نقمة النساء - جميل مطر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نقمة النساء

نشر فى : الثلاثاء 5 فبراير 2019 - 11:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 فبراير 2019 - 11:45 م

«أتسمى ما يقع بين المرأة والرجل فى هذا العصر، عصر ما بعد العولمة، أتسميه خلافات وسوء فهم؟. إنها شرارات حرب عاشت البشرية قرونا تؤجل اشتعالها. غرسنا، نحن النساء، على مر السنين بذورها. عشنا نرويها بدموع شقائنا ويرويها الرجال بعنادهم، ولا أقول غباءهم أو أنانيتهم المفرطة، كما تقول بعض زميلاتى هنا فى هذا اللقاء. دعونى أولا أعرب عن سعادتى بعقد هذا اللقاء، لقاء التصارح والمواجهة مختلفا عن لقاءات الفضفضة والمسايرة التى تعودنا عليها».
***
قبلت الدعوتين لإدارة حوار عن قضايا المرأة فى عصر ما بعد العولمة متخيلا أننى سوف أنجح فى الابتعاد بالحاضرين وأغلبهم من النساء عن عرض ومناقشة قضايا العلاقة مع الرجل. لم أنجح.
***
«خدعنا الرجال. ابتكروا أساطير ثم أبدعوا فى صنع أدوات تقديسها فقدسناها. لم يكتفوا بالتقديس. خافوا منا على قدسية ما ابتكروا فأحالوها إلى مشرعين لتخرج الأساطير من تحت أيديهم قوانين حاكمة. قدمونا إلى الآلهة قرابين. حرموا علينا الصلاة فى المعابد وغرسوا الشكوك فى صدق إيماننا وعبادتنا فصارت وقيعة بيننا وآلهتنا. لم تشفع لنا عندها جروحنا وعذاباتنا وسوء المعاملة فانضم أكثرها، أقصد الآلهة، إلى صف الرجال. كنا دائما فى الصف الثانى. كبير الآلهة رجل. الكاهن الأعظم رجل. حماة المعبد والعقيدة رجال. تمردنا فكنا نكسب وقتا ونخسر قلوبا. حاولوا كسر إرادتنا واعتزازنا بكرامتنا. اجتهدوا لنتصور منذ مطلع عصور الرسم على الصخر فى هيئة جسد نحيل يجره من شعره رجل عريض المنكبين منتفخ العضلات متوحش القسمات يحمل فى اليد الأخرى عصاة عرفناها مع مرور الزمن أداة تهذيب وتصحيح، أو لنتصور عراة حتى من ورقة توت كان الظن السائد بيننا أنها تحمينا من شر نظراته وقسوة نواياه».
***
سمعت قبل أيام عن دورية تصدرها فى ولاية كاليفورنيا كاتبة من المثقفات المعروفات فى الساحل الغربى. تحاول الدورية تهدئة التوتر الناشب فى العلاقة بين الجنسين فى الولايات المتحدة، ومن هناك انتقل إلى أرجاء العالم. التوتر بهذه المناسبة ليس جديدا ولا العلاقة المشدودة حينا والمرتخية حينا آخر. أذكر، وكنت فى طفولتى منصتا جيدا، أذكر أحاديث النساء فى عائلتى الممتدة عندما يجتمعن بعيدا عن الرجال. الآن أظن أن قضاء نهاية الأسبوع فى البيت الكبير كان لخدمة وظيفة محددة أكثر من وظائف أخرى. كانت كل منهن تحضر وفى جعبتها مظالم وشكاوى وتعود إلى بيتها مع مطلع أسبوع جديد وقد هدأت نفسها فتسكن إلى رجلها، الذى هو فى البداية وفى النهاية قدرها ومصيرها. لا أذكر أن طلاقا واحدا وقع فى هذه العائلة على امتداد سنوات إنصاتى ثم سنوات تنصتى. أتصور أن الفضل فى هذا السلام العائلى يعود إلى تلك اللقاءات ومثيلاتها حيث تسرى النساء عن بعضهن البعض ويفضفضن ويتبادلن الحلول والتوصيات ويعدن للتقييم والتزود بالجديد.
