التحالف الاستراتيجى للشرق الأوسط - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التحالف الاستراتيجى للشرق الأوسط

نشر فى : السبت 6 أكتوبر 2018 - 11:05 م | آخر تحديث : السبت 6 أكتوبر 2018 - 11:05 م

على هامش الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا وزير الخارجية الأمريكية، مايك بومبيو، واستضاف اجتماعا مع ما سمى بمجلس التعاون الخليجى + 2. أعضاء مجلس التعاون الستة معروفون، أما الاثنان فهما الأردن ومصر. دعك من قلة الذوق وانعدام التقدير فى اعتبار مصر، ومعها الأردن، مجرد زيادة على مجموعة أصلية، على الرغم مما لهذه «الزيادة» من وزن ثقافى وحضارى وسياسى فى منطقتنا من العالم، دعك من هذا ولنتفحص الهدف من الاجتماع ومغزاه، ومدى ملاءمته للمصالح العربية عموما ثم للمصلحة المصرية تحديدا.
***
الهدف من الاجتماع كما ورد على لسان، تيموثى ليندركينج، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية المكلف بموضوعه فى تصريحات أدلى بها لمجلة «ذى ناشيونال» قبل الاجتماع بيوم واحد، ولاحظ هنا أيضا تدنى الموقع الوظيفى للمسئول عن الملف، الهدف منه هو إنشاء «تحالف استراتيجى للشرق الأوسط، بمفهوم شبيه لحلف شمال الأطلسى». بعد الاجتماع، أعلن بيان صادر عن الناطق باسم الخارجية الأمريكية أن الوزير بومبيو شدد على أهمية إنزال الهزيمة بداعش وغيرها من المجموعات الإرهابية، وإرساء السلم والاستقرار فى سوريا واليمن، وبناء عراق مزدهر ومتكامل، ووقف النشاط الشرير لإيران فى المنطقة. وأكد البيان أن وزراء الخارجية التسعة أجروا محادثات مثمرة عن إنشاء تحالف استراتيجى للشرق الأوسط يتمحور حول مجلس تعاون خليجى موحد. لم يفد البيان الأمريكى كثيرا فى بيان مضمون التحالف المبتغى. ولكن ليندركينج كان قد أمضى الأسابيع الثلاثة السابقة فى جولة مكوكية فى المنطقة بغية إرساء الأساسات لقمة تعقد فى يناير 2019 يعلن فيها عن إنشاء التحالف. فى أثناء جولة الديبلوماسى الأمريكى ترامت نتف من أخبار عن التحالف «المنشود»، ولكنها لم تكن وافية. تشبيه المسئول الأمريكى المشار إليه أعلاه للتحالف بحلف شمال الأطلسى هو أوضح تعبير عن هذا المضمون، وهو ما يعنى أن التحالف من منظور أمريكى هو تحالف عسكرى. يذكر أن ليندركينج فى مقابلته مع «ذى ناشيونال» قد تطرق إلى مسائل مختلفة من شأن التحالف أن يعنى بها مثل الأمن السيبرنطيقى والاتفاقات السياسية والاقتصادية، ولكنه خص إيران بجل كلامه. قد لا يكون هذا هو منظور أى من الأطراف الخليجية والعربية المعنية الأخرى، ولكننا لا نعرف شيئا عن هذه المناظير، ولذلك فلا مفر فى التعليق على مشروع التحالف من الاستناد إلى المنظور العسكرى الذى عبر عنه ممثل الولايات المتحدة.
نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية فى حديثه لمجلة «ذى ناشيونال» أكد أن الولايات المتحدة ستكون طرفا فى التحالف الشبيه بالحلف العسكرى لشمال الأطلسى وهو كشف فى حديثه عن أن الولايات المتحدة لا تتصور هذا التحالف موجها لإيران وحدها. هو استنكر العلاقات القائمة بين دول مجلس التعاون وكل من روسيا والصين قائلا إنها «على رادار الولايات المتحدة»! هل تريد الدول العربية المعنية أن تكون طرفا فى الخصومة الأمريكية مع روسيا والصين؟ هل تريد مصر بالذات ذلك، وهى الحريصة على علاقاتها بهما وعلى تنميتها؟ ثم إن مبدأ ثابتا فى السياسة الخارجية المصرية منذ العهد المالكى، قبل سنة 1952، ثم بعدها، هو عدم الانضمام إلى أحلاف عسكرية، ما يرجع إلى الحرص على عدم الانخراط فى تحقيق أهداف الغير، خاصة الدول الكبرى، على حساب المصالح المصرية.
