مقتدى الصدر فى السعودية... يظل حدثًا - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مقتدى الصدر فى السعودية... يظل حدثًا

نشر فى : السبت 5 أغسطس 2017 - 9:15 م | آخر تحديث : السبت 5 أغسطس 2017 - 9:15 م

نشرت صحيفة الرأى الكويتية مقالا للكاتب «خيرالله» يتناول فيه زيارة «مقتدى الصدر» كزعيم شيعى للسعودية، حيث كانت زيارة الزعيم الشيعى العراقى «مقتدى الصدر» للمملكة العربية السعودية فى غاية الأهمية، خصوصا أنه التقى نائب الملك ولى العهد الأمير «محمد بن سلمان» فى جدة، على الرغم من أن مقتدى لا يشغل منصبا رسميا.
لا شك أن الخطوة السعودية المتمثلة فى استقبال الصدر فى غاية الذكاء، إضافة إلى أن توقيتها كان مناسبا، على الرغم من أن ثمة من يعتبر أنها تأخرت كثيرا. وهذا قول يمكن أن يكون مثار أخذ ورد طويلين إذا أخذنا فى الاعتبار أنه سبق للسعودية أن أرسلت إلى بغداد سفيرا، هو «ثامر السبهان»، ما لبث أن تعرض لحملة قوية رافقتها تهديدات أدت إلى سحبه. ولكن، ما يبقى ثابتا قبل كل شىء أنه لا عداء سعوديا للعراق والعراقيين بغض النظر عن الطائفة والمذهب والمنطقة والقومية. إضافة إلى ذلك، هناك تململ عراقى، ليس معروفا بعد إلى أى حد سيبلغ مداه، من الوجود الإيرانى الضاغط ومن الأحزاب المذهبية التى رعتها وما زالت طهران ترعاها من أجل تكريس واقع جديد لا عودة عنه فى العراق تحت لافتة «الحشد الشعبى». يمثل «الحشد» فى الواقع امتدادا لـ«الحرس الثورى» الإيرانى فى الأرض العراقية لا أكثر.
كان لابد من خطوة سعودية جديدة لتأكيد المؤكد لجهة ان المملكة منفتحة على كل ما من شأنه تطوير العلاقات السعودية ــ العراقية فى وقت تمر فيه المنطقة فى مرحلة فى غاية الدقة. فى أساس هذه المرحلة التى تصب فى إعادة تشكيل الشرق الاوسط، بما فى ذلك منطقة الخليج، الزلزال العراقى الذى بدأ فى العام 2003 والذى لا تزال المنطقة كلها تعيش فى ظل تداعياته.
سارعت إيران فى 2003 إلى وضع يدها على العراق. حصل انكفاء عربى عن هذا البلد الأساسى، بل المحورى، خصوصا أن إدارة جورج بوش الأبن خاضت الحرب الهادفة إلى إسقاط نظام صدام حسين بمشاركة إيرانية واضحة. الأهم من ذلك كله، أن إيران لم تكتف بالحلول مكان الاحتلال الأمريكى بعدما عملت على إزاحته، بل ساهمت بشكل مباشر فى اختراق كل المؤسسات العراقية أو تدميرها من جهة وتغيير طبيعة العراق ومدنه، بدءا بالبصرة القريبة منها، من جهة أخرى.
يمثل مقتدى حالة عراقية لا يمكن الاستهانة بها بغض النظر عن مزاجيته والشكوك فى مدى قدرته على الذهاب بعيدا فى السير فى خط مستقل عن ايران. لكن ما لا يمكن الاستخفاف به أنه يمتلك قدرة على تجييش قسم لا بأس به من العراقيين وتعبئتهم ليس من زاوية شيعية فحسب، بل من زاوية عربية أيضا. هل يمكن الرهان على مقتدى، أم أن مثل هذا الرهان يفترض أن يكون على مسائل أخرى فى الوقت ذاته؟
ما يطرح هذه المسائل التى قد يجوز الرهان عليها الصعوبات التى تواجه المشروع الإيرانى فى العراق. قام هذا المشروع على إلحاق العراق بإيران بموافقة أمريكية. كان أبرز تعبير عن هذه الموافقة مؤتمر المعارضة العراقية الذى انعقد فى لندن فى ديسمبر من العام 2002، أى قبل أربعة اشهر من بدء الحملة العسكرية على العراق. لولا إيران، لم يكن فى الإمكان عقد هذا المؤتمر، الذى أشرف عليه مسئولون أمريكيون وقتذاك. كان هناك الضوء الأخضر الإيرانى لانعقاد المؤتمر. قبضت إيران سلفا ثمن الضوء الأخضر إذ سمحت بمشاركة فصائل شيعية فيه. صدر عن المؤتمر بيان يشير إلى «الأكثرية الشيعية» فى العراق. حصلت ترجمة عملية لهذه العبارة لاحقا حين حل المفوض السامى الأمريكى «بول بريمر» الجيش العراقى وحين تشكل «مجلس الحكم الانتقالى» الذى كرس تهميش السنة العرب فى العراق.
