هجوم بتسبرج: النتيجة الحتمية لقومية ترامب الدنيوية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هجوم بتسبرج: النتيجة الحتمية لقومية ترامب الدنيوية

نشر فى : الإثنين 5 نوفمبر 2018 - 11:20 م | آخر تحديث : الإثنين 5 نوفمبر 2018 - 11:24 م

نشرت مجلة The Nation الأمريكية مقالا للكاتب «Sasha Abramsky» عن محاولة تفسير أسباب الهجوم الإرهابى الأخير على كنيس «شجرة الحياة» فى مدينة بتسبرج بولاية بنسلفانيا، فيتمثل السبب الرئيسى من وجهة نظر الكاتب فى الخطابات القومية الدنيوية للرئيس الأمريكى دونالد ترامب.


لم يكن من المعروف ــ حتى الآن ــ الدافع الحقيقى وراء قيام «روبرت باورز» بإطلاق النار على المصلين اليهود داخل الكنيس فى مدينة بتسبرج بولاية بنسلفانيا. لقد أسفر هذا الهجوم عن مقتل 11 شخصا وإصابة 6 آخرين.
تكشف تغريدات باورز على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» عن ملامح شخصيته وأفكاره ومعتقداته. يبدو أنه رجل قومى عنيف. يرى أن اليهود يسعون إلى السيطرة على العالم بأكمله، ومن ثم قام بالهجوم على منظمة HIAS ــ الجمعية العبرية لمساعدة المهاجرين، فكتب قائلا: «إن جمعية HIAS هى المسئولة عن جلب الغزاة إلينا وهى بذلك تقتل شعبنا. ولا يمكن أن أجلس وأنا أرى شعبنا يذبح».
ويبدو من كتاباته أنه من الأفراد المتعاطفين مع النازية. فعلى عكس سيزار سايوك ــ المشتبه به فى إرسال 14 طردا مفخخا إلى عدد من الشخصيات السياسية والإعلامية المعارضة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والمؤيد بشكل جنونى لترامب ــ كان باورز من أشد المعادين لترامب حيث يرى أن ترامب ليس قوميا بما فيه الكفاية، وأنه مسيطر عليه من قبل جمعيات سرية يهودية.
بات مشهد رؤية «النازيين الجدد» فى الولايات المتحدة أمرا عاديا منذ تولى الرئيس دونالد ترامب الرئاسة، وما رافق ذلك من صعود لقوى اليمين المتطرف. فمن الجدير بالذكر أن ترامب اعتاد على استخدام خطاب قومى شعبوى فى مؤتمراته، وهجومه المستمر ضد «المؤيدين للعولمة» ومفهوم «المواطن العالمى» وكان يستخدم ذلك دائما كرمز لمعاداة السامية ــ فضلا عن موقفه من قضايا المهاجرين واللاجئين وطالبى اللجوء.


***


يدرك معظم اليهود الأمريكيين ما يمكن أن تؤدى إليه تصريحات ترامب وسياساته. ففى حين أن الكثير من الناخبين الأرثوذوكس قاموا بتأييد ترامب فى الانتخابات الرئاسية عام 2016، إلا أن الأغلبية الساحقة من الناخبين اليهود لم يقوموا بتأييده. وفى استطلاع للرأى العام قامت بها «اللجنة اليهودية الأمريكية» فى العام الماضى وجد أن 77٪ من اليهود الأمريكيين معارضون لترامب. وتضامنا مع منظمات حقوق المهاجرين الأخرى، دأبت جماعات مثل HIAS على التنبيه على الطبيعة السامة للترامبوية. وفى هذا السياق كتب حاخام الكنيس اليهودى مقالا فى ــ وقت سابق من هذا العام ــ يحذر فيه من مخاطر ثقافة حمل السلاح وخطابات ترامب المناهضة للمهاجرين، فقال: «الطلاب فى مدارسنا يستحقون الأفضل. العائلات المهاجرة تستحق الأفضل. نحن نستحق الأفضل».
ومع ذلك، وبعد مرور عامين على تولى ترامب للرئاسة «القومية» التى اتسمت بالعنف، استمر عدد من الشخصيات السياسية والتجارية اليهودية البارزة فى دعمه وتمكينه. على الرغم من حقيقة دعم كل من منظمة «كلو كلوكس كلان» والتى تعرف اختصارا بـ«KKK» لترامب ــ التى تنادى بالتفوق الأبيض ومعاداة السامية ــ ودعم المواقع الفاشية مثل موقع The Daily Stormer الذى يشجع سياساته بشكل مستمر، وعلى الرغم من عدم إدانة ترامب للعنف النازى الجديد فى شارلوتسفيل الصيف الماضى، وقيامه بإعادة نشر تغريدات لمنظمات وأفراد من ذوى الفكر التآمرى، وتشابه العديد من خطاباته على مدى العامين الماضيين بلغة الخطابات التى ألقاها موسولينى وهتلر، فإن هناك عددا من المستشارين اليهود المؤيدين له مثل شيلدون أديلسون وجاريد كوشنير وستيفن ميلر.
خلال الأشهر الماضية اشتدت لهجة الخطاب القومى والتحريض على العنف، وبالرغم من ذلك لم يتخذ أى أحد من داخل دائرة ترامب، سواء أكان يهوديا أم غير يهودى، موقفا مبدئيا وقام بالانسحاب من دعم حركة «اجعل أمريكا عظمى مرة أخرى» ــ وهذا كان شعار الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، ولم يحاول أحد إيقاف النزيف الأخلاقى.
ويضيف الكاتب: «بينما أجلس على مكتبى وأحاول أن أتحدث عما جرى فى الكنيس اليهودى الذى يدعى «شجرة الحياة»، فيتملكنى الرعب من العناصر اليهودية الداعمة للجنون الترامبى، الذين يعرفون جيدا كم الدمار الهائل الذى عانى منه اليهود فى الماضى القريب على أيدى القوميين المتعصبين».
ويستطرد الكاتب قائلا: اصنع صفقة شيطانية، ولا مفر من ذلك، تلك الصفقة المرتقبة. فمن الجدير بالإشارة إلى قيام أديلسون بضخ عشرات الملايين من الدولارات لدعم ترامب، وذلك بسبب موقف ترامب المتشدد من القضية الفلسطينية والتى تعكس رؤية نتنياهو. يهدف أديلسون إلى إطلاق العنان لقومية عنيفة دامية فى الولايات المتحدة تشمل مؤيدى ترامب مثل سيزار سايكوك، وتشمل أشخاصا معارضين لسياساته ويتطلعون إلى اتخاذ المزيد من السياسات المتشددة مثل باورز الذى يعتقد أن ترامب معتدل للغاية.