***
ولكن لأن نتف الأقوال متضاربة، فإنك تجد أنه فى بعضها الولايات المتحدة لن تكون طرفا فى التحالف وإنما هو سيقتصر على دول الخليج والأردن ومصر على أن تساندهم الولايات المتحدة من الخارج. أول ما يتبادر عن هذا التصور للتحالف هو التساؤل عن نتيجة الاجتزاء من بين الدول العربية وتكوين تحالف يأخذ صف الولايات المتحدة فى مواجهة وروسيا والصين، بل ومخالفة للدول الأوروبية الكبرى نفسها التى تبتعد بسلوكها الدولى عن السياسات الأمريكية. بعض الدول العربية لا مصلحة لها فى استعداء روسيا والصين. الشك قليل فى أن الاجتزاء سيؤدى إلى مزيد من الفرقة العربية بل فى هذه المرة إلى انقسام يصعب معالجته فى أى مستقبل منظور. التعليق الثانى على هذا التصور أكثر بديهية من الأول. إن افترضنا جدلا أن سبيل الاستعداد العسكرى هو الوحيد الممكن لمواجهة إيران، أفلا توجد بين الدول العربية اتفاقية للدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى أبرمت سنة 1950؟ مع الاعتذار مسبقا عن الإطالة فى الاقتباس، فإن هذه الاتفاقية تنص فى مادتها الثانية على أن «تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداء عليها جميعا. ولذلك فإنها عملا بحق الدفاع الشرعى ــ الفردى والجماعى ــ عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور، منفردة ومجتمعة، جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما فى ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء». المادة الثالثة من الاتفاقية تنص على أن «تتشاور الدول المتعاقدة فيما بينها، بناء على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضى أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها. وفى حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها، تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد خططها ومساعيها فى اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التى يقتضيها الموقف». المادة الرابعة تنص على أنه «رغبة فى تنفيذ الالتزامات السالفة الذكر على أكمل وجه تتعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لدعم مقوماتها العسكرية وتعزيزها، وتشترك، بحسب مواردها وحاجاتها، فى تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة والجماعية لمقاومة أى اعتداء مسلح». بعد هذه الأحكام الثلاثة، هل توجد حاجةٌ إلى تحالف استراتيجى عربى جديد؟ المادة السادسة من الاتفاقية تنص على إنشاء مجلس للدفاع المشترك تحت إشراف مجلس جامعة الدول العربية يختص بتنفيذ أحكام المواد 2 و3 و4 و5، على أن يتخذ قراراته الملزمة لجميع الدول المتعاقدة بأكثرية الثلثين. هل الدافع إلى إنشاء التحالف الجديد هو إدراك أنه لن يكون ميسورا الحصول على أكثرية الثلثين لمواجهة إيران أو للمشاركة فى تحقيق مصالح الولايات المتحدة كما تتصورها إدارة الرئيس ترامب؟ إن كان هذا هو السبب، فهو بيان آخر على أن التحالف سيكرس انقسام الدول العربية، بل يمكن أن يهدد تجمعها الإقليمى، أو سمه القومى، بشكل نهائى.
الحجج السابقة الرامية إلى إثناء الدول الثمانى عن الانخراط فى أى تحالف استراتيجى للشرق الأوسط، سواء ضم الولايات المتحدة أو لم يضمها، تنطبق على مصر، ولكن ثمة حجتين أخريين تخصانها تحديدا. الأولى أن اتفاقية الدفاع المشترك وقبلها بروتوكول الإسكندرية، وقعا فى الإسكندرية، وفيما بينهما ميثاق الجامعة وقع فى القاهرة، أى أنها كلها وقعت فى مصر، أكبر الدول العربية والراعية للتجمع العربى، قبل ثورة 1952 وبعدها. تبعثر التجمع العربى هو نيل من دور مصر الراعية وخصم من مكانتها ومن موارد قوتها فى العلاقات الدولية. الحجة الثانية هو أنه فيما يتعلق بالخليج، المصلحة الأولى لمصر هى تجنب الاضطراب فيه وتهدئته وعلاجه بالسياسة عندما تظهر بوادره. المساعدات المالية الآتية بين الحين والآخر من الخليج هامة، ولكن الأهم منها أسواق العمل فى الخليج التى تستوعب ما يقدر باثنين وخمسين فى المائة من اليد العاملة المهاجرة المصرية، أى ما يقرب من 2,5 مليون عامل فى أكثر التقديرات محافظة، هم عمال يخففون من الضغوط على سوق العمل المصرية ويرسلون تحويلات تتعدى الخمسين فى المائة من العشرين مليار دولار تقريبا التى تصل إلى مصر سنويا. أى اضطرابات فى الخليج، عسكرية أو غير عسكرية، سيكون لها تأثير هائل على التشغيل وميزان المدفوعات المصريين.
***
وأخيرا ثمة تساؤلان كان يمكن البدء بهما. هل تنضم عُمَان حقيقة إلى مثل هذا التحالف الاستراتيجى، وهى التى تحتفظ تاريخيا بعلاقات طيبة مع إيران أيا كان نظام الحكم فيها؟ السؤال ذاته، وإن بدرجة أقل، يتطبق على الكويت التى تحرص على ألا تقطع تماما مع إيران. أم أن تلبية دعوة الوزير الأمريكى لاجتماع 28 سبتمبر والتشاور بشأن «التحالف» هو من باب تفادى الإحراج؟ هذا التساؤل الأخير ينطبق على عمان والكويت وعلى مصر كذلك. السياسة لا تعرف الإحراج. السياسة أيضا هى إعلان عن المواقف حتى يأخذها الآخرون فى اعتبارهم عندما يصوغون سياساتهم. عدم الإعلان عن مواقفك وآرائك إن كنت غير راض عن سياسة ما من شأنه أن يؤدى إلى نتيجة من اثنتين، إما الانزلاق رغما عنك إلى اعتناق السياسة التى لا ترضى عنها وتطبيقها مع ما لذلك من تداعيات أنت لا تبغيها، وإما أن تفاجئ من كنت جاريتهم من باب تفادى الإحراج بالتراجع عن مجاراتهم وبتغيير دفتك. قد تنشأ عن المفاجأة جفوة وخلافات كان من الممكن تجنبها لو نبهت شركاءك إلى مواقفك ومصالحك وأتحت لهم فرصة أن يأخذوها فى اعتبارهم. الإعلان عن المواقف، خاصة إن كانت تشكل كلا متجانسا متماسكا، ليس من قبيل التهور بل هو من حسن السياسة.
حذارى من التحالف الاستراتيجى. إنه منزلق إلى الاضطراب والفرقة والانقسام.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات