الوطنية الأمريكية فى عهد ترامب - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوطنية الأمريكية فى عهد ترامب

نشر فى : الخميس 1 نوفمبر 2018 - 8:15 م | آخر تحديث : الخميس 1 نوفمبر 2018 - 8:15 م

قبل وصول الرئيس دونالد ترامب لسدة الحكم قبل عامين، لم يتحدث الكثير من الأمريكيين عن القومية أو الوطنية Patriotism & Nationalism إلا فى إطار واسع يرتبط غالبا بخوض بلادهم حروبا خارجية على شاكلة الحربين العالميتين أو حرب كوريا أو فيتنام أو حرب العراق، ومن قبلها الحرب فى أفغانستان وهجمات 11 سبتمبر. إلا أن ترامب نجح بصورة غير مسبوقة فى وضع هذه الكلمة على مائدة الحوار السياسى فى الولايات المتحدة التى تتمتع بفترة من السلام مع كل منافسيها وفى ظل غياب بديل للحروب العسكرية المسلحة، وانحسار إمكانية خوض الولايات المتحدة نزاعات عسكرية فى المستقبل القريب.
ولا يتردد ترامب فى وصف نفسه بأنه «يفتخر بكونه وطنيا وقوميا»، ويقول ويكرر إنه يبحث عن المصالح القومية الأمريكية كما يبحث قادة الدول الأخرى عن مصالح بلادهم القومية. وفى سبيل ذلك ابتدع ترامب استراتيجية «أمريكا أولا» والتى يلخصها فى ضرورة خدمة مصالح أمريكا الخاصة بعيدا عن مصالح العولمة فى إطارها الدولى، والتى قد لا تخدم بالضرورة المصالح والأهداف الأمريكية.
وعلى العكس من خطاب ترامب بخصوص الوطنية والقومية الأمريكية، فقد كان مصطلح «وطنية أو قومية» لوقت قريب يعنى أمريكا صاهرة العرقيات والخلفيات والعقائد والأجناس واللغات، وكان من مصادر الفخر أن كل هؤلاء يأتون هنا ليصبحوا أمريكيين، ولم تتضمن الفكرة أن أمريكا تسمو فوق الدول الأخرى الحلفاء منهم والأعداء. من هنا أعطى ترامب دفعة قوية للشوفينيين الأمريكيين ممن يعتقدون أن أمريكا هى معجزة ربانية وهدية من الآلهة للأرض.
***
فى خطابه الأول خلال مراسم تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة قبل عامين، قال الرئيس دونالد ترامب إن «لاحتفال اليوم معنى خاصا جدا، لأننا اليوم، لا نقوم بمجرد نقل للسلطة من إدارة إلى أخرى، أو من طرف إلى آخر، لكننا ننقل السلطة من واشنطن، ونعطيها إليكم مرة أخرى، نعطيها للشعب». وقد مثل خطاب ترامب الرسمى الأول تدشينا لرؤية شعبوية معتمدة على صبغة تلائم القرن الواحد والعشرين، مركزة على قصور وسلبيات ونتائج ظاهرة العولمة التى وجهتها وقادتها بالأساس الولايات المتحدة، سواء تحت حكم الجمهوريين أو الديمقراطيين خلال العقود الأخيرة. وقد استطاع ترامب الذى جاء مغردا من خارج سرب السياسة التقليدية إعادة إحياء فكرة الوطنية الأمريكية، بانتصاره الساحق على أكبر مؤسستين سياسيتين قوة ونفوذا فى العقود الأخيرة. والحديث هنا عن عائلة بوش التى مثلها فى الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى المرشح جيب بوش، وعائلة كلينتون التى مثلتها المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون على بطاقة الحزب فى الانتخابات الرئاسية. وتجىء انتخابات الكونجرس المقررة بعد عدة أيام لتمثل اختبارا جديدا ليس بالضرورة لسياسات ترامب، بل اختبارا لشعبيته التى تنبع من إعجاب الناخبين به أو ازدرائهم له ولسلوكياته وتعليقاته.
***
وطنية ترامب لا تعتمد على حسابات عقل الناخبيين، بل تتجه إلى عواطفهم بصورة مباشرة. وقد أظهرت السياسات التى اتبعها ترامب تبسيطا كبيرا لمفهوم الوطنية يلخصه فى نقطتين بقوله «اشتروا المنتجات الأمريكية، ووظفوا المواطنين الأمريكيين»، وهو ما يمثل حجر الأساس فى سياساته الداخلية، المرتبطة بسياسات هجرة متشددة وسياسات تجارية محافظة تفرض قيودا وضرائب على شركاء واشنطن الأساسيين.