 


***


لقد ساعد ميلر ترامب فى تقويض نظام الهجرة الأمريكى. قام ترامب باتخاذ عدد من الإجراءات فيما يخص قضايا الهجرة فمنها على سبيل المثال ــ لا الحصر ــ تطبيق سياسات مثل «الانفصال الأسرى» والذى أدى إلى انتشار حالة من البؤس الذى لا يوصف بين أعداد هائلة من الأفراد، تقليل عدد اللاجئين المقبولين، حظر السفر ضد الأفراد الذين ينتمون إلى العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، إعادة النظر فى تعريفات «المسئولية العامة» ــ من أجل منع المهاجرين الأكثر فقرا ــ ولغة «الطوارئ الوطنية national emergency »، واستدعاء مئات من الجنود الناشطين ضد أعضاء من قافلة أمريكا الوسطى.
بالطبع، لا يتحمل أى من هؤلاء الأشخاص المسئولية الفردية عن العمل الشنيع الذى قام به باورز. ولكنهم جميعهم أذكياء بما فيه الكفاية، وقراء جيدون بما فيه الكفاية، ليعرفوا أن الحركات القومية عبر التاريخ فى مرحلة ما تشمل اليهود بين أعدائهم.
إلى جميع مستشارى ترامب ومؤيديه الذين أمضوا السنوات الماضية فى حالة صمت أثناء الخطابات العنيفة لترامب. لا يمكن أن يتم تبرير إضفاء الشيطانية على الضعفاء من الناحية الأخلاقية؛ ولا هو، فى نهاية المطاف، يمكن الاحتواء. عندما يستخدم أقوى رجل فى العالم منصته لتجريد المجموعات البشرية من إنسانيتها، فإنه ليس من قبيل المفاجأة عندما يقوم الآخرون، ذوى قوة أقل، بحمل السلاح.
عندما ينظر إلى المسلمين كجماعة على أنهم يمثلون تهديدا قاتلا للمسيحيين؛ وعندما يستنجد «القوميين» الأمريكيين بالزعماء السياسيين لمعارضة «الغرباء» الذين غزوا هذه الأرض، كما قال ترامب قبل بضعة أشهر، فإنه ليس من المستغرب فى نهاية المطاف، أن ينظر إلى الأقليات الدينية والعرقية الأخرى، بما فى ذلك اليهود، على أنهم أعداء من قبل الكثيرين فى المعسكر القومى العنيف.
لقد حان الوقت لتتوقف هذه الوحشية التى تسببت فى سفك دماء الكثير من الأبرياء. وسواء كانت الأهداف مسلمة أو يهودية أو أمريكيين أفارقة أو جواتيماليين، فلا شىء يبرر الخطاب السام والإجراءات المتداولة الآن من خلال النظام السياسى الأمريكى. ولقد حان الوقت لإيقاظ أخلاقى بين الرجال والنساء الأمريكيين العاديين والأطفال الذين يغلقون هذا الواقع القومى العنيف الذى أطلقه ترامب وأتباعه قبل أن يدمرونا جميعا.

 

 

إعداد: زينب حسنى عزالدين

النص الأصلى

التعليقات