10ــ أنوار الفقه المالى - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

10ــ أنوار الفقه المالى

نشر فى : الخميس 3 يناير 2019 - 11:25 م | آخر تحديث : الخميس 3 يناير 2019 - 11:25 م

نحاول هنا التفقه فى «شئون الأموال» قبل أن تتحول الأموال إلى «شئون الاقتصاد»، فالأموال فى حد ذاتها: قدرة وقوة وعامل مساعد كبير للإنسان فى جميع حركاته وسكناته. وأول فقه الأموال أن نتعرف على طبيعة المال وأصله، ثم نتعرف على الفروق الكبرى بين الأموال وبين الإنسان حتى لا يضل الإنسان ويعظم الأموال على النفس البشرية، فيشهد على نفسه بالقصور والمهانة ما دام التراب والمواشى والذهب والفضة أهم منه هو.
ــ1ــ
خلق الله الأموال جميعها قبل خلق الإنسان، وذلك إعلان وإعلام إلهى لطرفى الحياة (الأموال + الإنسان). إعلان للأموال (وهى جميع الموارد المسخرة) أنها مهما كانت ضخمة فسيحة كضخامة الأرض وما عليها، ومهما كانت عالية قادرة كعلو السماء
وما فيها، فإنها كلها (السماوات والأرض) لا قيمة لها ولا أهمية إلا إذا أوجد الله من يستخدمها (الإنسان)، وإعلام للإنسان (آدم وذريته) أنك مهما أوتيت من عقل وقوة، فلا قدرة لك على الحياة دون «تعاون منضبط» مع الأموال (جميع المسخرات). هكذا فالأموال لا قيمة لها إلا بإحسان استخدامها، وأيضا فإن الإنسان لا قيمة له إلا بإحسان التعامل مع المسخرات.
ــ2ــ
هنا يجب أن نلاحظ أن المبالغة فى «تعظيم الأموال» هى تحقير وتقليل من شأن الإنسان، كما أن الغرور والتعالى البشرى وعدم الانتباه لطبيعة الأموال ووظيفتها هو الضياع والهلاك. وكما يدخل الإنسان الدنيا وهو عريان لا يحوذ شيئا فها هم ــ جميع البشر ــ يخرجون من الدنيا وهم لا يحوذون شيئا. وها هى الحياة شاهدة أن جميع الموارد باقية غير فانية طوال الحياة الدنيا، أما الإنسان فهو ضيف عابر يأتى عاجزا ويروح مستهلكا، إلا أن يستيقظ ويضع بصمات الخير والإصلاح على المسخرات قبل أن يرحل عنها.. ((...وَمَا الْحَيَاةُ الدُنْيَا إِلَا مَتَاعُ الْغُرُورِ))، ((...وَمَا الْحَيَاةُ الدُنْيَا إِلَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ..).
ــ3ــ
فالأموال ــ كل الأموال ــ تجىء فى الترتيب الثالث ــ على سبيل المثال ــ أما الأول فهو لا شك خالق الأموال وخالق الإنسان. فهو سبحانه الأول والآخر، وهو الظاهر والباطن، وهو المدبر والمانح.
((وَأَنَهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ* وَأَنَهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا))، فلا شىء أيها الإنسان يشغلك أو يلهيك عن دوام تصحيح معرفتك بالله وإحسان صلاتك به.
ــ4ــ
ولا يأتى فى الترتيب ــ بعد الله جل جلاله ــ إلا «النفس البشرية» ــ نفس جميع بنى آدم، فهى الأولى والأهم ــ بعد الله ــ بالتفكير فى شئونها والعناية بحاجاتها، وتدبير كل منافعها. فالإنسان هو «الخليفة» وهو المكلف المسئول، وهو حامل الأمانة والمسئول عن تنمية الدنيا وإعمارها ومنع فسادها ودوام الصبر والمثابرة على إصلاحها.
ــ5ــ
يأت بعد ذلك دور الأداة المساعدة وهى الأموال ــ كل الأموال ــ فإذا شاء الإنسان أن يضع الأمور فى نصابها وإذا شاء أن يحافظ على توازنه وعلى «سيادته فى الدنيا»، فليجعل الأموال كلها دائما وأبدا فى مؤخرة الاهتمام.
ــ6ــ
لذلك كان الأساتذة المربون والعلماء يؤكدون علينا ــ فى طفولتنا – أهم مبادئ الحياة فيقولون: هل نحن نعيش لنأكل؟ أم نحن نأكل لنعيش؟
وتكون الإجابة الصحيحة:
أن هذا السؤال مغلوط.. فلا العيش فى حد ذاته هدف، ولا الطعام فى حد ذاته هدف.. إنما الهدف الصحيح هو الإعمار والإصلاح، وتكون الإجابة أن الله خلقنا للإعمار والإصلاح، فنحن نأكل بقدر ما يساعدنا على إنجاز المهمة وتحقيق الرسالة.. ((..هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ..)).

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات