إذا كان الجهل البسيط هو عدم معرفة الحقائق وعدم الدراية بالشىء، فإن الجهل المركب شىء آخر. فالجهل المركب هو عدم الدراية، بالإضافة إلى تصوره أنه يدرى ويعلم.
وتلك مصيبة الجهل المركب. بل سلسلة من المصائب يتبع بعضها بعضا حتى يتحول الجهل البسيط إلى جهل مركب.
ــ1ــ
فالشخص الذى لا يدرى الحقيقة، يمكن أن يبحث عنها فيعرفها، أما إذا قنع ولم يبحث ولم يعرف، فيبقى فى المربع الأول (مربع عدم الدراية).
لكن هذا الشخص سرعان ما يجد نفسه بين مجموعة من الناس يناقشون الحقيقة التى يجهلها هو فينزلق إلى الاشتراك فى المناقشة دون معرفة فتتولد الأخطاء، ثم قد يصر عليها ويدافع عنها فتكثر الأخطاء، ثم يصبح من الصعب نفسيا عليه أن يتراجع أو يغير.
ــ 2 ــ
من عيوب الجهل المركب أن صاحبه يكتفى بتصوره، فلا يسعى لطلب التصحيح حتى تفوته فرص كثيرة، ثم قد يكون صاحبنا هذا عاليا الصوت قريبا من وسائل الإعلام فيجرى ظهوره وشهرته، ثم يتتابع الثناء عليه من أمثاله الذين لا يعلمون. فيشيع الخطأ وربما يستقر فى الأذهان لدى غير المتخصصين. ولا تقف كارثة الجهل المركب عند هذا الحد.
ــ 3 ــ
ومع اتساع حركة الحياة تجد لمقولات الجهل المركب رواجا مسموعا حتى يسكت أصحاب المعرفة والعلم. وسرعان ما تجد لتلك الخطايا انتشارا فترى الخطأ يملأ صفحات الصحف وميكروفونات الفضائيات، وما أسهل أن يشيع فى وسائل الاتصال الاجتماعى المجانى على أجهزة التليفونات فيصبح الخطأ قاعدة والصواب استثناء.
ــ 4 ــ
لو كان الجهل المركب ينتهى أثره عند النشر والانتشار، فربما يمكن تداركه، لكن من كوارث الجهل المركب أن منابر الإعلام هى المؤهل الأبرز لاحتلال الوظائف والمناصب، ويستيقظ الناس يوما فإذا صاحب الجلالة الملك مثلا قد توفى وليس له ولى للعهد، وتسارع نوافذ الإعلام بترشيح صاحبنا ويتلو ذلك تتويجه ملكا فكيف تكون الأمور؟!

ــ5ــ
ومن بقايا الحكمة الموروثة أن الرجال أربعة:
رجل يدرى (عالم) وهو يدرى أنه يدرى فهو عالم فاسألوه.
ورجل يدرى (عالم) وهو لا يدرى أنه يدرى فهو ناسٍ فذكروه.
ورجل لا يدرى (جاهل) وهو يدرى أنه لا يدرى فهو جاهل فعلموه.
ورجل لا يدرى (جاهل) وهو يدرى أنه لا يدرى فهو أحمق فأدبوه.