مطالبة البعض بقيام الدولة برعاية الاحتفال بمرور مائة عام على مولد جمال عبدالناصر الذى يحل فى ١٥ يناير الحالى. وبدأت جماعات وقوى وهيئات ناصرية فى الإعداد له بالفعل منذ شهور طويلة.

على المستوى الشخصى أحب جمال عبدالناصر، وأرى أن سياساته كانت منحازة فعلا للفقراء، وأنصفتهم إلى حد كبير، إضافة إلى مواقفه من إسرائيل والاستعمار والرجعية العربية. ورغم ذلك فقد ألزمت نفسى منذ زمن بمراجعة قراءة التجربة، ووصلت إلى قناعة أن النية الطيبة، والانحياز للفقراء، لا تكفى بمفردها فقط لبناء الدولة، بل لابد من مؤسسات جماهيرية حقيقية تدافع عنها، وايمان كامل بالتعددية وحرية التعبير لمنع نشوء مراكز قوى تدمر أى نجاحات من الداخل، وتساعد أى تربص أو تآمر من الخارج.

إذا كان بعض الناصريين انتقدوا مبارك لأنه سلطوى وينتقدون النظام الحالى بنفس التهمة، فالطبيعى أن يطبقوا نفس المبدأ على الفترة الناصرية، لأن المبادئ لا تتجزأ.

التسلط والقمع وغياب المؤسسات الجماهيرية هو الذى قضى على ايجابيات التجربة الناصرية ومكن السادات من الانقضاض عليها فى لحظة واحدة فى ١٥ مايو ١٩٧١.

فى المقابل هل يعنى ذلك أنها كانت فترة حالكة السواد؟!

إطلاقا، عبدالناصر وثورة يوليو هو الذى طرد الاستعمار البريطانى وأمم قناة السويس ونفذ الإصلاح الزراعى وبنى السد العالى، وجعل التعليم والعلاج بالمجان، وأقام المصانع الكبرى للحديد والألومنيوم والغزل والنسيج واستصلح الأراضى الزراعية، وبعضها مايزال يلعب دورا مهما حتى الآن.

المشكلة فى معظم نقاشاتنا أننا ننسى الظروف والسياق، الأمر الذى يجعل معظم نقاشاتنا عبثية على غرار المناكفات بين الأهلاوى والزملكاوى أو السنى والشيعى. 

مرة أخرى إذا انطبق ذلك على نقاشات المواطنين على المقاهى أو المصاطب، فكيف نقبل به فى نقاشات بين مجموعة متميزة من العقول، نقول إنها المؤهلة لتقديم أفكار ورؤى لصانع القرار؟!!.

للأسف غالبيتنا ننسى كل ما نطلق من شعارات وأفكار براقة، حينما نخوض التجربة. نلوم الحكومة على أنها تضيق بالرأى الآخر، ونحن أشد منها ضيقا!!

أعجبنى مدير أو «أدمن» المجموعة وقلة من الأعضاء، حينما تحدثوا عن ضرورة وجود منهجية للنقاش والنقد والاعتراض فلا يصح مثلا وصف أى رئيس مصرى بأنه خائن أو عميل أو أبله، لأن ذلك ينهى أى نقاش موضوعى. 

نحتاج فعلا إلى منهج موضوعى لتقييم زعمائنا ورؤسائنا وملوكنا على مر التاريخ، حتى لا نظل نختلف بصورة صبيانة على أحمد عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد والخديو إسماعيل والملك فاروق.

«الأدمن» اقترح معيارا وهو «تقييم النتائج» كبداية وإضافة معايير أخرى للحكم على الزعماء، بعيدا عن العواطف فقط. النقاش داخل هذه المجموعة بشأن عبدالناصر، أصابنى بغم شديد، لأنه يعنى ببساطة أن أمامنا وقتا طويلا حتى نبدأ فى النظر للمستقبل. 

وحتى لا تصبح كل نقاشاتنا ماضاوية. نحتاج لأن نأخذ من الماضى الدروس والعبر والأفكار الصالحة، لكن لا نغرق فيه، العالم تغير مليون مرة، ونحن مانزال مختلفين على دور أحمد عرابى، وليس فقط عبدالناصر والسادات!

 

عماد الدين حسين  كاتب صحفي