ويمتد مفهوم الوطنية عند ترامب إلى ملفات أخرى، أكثر خطورة وأهمية من القضايا التجارية، وتتعلق بتهديد النظام العالمى الذى أرست قواعده، وعملت على حمايته وتجديده الإدارات المختلفة منذ الحرب العالمية الثانية، وأعتمد على ليبرالية سياسية واقتصاد مفتوح. وليست تلك السياسات بالضرورة وليدة وصول ترامب إلى سدة الحكم فى البيت الأبيض، بل خرجت إرهاصاتها وتشكلت منذ عام 2008 الذى شهد حدثين تاريخيين، ساهما بتشكيل التيار الشعبوى الأمريكى الذى نجح ترامب فى امتطاء قيادته. ففى هذا العام، وقعت الأزمة المالية، وبدأت بسوق العقارات، وأثر ذلك على ملايين المواطنين ممن فقدوا وظائفهم أو بيوتهم أو الاثنين معا. وظهرت مرارة كبيرة من سياسات العولمة والتجارة الحرة والميكنة، وساهم الصعود الاقتصادى للصين فى مضاعفة مخاوف فئة عمال المصانع وعمال المناجم على مستقبلهم الوظيفى. وارتبط العام 2008 كذلك بوصول أول رئيس أسود إلى البيت الأبيض، ومثل ذلك تذكيرا للأغلبية البيضاء، خصوصا الرجال منهم، أن التهديدات النظرية بفقدان سيطرتهم التاريخية على الحياة السياسة الأمريكية قد بدأت بالفعل. وكان رد الفعل متمثلا فى الوقوع فى حضن حركة حزب الشاى المحافظ المتطرفة حتى بمعايير الحزب الجمهورى. هاجم حزب الشاى أوباما، وتبنى سياسات وخطابات تؤجج العنصرية والتعصب والإسلاموفوبيا. ويمثل ترامب كذلك غضبا واضحا لما شهدته أمريكا من تغيرات فى النصف قرن الأخير، ولم تكفِ خطابات ترامب العنصرية والفاشية السافرة ضد كل ما هو غير مسيحى أبيض، كى لا يثنى الجمهوريين عن اختياره لتمثيلهم، بل يبدو أنها كانت السبب المباشر والأهم فى فوزه الكبير، واكتساحه ممثلا للملايين من الغاضبين على اتجاه أمريكا نحو مزيد من التنوع العرقى والدينى واللغوى.
من هنا، يمكن وضع سياسات ترامب المعادية للمهاجرين، عن طريق تبنيه سياسات متشددة وتصميمه على بناء فاصل على الحدود الجنوبية مع المكسيك، فى هذا الإطار. وكذلك سياساته تجاه المسلمين، ومنها إصداره مراسيم رئاسية بمنع دخول مواطنى عدة دول مسلمة الولايات المتحدة، وتأييد المحكمة الدستورية العليا لها.
***
نشأت الولايات المتحدة متحررة من قيود وأعباء القارة الأوروبية خاصة فيما يتعلق بهويتها وقوميتها ودينها والصراعات المرتبطة بهذه المعضلات، وعلى الرغم من هذا التحرر، ينادى اليوم كثيرون بشعارات قومية وعنصرية فاشية أعطاها زخما كبيرا الخطاب السياسى لدونالد ترامب. عكست الأحداث التى شهدتها أمريكا أخيرا متمثلة فى طرود البرد المفخخة والتى وصلت لساسة ديمقراطيين ولشبكة سى إن إن، وبعدها حادث القتل المروع لمصليين داخل معبديهودى فى مدينة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا، وقبل ذلك أحداث مدينة شارلوتسفيل لتعكس واقعا أمريكيا قبيحا جديدا عكس بدوره تصاعدا ملموسا للحركات اليمينية العنصرية التى ترى نفسها «وطنية» بمعايير ترامب.
كاتب صحفى يكتب من واشنطن

الاقتباس
وطنية ترامب لا تعتمد على حسابات عقل الناخبيين، بل تتجه إلى عواطفهم بصورة مباشرة. وقد أظهرت السياسات التى اتبعها ترامب تبسيطا كبيرا لمفهوم الوطنية يلخصه فى نقطتين بقوله: «اشتروا المنتجات الأمريكية، ووظفوا المواطنين الأمريكيين»، وهو ما يمثل حجر الأساس فى سياساته الداخلية

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات