يهل علينا اليوم شهر رمضان المبارك، أعاده الله على الجميع بالخير والبركات، وندعو الله مخلصين أن يتراجع ــ ولو جزئيا – منسوب حمى الاستهلاك التى تنتابنا خلال الشهر الفضيل، بالرغم من أنه شهر شرعت فيه فريضة الصيام، التى تحض المؤمنين على القناعة والتحلى بالصبر وعدم الإسراف والشعور بالفقراء والمحتاجين.

كما نتمنى على حكومتنا الميمونة ــ التى لا تفوت مناسبة إلا وذكرتنا فيها بالترشيد وعدم الإسراف، فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد – أن تعلن عن اجراءات واضحة وصريحة تحول دون جنوح العديد من مؤسسات الدولة ومصالحها الحكومية إلى البذخ بالصرف على حفلات الإفطار أو السحور فى كبريات الفنادق والسفن الراسية والعائمة على صفحة النيل، فلا يليق بحكومة تدعو المواطنين للتقشف ان يتم ضبطها متلبسة وهى ترتكب جريمة إهدار المال العام فى مثل هذه الحفلات التى بإمكاننا الاستفادة من تكاليفها فى أوجه أهم وأنفع للإنفاق.

هذه الإجراءات التى تحد من الإسراف فى رمضان ليست جديدة على مصر، ففى يوم 4 أكتوبر 1941، وكان ذلك فى شهر رمضان، نشرت مجلة «المصور» خبرا متعلقا برئيس الوزراء ــ وقتذاك ــ مصطفى النحاس باشا، وجاء الخبر بعنوان «رفعة النحاس باشا.. لم يقم مآدب فى رمضان»، وجاء فى متنه ما ندعو حكومة المهندس شريف اسماعيل للاقتداء به، إذ يقول: «كان من عادة رفعة النحاس باشا أن يقيم فى شهر رمضان من كل عام مآدب إفطار لأعضاء الوفد وللهيئة الوفدية للشيوخ والنواب وبعض الطوائف الأخرى من الوفديين ولجان الوفد، كما أن رفعته كان يقبل فى هذا الشهر بعض المآدب التى تقام له فى القاهرة والجيزة بدعوة من الكبراء ورؤساء اللجان الوفدية، غير أن رفعته قرر فى هذا العام عدم إقامة هذه المآدب فى منزله.

كما اعتذر عن الدعوات التى وجهت إليه، وكنا نزوره منذ أيام، فوجدنا عنده وفدا من أعيان الجيزة برئاسة الشيخ المحترم أحمد أبوالفضل الجيزاوى لدعوته لمأدبة إفطار فاعتذر رفعته، وقبل زيارة منزله، والاجتماع عنده بالنهار بالجيزاويين، وقد سئل لماذا يعتذر هذا العام عن قبوله المآدب فى رمضان فقال: إننى ألغيت مآدب رمضان عملا بالاقتصاد فى هذه الظروف التى ينبغى فيها لكل مصرى أن يقتصد، ولأضرب المثل لإخوانى المصريين فى هذا الاقتصاد فإننا مقبلون على أيام عصيبة لنسأل الله أن يشمل الله فيها مصر بعنايته ورعايته وما دمت قد ألغيت المآدب لهذا الغرض فإننى لا أستطيع أن أقبل من غيرى أن يقيم لى مآدب فى رمضان، بل يجب أن يقتصد وأن يساعد غيره من الفقراء إذا كان عنده فضل من الرزق».

نتمنى أن تجد نصيحة النحاس باشا أصداءها عن أولى الأمر فى بلادنا فى هذه الأيام. كل عام وأنتم بخير. ورمضان كريم.
kaboubakr@shorouknews.com