يكاد يمر 15 عاما على مؤتمر لندن، الثابت الوحيد أن العراق لن تقوم له قيامة، كان العراق مفيدا جدا لإيران وخشبة خلاص لاقتصادها فى مرحلة ارتفاع أسعار النفط. استطاعت إيران الاستفادة إلى أبعد حدود من موارد العراق ومن مليارات الدولارات التى جناها البلد فى مرحلة كان فيها سعر برميل النفط يزيد على مئة دولار.
لعل أهم ما فعلته ايران فى العراق منذ 2003 لا يتمثل فى القضاء على المدن، بدءا بالبصرة وانتهاء بالموصل، مرورا ببغداد طبعا. يظل أهم ما فعلته هو التخلص من الوجود الأمريكى، بعدما استسلم لها باراك أوباما من جهة، وخلق قوى تابعة لها مباشرة مثل ميليشيات «الحشد الشعبى» من جهة اخرى. هذا النموذج، الذى اسمه «الحشد الشعبى» هو ذلك المطلوب تعميمه فى المنطقة كلها، فى العراق وسورية ولبنان واليمن وحيث أمكن...
تدخل السعودية على العراق من بوابة مقتدى ولكن من دون تجاهل الأبواب والمسائل الأخرى التى يمكن الرهان عليها أيضا من نوع فشل المشروع الايرانى الذى ليس لديه ما يقدمه للعراق باستثناء نشر البؤس والتخلف والميليشيات المذهبية التى كان تدمير الموصل آخر إنجازاتها.
سيبقى فى نهاية المطاف سؤال محير، يترافق بالطبع مع أسئلة أخرى من نوع هل من أفق للمشروع الايرانى فى العراق، بل فى داخل إيران نفسها؟
هذا السؤال المحير مرتبط بإدارة ترامب وموقفها الفعلى من إيران. إلى أى حد ستكون هذه الإدارة واعية للدور الذى تلعبه أيران انطلاقا من العراق فى نشر كل أنواع الفوضى فى المنطقة وفى كل اتجاه من الاتجاهات. ليس ما يشير، إلى الآن، إلى استيعاب أمريكى فى العمق للدور التخريبى الذى تلعبه إيران وذلك على الرغم من كل التصريحات الصادرة عن كبار المسئولين فى إدارة ترامب. ولكن هل يعنى ذلك الاستسلام العربى لإيران فى العراق؟
من هذا المنطلق، كان استقبال محمد بن سلمان لمقتدى الصدر حدثا بحد ذاته. أعطى الاستقبال بعدا جديدا للسياسة السعودية فى المنطقة. مثلما أن إيران تستطيع اللعب فى اليمن من أجل مضايقة السعودية وكل دولة من دول الخليج العربى، تستطيع السعودية البحث عن حلفاء طبيعيين فى العراق. تفعل ذلك كى تثبت أن قرار تحويل العراق لمستعمرة إيرانية وجرما يدور فى الفلك الايرانى ليس قدرا، على الرغم من كل ما قام به بوش الأبن. تكمن مصيبة بوش الأبن وإدارته فى إهمال البعد الإيرانى للمسألة العراقية وحصر الهم الاميركى بالتخلص من صدام ونظامه البائس.
أيا تكن نتيجة استقبال السعودية لمقتدى، يظل أن العراق يبدو مقبلا على أحداث كبيرة، خصوصا أنه ليس ما يشير إلى أن الاكراد الذين وعدوا بـ «الفيديرالية» فى مؤتمر لندن للعام 2002، مثلما وعد الشيعة بالهيمنة على العراق، ليسوا على استعداد للتراجع. بل إنهم مصرون أكثر من أى وقت على الذهاب إلى أبعد فى ضوء الحلف القوى مع الولايات المتحدة واليأس من إصلاح أى شىء فى النظام الذى أنشأته إيران فى العراق بفضل أشخاص عادوا إلى بغداد على دبابة أمريكية.

الرأى ــ الكويت

التعليقات