***
«سيدى، لم يكن سلاما. لا سلام يتحقق وطرف من الطرفين منزوع أسباب القوة وطرف مسلح بكل أسباب القوة حتى قمة رأسه. هى لا تعمل ولا تتعلم ولا تناقش غرباء ولا تعاشر غير قومها فمحصلة معارفها ومعرفتها تبقى قاصرة. علاقة غير متكافئة فبالله عليك كيف تطلق عليها صفة السلام. أسمح لى أن أستعير منك بعض مفاهيمك. هل قام سلام فى عالم علاقاتكم الدولية بين طرفين ميزان القوى بينهما مختل. تستطيع أن تفرض عليهما الامتناع عن استخدام القوة ولكنك لن تفلح فى نزع كل أدوات ممارسة الصراع. الآن يا سيدى نعيش ظروفا مختلفة. لدينا نحن النساء أسلحة ونسعى للحصول على المزيد. وبهذه الأسلحة القليلة مثل الخروج إلى العمل وتحصيل درجة عليا من التعليم والمعرفة والتوسع فى إقامة شبكات من المعارف ننوى شن معركة بعد أخرى لنصنع توازنا حقيقيا للقوة. عندئذ يمكن للسلام بيننا أن يتحقق».
***
تدخلت سيدة أخرى أصغر سنا. لفت نظرى وربما نظر غيرى من المشاركين عدم اعتنائها بمظهرها الخارجى. حسبتها تقلد متمردات العالم الغربى فوجدتها أكثر تطرفا منهن. قالت «سمعت زميلتى تدعونا لانتظار توازن فى القوى حتى نحقق السلام. لا يا أعزائى. اسمعوها منى. لن نحقق شيئا قبل أن ننتقم لكل النساء اللائى تعذبن عبر القرون. يجب أن نكون أوفياء للجنس الذى ننتمى إليه. جئت لهذه الدنيا كما جاء الرجل، جئنا شريكين لأداء وظيفة محددة. لن يؤديها منفردا ولن أؤديها بدونه. حاجتى إليه هى نفس حاجته لى. لا سببا واحدا يمنحه الحق فى الهيمنة. تصور خطأ أن ضعف بنيتى يعوضه قوته الجسدية. لم يعرف بعد أن لضعفى وظيفة سخرتها الطبيعة لخدمة أهداف لها وأن لقوته وظائف تخدم أهدافا لست أنا بينها. هذا الشريك الذى اختار مسالك العداء فى علاقته بى أو فى فهمى لشراكتنا ارتكب فى حقى أخطاء ترقى قانونا إلى مستوى الجريمة فهو بذلك يستحق من المجتمع العقاب، ومنا يستحق الانتقام. وسننتقم. وما نفعله الآن تحت اسم حملات ضد التحرش وحملات «أنا أيضا» ما هو سوى عمليات تسخين لنساء العالم استعدادا لحملات انتقام من الرجل أشد قسوة وعنفا».
***
«دعونا لا نذهب بعيدا فى التعبير عن الضيق أو حتى الغضب». قالت إحدى المشاركات بصوت يكاد لا يسمع. ما فعلناه حتى الآن بالرجل يكفى ويجب التوقف هنا. لقد تدهورت أجواء العمل فى كثير من المنشآت والشركات ودور الحكومة بسبب الحملات التى قمنا بشنها لترهيب المتحرشين. كان انتقامنا رهيبا. بالغنا فيه وتسببنا فى ضرر جسيم لرجال عديدين وبعضهم أكد براءته ولكن بعد أن حطمنا مستقبله وشوهنا سمعته. لا أدعو لوقف مساعينا لتعويض ما فاتنا ولكنى أتمنى أن نجعل عنوان حملاتنا استرداد ما سلبه الرجل من حقوقنا مستخدما احتكاره للسلطة وأدواتها».
***
هذه ليست ثورة الكعب العالى ــ حسب تعبير رجل مستهتر أو متخلف، وليست مرحلة عابرة وبعدها تعود الأمور إلى ما كانت عليه. هذه ليست مجرد محاولة من جانب المرأة للحصول على مزيد من الحرية ومزيد من مشاركة الرجل فى امتيازات انتزعها لنفسه بدون وجه حق. هذه أكثر من نتيجة تضاف إلى قائمة سلبيات العولمة وليست خدعة باسم تمكين المرأة لإسكاتها عن حقوقها الأهم والأكبر. هى الخطوات الأولى فى مرحلة جديدة من مراحل تطور الحضارة، مرحلة معقدة لأنها المرحلة التى سوف تشهد العواقب السياسية والاجتماعية للانتقال إلى عصر الذكاء الاصطناعى واحتلال الإنسان الآلى الجديد مكانه جنسا ثالثا إلى جانب المرأة والرجل. تعالوا نفكر فى واقع جديد لن نكون وحدنا على مسرحه.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي