من يحب بصدق يتعلم لغة حبيبه - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من يحب بصدق يتعلم لغة حبيبه

نشر فى : الثلاثاء 5 يونيو 2018 - 9:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 يونيو 2018 - 9:55 م

الثراء الذى يأتى مع اختلافنا كبشر، نساء ورجالا، كبارا وصغار، أديانا وثقافات، والأهم اختلافنا فى الشخصيات والصفات والميول الفردية، والتى تجعل من كل منا شخصا فريدا جدا، يأتى معه اختلاف فى احتياجنا لملء وعائنا العاطفى وفى رضانا عن عطاء الآخر لنا.
فمن بين الاختبارات الكثيرة للشخصيات وللغات التواصل بين البشر فى علوم الإنسان والنفس والتنمية البشرية هناك اختبار بسيط وشهير «للغات الحب الخمس». هو باختصار مجموعة أسئلة تبين لنا ما نحتاجه «ليمتلئ وعاء الحب بداخلنا»، أو بلغة أبسط الأشياء التى تسعدنا والتى نترجمها أنها تعبير عن الحب. اللغات هى: «التلامس» (أى التعبير بالحضن ومسك الأيدى.. إلخ) وهو لغة هرمون الأوكسيتوسين العظيم، الهورمون المسئول عن الترابط بين الزوجين أو بين الطفل وأمه أو أبيه، اللغة الثانية هى «كلمات التوكيد» وهى لغة الإطراء والتعبير عن مشاعر المودة والإعجاب وهى لغة رفع الثقة بالنفس والطمأنينة، اللغة الثالثة هى «لغة الوقت الثمين» أن تعطى أحبابك وقتا لا يشاركهم فيه أحد سواء كنت تقضيه فى ممارسة هواية أو مناقشة جادة أو حتى لحظات صمت مع شخص تحس به ويحس بك، اللغة الرابعة هى لغة «الخدمات» إنها لغة تتميز بها الأمهات فى عالمنا الشرقى لكنها أيضا لغة كثير من الرجال الذين يجدون صعوبة فى التعبير عن المشاعر، أصحاب هذه اللغة يعبرون عن الحب عن طريق الطبخ، أو قضاء مشوار هام أو حل مشكلة ما، وآخر لغة هى لغة «الهدايا» قد تبدو هذه اللغة وكأنها جافة أو مادية لكن هذا ليس صحيحا، فالهدايا البسيطة قد تؤدى الغرض لمن يتكلم هذه اللغة فالشىء الملموس القيم والجهد المبذول والمال المصروف فى شرائه يحمل مشاعر الحب لمن يتكلم هذه اللغة.
***
اختلاف لغات الحب بين البشر تتسبب فى الكثير من الآلام وسوء الفهم بين البشر، لأننا عادة ما نستخدم اللغة التى نفهمها، فمثلا إذا كنت تتحدث لغة التلامس وتحتاج بشكل شخصى إلى الكثير من الأحضان لتحس بالطمأنينة فى العلاقة فأنت غالبا تعبر لابنك عن حبك له بنفس لغتك، فتغرقه أحضانا وقبلات فى حين أنه قد يحب أن يحافظ على مساحته الشخصية، ولا يقدر هذا التلامس بل أنه يوتره وقد يفضل كلمات التوكيد ويحتاج أن يسمع أننا نحبه ونرى صفاته الحلوة ونقدره، وإذا لم يسمع هذا فوعاؤه العاطفى يبقى فارغا من الحب وثقته فى نفسه تبقى قليلة. وهكذا مع كل لغات الحب التى ذكرت بالرغم من حسن نيتنا ومشاعرنا الجميلة تجاه الآخرين، وبالرغم من المجهود الذى نبذله لإظهار هذه المشاعر، فإننا قد لا نوصلها بشكل جيد، وقد لا يستقبلها منا ويستوعبها أحباؤنا ويبقى لديهم إحساس بالحرمان العاطفى أو حيرة حول مشاعرنا الحقيقية نحوهم.
بعيدا عن لغات الحب والمشاعر فالتواصل الإنسانى يصعب مع اختلاف النوع، فالرجل والمرأة يختلفان فى التعبير عن الاحتياجات والمشاعر، وقد يحس أحدهم بعدم رضا فى العلاقة فى حين يصعب على الآخر فهم السبب وراء هذا. فالرجل عندما تواجهه مشكلة يحتاج أن يدخل إلى «كهفه» ويفضل أن يصمت ليفكر ويهضم مشكلته، فيشاهد التليفزيون أو يقرأ أو يخرج مع أصدقائه، وقلق زوجته وإلحاحها فى السؤال والطمأنينة تطيل من مدته داخل الكهف فى حين أنها تزيد من قلقها عليه أو عصبيتها لأنها لا تفهم سبب بعده وعدم تواصله معها، أما المرأة فتحتاج أن تتحدث عن مشكلتها لأنها أثناء الحديث ترتب أفكارها وتتعامل مع مشاعرها لتفهم الوضع أفضل فتتأقلم عليه أو تجد له حلا، وإذا قاطعها الرجل باقتراح الحلول التى يراها للمشكلة أو بأن يقلل من أهميتها رغبة فى تهدئتها فهو بدلا من أن يستمع إليها ويساعدها يقطع عملية ترتيب الذهن والمشاعر ويجعلها تحس أنه ليس لديه وقت للاستماع إليها والتعاطف معها.
***
اختلاف الثقافات سبب آخر لتعذر التواصل والفهم خاصة فى الزيجات المختلطة أو الصداقات بين أفراد من جنسيات مختلفة وهى تتسبب فى الكثير من سوء الترجمة للمشاعر والأحاسيس، فالعادات والتقاليد تؤثر على استقبال الشخص لطريقة إظهارنا لهذه المشاعر، فلنأخذ مثلا فعل العزاء، ففى مصر مثلا نعبر عن تعاطفنا مع أهل الفقيد بأن نزورهم ونقضى معهم الوقت وتكرار الزيارة وطولها نترجمه فى ذهننا إلى عمق مشاعر الشخص تجاهنا وإحساسه بفقدنا، أما فى بلد مثل السويد فنفس هذه الزيارة قد تعتبر عبئا على أهل الفقيد فى وقت عصيب يحتاجون فيه إلى الهدوء والخصوصية، وقد تعتبر الزيارات الكثيرة أو الطويلة مفتقدة إلى التعاطف وسمو الإحساس فى مثل هذا الظرف العصيب، والأوقع أن تستبدل بخطاب طويل يحوى المشاعر كلها أو إرسال ورد رقيق يحمل أحاسيس الحب والحزن وهى وسائل لن نفهمها فى الشرق، بالرغم من أن نية المعزى واحدة وصفاء المشاعر واحد لكن لكل ثقافة وسائل التعبير التى يفهم منها المراد كل حسب ثقافته.
فى النهاية استقبالنا للمشاعر «Perception» ليس فيه صواب وخطأ، فإذا كانت نيتنا إيصال رسالة فلنجتهد أن نتحدث لغة المتلقى، فالنية وحدها لا تكفى لإيصالها ومسئولية التواصل السليم تقع على طرفى الحديث، فمهما أظهرنا من مشاعر للآخر بطريقتنا قد لا تملأ وعاءه العاطفى ولا احتياجه الإنسانى لأننا نظهرها باللغة التى تملأنا نحن والتى نتمناها نحن، فمن يحب بصدق يتعلم لغة حبيبه.

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات