«المطبعون» الجدد - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«المطبعون» الجدد

نشر فى : الخميس 7 يونيو 2018 - 9:05 م | آخر تحديث : الخميس 7 يونيو 2018 - 9:05 م

«التطبيع» مصطلح رقيق وأنيق وحضارى. يغير المزاج النفسى العربى تجاه «الدولة» المسالمة، والصغيرة المساحة، الفقيرة إلى «رب» موسى، والمحاصرة من قبل دول مدججة بالأسلحة، والمسيجة بالكراهية الجماعية العربية والإسلامية، والمحرومة من الأمان، والمهددة من قبل «مقالع» فتيان وصبايا فلسطين، وحجارتهم، أكثر مما هى مهددة من قبل دواعش وقاعديين و«نصراويين» وأمثالهم من جهاديين «إسلامويين».
«التطبيع»، مظهر إنسانى، ومن «طبائع» الأمور، وحق طبيعى «لدولة طبيعية»، وليس من لغو الكلام وبخاصة أنها «دولة»، تحمل «صك ملكية أرض، بخاتم إلهى»، مكتوب منذ آلاف السنين، ومسالمة لم تعلن يوما أنها تملك رءوسا نووية، وجيشها للدفاع فقط لا غير، ومضطرة لحلب أمريكا وأوروبا وجواتيمالا والسلفادور، وجمهوريات موز أخرى، حتى تعيش بأمان، وتستر نفسها أمام عيون أطفال فلسطين الجريئة، وتبطل مفعول أشعار أمل دنقل ومحمود درويش، وتفسد استنجاد هؤلاء الأطفال بصلاح الدين الأيوبى، وعنترة بن شداد، وافتخارهم بعمرو بن كلثوم الذى قال:
ملأنا البرَ حتى ضاق عنا وظهرُ البحر نملأه سفينا
إذا بلغ الفطام لنا صبىٌ تخر له الجبابرُ ساجدينا
«التطبيع».. يعنى أيضا أن الجباه «خرت».. وجنحت للسلم، وللاحتضان وللعناق. وإلى آخر هذه الرومانسية «السلامية»، التى سيخرج من بطنها اللبن والعسل، وتسكت المدافع.. وربما نبيعها «خردة» ونشترى بثمنها عربات فارهة بدون سائق، وزراعة عضوية، ومزارع عنب وقنب.. وسراويل أفغانية. ومرابع ليل وأصايل خيل، ومنتجعات على شاطئ المتوسط.
لا بأس الآن، من تذكر المطبعين القدامى. من فنانين وكتاب ومسرحيين وأكاديميين، ممن صاموا دهرا فى طاعة الاشتراكية والماركسية والليبرالية والديموقراطية، ولما أفطروا لم يجدوا على موائدهم سوى «بصلة» تطبيع «إسرائيلية». أدمعت عيونهم، وحرقت تاريخهم الثقافى.. وخانتهم عشيقتهم فى تل أبيب، بعد أن منحت بعضهم شهادات دكتوراه فخرية من جامعاتها، واكتشفوا أن أسنانها «نووية». وتشبه سمك القرش الذى تجذبه وتغريه رائحة الدم، فيتطلع إلى المزيد من الدماء.
قيل: إن بعض «المطبعين الجدد»، هم من أصحاب المشاعر الرقيقة، والأحاسيس المرهفة، وبالتالى يرفضون لغة التخوين، وتجرحهم هذه اللغة.
ولا أدرى كيف لكاتب حقيقى، أو مثقف معتبر، لا يدفعه ضميره للقيام بدعم الضحية، وليس الجلاد.
ويبدو أننا وعلى وقع المصائب والحرائق التى تسبب بها ما سمى بالربيع العربى، نعيش عصرا مماثلا لعصر «السح والدح» وهو عصر «بوس الواوا». عصر العواء والمواء والغناء الهابط الذى يلوث السمع، عصر الإحباط والانهزام النفسى، وفى ظل هذا المناخ، يعانق المطبعون الجدد، قتلة ولصوصا وقطاع طرق وعيارين ويحلون ضيوفا مكرمين على «إسرائيليين»، يقطنون منازل فلسطينية مسروقة.
أصوات التطبيع مع الاحتلال: هى أصوات مدانة ومستهجنة، تهشم ثوابت الحقوق العربية.. وترقص على جثث الشهداء. والاحتلال هو جذر القضية.
وأنا معهم فى هذه الحساسية ومعاذ الله أن أكون من هذه المدرسة، لكن أتمنى على الفرسان الجدد من المطبعين، ألا يزايدوا على عبيد الله الفقراء إليه جل وعلا، وألا يتهموننا بقصر النظر، واللاعقلانية والتفكير الخشبى، أو أننا لا نريد الخير للشعب الفلسطينى، أو أننا دعاة حروب وقتال وعداوة للتعايش والسلم.
إن قضايا السلام لا تحل بهذه الهلوانيات و«الطلَّات» التلفزيونية السمجة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعى، وتقديم النفس أو الشخصية وبخاصة وهى تعتمر الغترة والعقال والكندورة، وكأنها تمثل رأيا عاما، أو إعادة تكرار لمقولات «مطبعين» قدامى، ثبت تهافتها وسقوطها، كمقولة «معرفة العدو» وكسر الحاجز النفسى، وحواجز العداء.. الخ.
نحن اليوم أمام عدو، فى أخطر مراحل تغوله واستيطانه وغروره وغطرسته، ولا تتوقف أطماعه وطموحات الهيمنة لديه، عند حدود فلسطين التاريخية، بل تمتد إلى حدود بعيدة، وجغرافيا مغايرة وخرائط أخرى للمنطقة.
القضية الفلسطينية، هى من أعقد الأزمات التاريخية، وأى قفز فوق حقائق هذه الأزمة ودواعيها هو لعب «للتنس» فى ملعب بدون شبكة.

الخليج ــ الإمارات
يوسف الحسن

التعليقات