الشباب والسياسة والصدمة: من فئة صامتة إلى أصحاب «تجربة شبابية» - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشباب والسياسة والصدمة: من فئة صامتة إلى أصحاب «تجربة شبابية»

نشر فى : الأحد 3 فبراير 2019 - 9:15 م | آخر تحديث : الأحد 3 فبراير 2019 - 9:15 م

نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» وجاء فيه:
لطالما مدح الغربيون الشبان الذين قادوا الثورات العربية وأظهروا إعجابا بهذا الجيل الواعد فعقدوا الندوات التى تعرف بالمدونين والناشطين الحقوقيين وغيرهم وتقدمهم فى صورة الأبطال. وفى غمرة الفرح والانتشاء تباهى الشبان فى أول خروج لهم من العتمة إلى النور، بحب الوطن والاستعداد للتضحية فى سبيل بناء الديمقراطية وإحداث التغييرات التى طالما حلموا بها. ويمكن أن نفسر هذا الاحتفاء بالشباب المهمش والمقصى والمغيب فى الخطاب السياسى والسياسات الثقافية والإعلامية وغيرها بتوق الغرب آنذاك إلى التعبير عن «مُثله الديمقراطية» وبحثه عن فاعلين يتصدون لما ترتب عن الأزمات الاقتصادية الناجمة عن العولمة من نتائج، فضلا عن رغبته فى أن تضخ دماء جديدة فى عالم السياسة العربية التى ظلت لقرون حكرا على الكهول والمسنين. غير أن هذه التوقعات سرعان ما ثبت عسر تحققها على أرض الواقع إذ أعيد الشباب إلى الهامش واحتل «الكبار» المركز فصاروا المسئولين عن قيادة مرحلة البناء الديمقراطى بأدوات فهم قديمة وبممارسات تبين على مر السنوات، أنها فاقدة للنجاعة ومخيبة للآمال بل صادمة.
وها نحن نصل بعد كل هذه التجارب واختبارات «تعلم الحجامة فى رءوس اليتامى» إلى ما وصلنا إليه فيرجع البعض سبب الفشل إلى بروز الإسلام السياسى، ويذهب البعض الآخر إلى أن السبب يعود إلى تكلس اليسار وعجزه عن فهم التحولات بينما يميل البعض إلى تحميل أنصار الثورة المضادة و«الدولة العميقة» المسئولية، ولكن لا أحد يقر بعامل من عوامل تعثر المسار يتمثل فى إقصاء بعض الطاقات الشبابية التى تنضح بحب العطاء والعمل والبذل ولها تصورات وتتموقع باعتبارها قوة اقتراح لبدائل وحلول وإمكانات. فلم تعمد راسمو السياسات ومن بيدهم سلطة القرار استبعاد هذه الطاقات؟ أيرجع السبب إلى الخوف من «غضب» هؤلاء وتمردهم على «القديم»؟ أيعود السبب إلى التمثلات الاجتماعية السائدة التى تصور الكهول الشيوخ على أساس أنهم يمتلكون الحكمة والخبرة فى مقابل الشباب الذين يُتمثلون على أنهم رمز «الطيش» واللا انضباط؟ أليس الصراع على السلطة هو الذى قلص من حجم المشاركة السياسية فأزاح الشبان والنساء، وجعل «اقتسام الكعكة» بين أدهياء السياسة؟ فكانت الداهية.
آثرت أغلب الطاقات الشبابية بعد تعرضها للصدمة، التوارى فقاطعت الانتخابات وعاقبت من «سرقوا ثورتهم» وانكبوا على «النشاطية» activism والفعل الثقافى وتركوا السياسة لمن يزعمون أنهم أهل السياسية وقادوا حركات تندرج ضمن الحركات الاجتماعية، وفرضوا أنفسهم من خلال أفعالهم وخطاباتهم. إنهم شبان يرفضون التعامل معهم على أساس أنهم أصوات فى الانتخابات، أو أسماء للترشيح.. وأرقام بارزة فى الإحصائيات والدراسات التى تقدمها الوزارات والجمعيات للبحث عن الدعم والتمويل الخارجى أو للتباهى بالانجازات. إنهم شبان يرفضون تسييجهم فى «فئة» ويفرضون التعامل معهم باعتبارهم فاعلين ومعبرين عن تجربة «شبابية».
لاشك عندنا أن هذه الطاقات الشبابية المغيبة تقاوم من موقع المواطنية الكاملة غير أنها عندما تتنازل عن حقها فى ممارسة السياسة تعففا أو اشمئزازا إنما تتخلى عن دورها المنتظر فى إحداث ديناميكية وعن شرعيتها التى اكتسبتها من خلال الفعل فى الواقع الذى تعمدت أغلب وسائل الإعلام تغييبه. وبتخلى هذه الطاقات التى يمكن التعويل عليها لإحداث «رجة» فى عالم السياسية السقيم تكون قد أعلنت استقالتها وقبولها باحتكار «الهواة» و«الطفيليين» سلطة تقرير مصير البلاد.
لا نريد للشباب أن يُتمثل فى سرديات الاستشراق الجديد على أنه الجهادى صاحب اللحية والعمامة والسيف، ونرفض أن يصور الشبان فى الإنتاج الهزيل على أنهم/هن «أولاد مفيدة» ولا نؤمن بأن هذه الفئة تريد أن تنتج سردية «المخلص» غاية ما نطمح إليه ألا نصر على تسييج هؤلاء فى «فئة» بدل التعامل معهم باعتبارهم فاعلين ومعبرين عن تجربة «شبابية».. غاية ما نأمل فى تحققه أن يمتلك الشبان الصوت وأن يسجلوا حضورهم النوعى فى المشهد السياسى بالمعنى الخاص، وأن يدخلوا التاريخ من بابه الكبير.
أعلل النفس بالآمال أرقبها.. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

التعليقات