علاء الديب فى «عصير الكتب 2» - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علاء الديب فى «عصير الكتب 2»

نشر فى : الجمعة 7 سبتمبر 2018 - 8:55 م | آخر تحديث : الجمعة 7 سبتمبر 2018 - 8:55 م

بعد انتظار طويل، صدر أخيرا عن الهيئة العامة للكتاب الجزء الثانى من كتاب أستاذنا الراحل الجليل علاء الديب «عصير الكتب» بغلاف بديع ورائق وأنيق للفنان أحمد اللباد. وكان الجزء الأول صدر عن (دار الشروق) قبل سنوات، ولاقى الكتاب نجاحا رائعا وحقق رواجا كبيرا.

«عصير الكتب» هو عنوان الباب الأشهر والأهم والأوسع تأثيرا وانتشارا فى صحافتنا الثقافية المعاصرة على مدى نصف القرن أو يزيد؛ إنها المدرسة الأصيلة المحترمة التى دشنها علاء الديب فى «الكتابة عن الكتابة«؛» هى بحق «عصير» وخلاصة مقطرة، مركزة، تقوم على القراءة الواعية المستوعبة، والكتابة السهلة اللماحة الذكية.

كتب الديب كثيرا جدا عن عشرات وعشرات، بل مئات ومئات، من المؤلفين والفنانين والمفكرين والكتب والموسوعات والروايات والقصص، وكل أصيل وجميل وممتع أنتجته قريحة مبدع حقيقى خلال المائة سنة الماضية.

بوضوح ودون لف ودوران يقول علاء الديب «أسأل نفسى ما معنى هذا الباب الذى أحاول أن أكتبه كل أسبوع «عصير الكتب»؛ تلك النكتة القديمة المكررة هو ليس نقدا بالتأكيد وليس إعلانا عن كتاب، طموحه الأساسى أن يكون مشاركة فى التفكير العام. الاختيار سؤال، والكتابة محاولة للبحث عن إجابة. وفى الصفحات التالية سأحاول أن أتذكر بعض الأسئلة، ومشروعات الإجابة..».

وكان الرجل مخلصا تماما لهدفه وغايته!

فى هذه المجموعة التى تم انتقاؤها بعناية وذكاء مقالاتٍ تغطى كما هائلا من إنتاجنا الثقافى؛ فكريا وإبداعيا، على مدى ما يزيد على الأربعة عقود؛ لن تجد اسما معتبرا ولا كتابا جادا ولا عملا جديرا بالقراءة والمتابعة إلا وستعثر عليه فى عصير الكتب!

دون مبالغة أنت أمام كنز ثقافى ولغوى وإنسانى؛ علاء الديب من القلة التى أوتيت حسا رهيفا وشفافا تجاه اللغة؛ دائما ما أتوقف أمام اثنين من أعلامنا فى هذا الزمان كان حسهما اللغوى وثقافتهما اللغوية (بالنسبة لى على الأقل) مضرب الأمثال؛ المرحوم شكرى عياد، وعلاء الديب. فى الفصل الذى عقده لأحد الكتب القيمة «المجهولة» للرائد محمد كامل حسين (طبيب العظام والأديب البارع وعضو مجمع اللغة العربية) سيتناول الديب محنة اللغة العربية؛ لا ينصح ولا يعظ ولا يدش كلاما إنشائيا مكرورا ومحفوظا! أبدا، سيركز فى عرضه المركز للكتاب على أهم ما يمكن للمرء أن يتناوله فى قضايا البحث والتجديد اللغوى.

سيسلط الضوء على دعوة الكتاب وصاحبه للفصحى المخففة، ويرسم لها صورة واقعية مستنبتة من الاستعمال والحاجة؛ وسيناقش مع صاحبه عددا من المسلمات البالية التى ما زال بعض علماء اللغة وأساتذتها يتمسكون بها حتى الآن ويصنعون منها حواجز فى طريق الطلاب بل الكتاب!

وسيرصد بعين لاقطة ولماحة بعض آراء شكرى عياد فى كتابه الخطير «فى البدء كانت الكلمة» ليعرض بدوره لما يراه أهم ما فى هذا الكتاب «قضية اللغة العربية هى اليوم قضية قومية وسياسية من الدرجة الأولى».

سيلخص باقتدار جوهر رؤى شكرى عياد ومواقفه الأصيلة من الصراع اللغوى و«نظرة إلى الحاضر والمستقبل»، ومن حال اللغة العربية ونظريات اللغة الحديثة فى العالم، ويربط ذلك كله بالموقف الحضارى المتردى «المزيف» الذى تعيشه شعوب العرب!

أمتع ما فى الكتاب على الحقيقة هى هذه السياحة الحرة المذهلة فى رشاقتها وعمق معرفتها وسلاسة لغتها وجمال عرضها! من صلاح عبدالصبور إلى صلاح جاهين ومن يوسف إدريس وعبدالرحمن الشرقاوى وفتحى غانم إلى كتاب الستينيات وأدباء من الأقاليم بزغوا كالبرق ولم يلتفت إليهم أحد سوى علاء الديب!

ستتنقل بين واحات الأدب والفكر والفن التشكيلى والنقد الأدبى وقراءة التراث والترجمة، وأنت فى غاية الاستمتاع والبهجة والفضول! ستستثار حواسك المعرفية والجمالية للتعرف على هذه الروائع والإقبال عليها بشغف ورغبة فى زمن عز فيه الإقبال على المعرفة بشغف ورغبة!

كان علاء الديب أستاذا ومعلما مثاليا، متواضعا، حياته رحلة كفاح وعمل وإخلاص لقيم ومعايير جمالية وإنسانية وأخلاقية صاغها لنفسه، لم يخضع ولم يلن رغم كل الضغوط والإغراءات والمضايقات، انعزل فى محرابه وبين كتبه وقرر المواجهة بالجمال والمقاومة بالفن، كتبه وأعماله ترسى قواعد فن وجمال ينفعان الناس.
رحم الله أستاذنا الجليل وجزاه خير الجزاء عما قدم وأفاد ونفع.