فؤاد سزكين.. مؤرخ التراث العربى - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فؤاد سزكين.. مؤرخ التراث العربى

نشر فى : الجمعة 6 يوليه 2018 - 8:55 م | آخر تحديث : الجمعة 6 يوليه 2018 - 8:55 م

لم أكن أتصور أن يمر خبر رحيل العالم الجليل والمحقق والمؤرخ الكبير د. فؤاد سزكين بهذا الصمت الأخرق!
توفى الرجل يوم 30 يونيو الماضى، وعرفت بخبر رحيله منذ يومين أو ثلاثة فقط، بمصادفة عابرة لدى عرض أحد الأصدقاء لصورة تشييع جنازته على موقع «فيسبوك»!.
كل من اتصل بدراسة الآداب العربية، والتراث العربى، وتاريخ العلوم الإسلامية، يعلم جيدا فداحة غياب هذا المؤرخ الحضارى الفذ، والمثقف الذى ترك أعمالا علمية جليلة، وكتب مؤلفاتٍ راسخة، وحقق مخطوطاتٍ تراثية غاية فى الأهمية والقيمة (منها، مثلا، تحقيقه الممتاز للكتاب التراثى المرجعى «مجاز القرآن» لأبى عبيدة بن معمر بن المثنى الذى يعرف جيدا دارسو الآداب والثقافة واللغة العربية قيمته الكبرى فى النحو والبلاغة والتفسير وما اشتمل عليه من نظرات جمالية بارعة فى تحليل النص القرآنى)، كما أسس الرجل معاهد ومنشآت راسخة لخدمة التراث العربى وتأريخ العلوم الإسلامية، وبما يمثل جهدا يفوق الطاقة البشرية، أيضا هو صاحب إنجاز غير مسبوق على مستويات عدة فى درس التراث العربى والإسلامى، وتوثيق تاريخ العلوم الإسلامية، عبر ما يقرب من القرن!.
إنها إنجازات تنوء بها مؤسسات بأكملها!
فؤاد سزكين، هو الذى أسس معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بجامعة فرانكفورت، وتولى مسئولية إدارته منذ إنشائه عام 1981، وهو صاحب أكبر وأهم موسوعة تم إنجازها حتى الآن عن «تاريخ التراث العربى»؛ كتبها بالألمانية فى اثنى عشر مجلدا، وهى بحق كفيلة بأن تخلد اسمه مع الأفذاذ والنوابغ فى تاريخ الإنسانية كلها.
هذا المعنى عبر عنه بصدق نعى معهد المخطوطات العربية للعالم الجليل فؤاد سزكين «الذى يُعد واحدا من أهم الذين خدموا المخطوط العربى الإسلامى، وتاريخ العلم العربى الإسلامى فى القرن العشرين، وكان كتابه الببليوجرافى الضخم والعظيم «تاريخ التراث العربى» شاهدا على القرن كله فى بابه، وذلك عن عمر ناهز المئةَ عاما، بعد عطاء موصول بالعلم والمعرفة وخدمة التراث الإسلامى والعربى».
كان للمرحوم جمال الغيطانى فى كتابه الذى أحبه «منتهى الطلب إلى تراث العرب» (صدرت طبعته الأولى عن دار الشروق عام 1997) فضل التعرف على اسم «سزكين» للمرة الأولى من خلال ما كتبه عن موسوعته الباذخة «تاريخ التراث العربى» والتى تُرجِم المجلدان الأولان منها إلى العربية فى عشرة مجلدات ضخمة، بتوقيع الأستاذ الجليل د. محمود فهمى حجازى، وهى المحاولة الأكثر اكتمالا وإحكاما لتأريخ وتوثيق التراث العربى، فى جميع فروعه ومجالاته وحقوله المعرفية؛ من علوم قرآن وحديث، إلى فقه وتفسير وتصوف، ويمتد الخط على استقامته ليشمل كل فنون وعلوم التراث العربى: أدب، لغة، تاريخ، جغرافيا، فلسفة، زراعة، طب، فلك، هندسة، بصريات.. إلخ.
وُلدت بذرة هذا العمل الموسوعى الضخم لتكون استكمالا واستدراكا لعمل المستشرق لألمانى القدير كارل بروكلمان «تاريخ الأدب العربى» الذى كان له فضل السبق فى القيام بهذا العبء الجبار لتأريخ وتوثيق التراث العربى بأكمله المخطوط منه والمطبوع (صدرت ترجمة أولى للكتاب فى ستة مجلدات عن دار المعارف قبل ما يزيد على ثلاثة عقود، ثم صدرت ترجمة تالية كاملة فى أحد عشر مجلدا بإشراف محمود فهمى حجازى عن الهيئة العامة للكتاب بالاشتراك مع جهات أخرى).
وكانت المادة الضافية التى كتبها المرحوم شوقى رياض فى كتابه التعليمى القيم عن مصادر دراسة التراث العربى مهمة للغاية بالتعريف بالرجل، وموسوعته الباذخة التى اطلعت على أجزاء منها (وهى متاحة بأكملها على الشبكة العنكبوتية لمن أراد). أما الأجزاء العشرة التى تمت ترجمتها للمجلدين الأولين، فتناولت علوم القرآن والفقه والحديث والعقائد والتصوف فى أربعة أجزاء، ثم تاريخ الشعر فى العصر الجاهلى والأموى والعباسى، وشعراء مصر والمغرب والأندلس، وجاء الجزء العاشر ليوثق مجموعات المخطوطات العربية فى مكتبات العالم.
بالتأكيد لن يفىَ مقالٌ واحد، أبدا، لإضاءة سيرة وإنجاز هذه المؤسسة البشرية مترامية الأطراف، لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، على أمل أن تتاح الفرصة لإلقاء مزيد من الضوء حول إنجازات سزكين المعرفية والثقافية الكبرى.
إن غياب عالم جليل ورحيل مثقف ومؤرخ كبير بقيمة وحجم فؤاد سزكين خسارة فادحة ليس لثقافتنا العربية والإسلامية فقط، وإنما للإنسانية كلها، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..