ماذا يريد المواطن فى العام الجديد؟ - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يريد المواطن فى العام الجديد؟

نشر فى : الإثنين 1 يناير 2018 - 10:00 م | آخر تحديث : الإثنين 1 يناير 2018 - 10:00 م
إذا سألنا أى مواطن عن ماذا يريد من الحكومة أو الدولة فى العام الجديد، فالطبيعى أن تأتى كل إجابة مختلفة عن الأخرى. بعض أو معظم الإجابات قد تلتقى على عدد من القضايا العامة مثل القضاء على الإرهاب أو حل المشكلة الاقتصادية. ولكن حتى مع الذين يريدون حل المشكلة الاقتصادية، فإن الاحتياجات والتطلعات تختلف من مواطن إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن شريحة إلى أخرى. وبالتالى فإن إجابة الفقير ستختلف عن الغنى، والمتعلم عن الأمى، والذى يعيش فى العشوائيات يختلف عن الذى يعيش فى التجمعات السكنية الأخرى، وهكذا. وعادة ما يتم قياس نجاح أو فشل أى دولة أو حكومة بمدى قدرتها على تلبية مطالب واحتياجات معظم أفراد شعبها، أو على الأقل بعض الشرائح الأكبر نسبيا فى المجتمع مثل الطبقة الوسطى أو الطبقة العاملة. وبالتالى يصبح السؤال المطروح دائما هو كيف يتم الاستجابة لكل هذه المطالب والتطلعات؟ وعلى أى أساس يتم تحديد الأولويات فى خطط الحكومة وبرامجها؟ والتى عادة ما تطرح بدورها التساؤل حول من المستفيد ومن المتضرر من تنفيذ ما تستقر عليه الحكومة أو الدولة من مشاريع أو قرارات وإجراءات؟ 

كانت هذه المقدمة ضرورية من أجل إيضاح بعض الأسس والبديهيات التى أصبحت غائبة فى النقاش العام حول بعض السياسات والقرارات التى يتم اتخاذها، والتى عادة ما يتم خلالها تصوير ما تتخذه الحكومة من قرارات وإجراءات ومشروعات من أنها «للصالح العام»، أى أنها لصالح جميع المواطنين، وكأن المجتمع كله كتلة واحدة ذات مصلحة واحدة لا يوجد بداخله مصالح أو أهداف متعارضة. فمثلا يقال إن تخصيص جزء من الميزانية للصرف على المدن الجديدة يستفيد منه غالبية المواطنين. ولكن على أى أساس قررت الحكومة ذلك؟ وهل كان ذلك بناء على دراسات جدوى اقتصادية أخذت بها جهات الاختصاص؟ أم بناء على قرارات فردية تعكس قناعاة معينة لمتخذ القرار فى هذا القطاع؟ وماذا عن الصرف على إصلاح المرافق فى المدن القديمة؟ فهل تم تخصيص هذا الجزء من الميزانية بعد استيفاء احتياجات سكان المدن القديمة؟ أم إنه «رؤى» أن تكون الأولوية للمدن الجديدة ويأتى بعد ذلك الآخرون إذا كان هناك فائض فى الميزانية يسمح بذلك، وهكذا فى كل قطاع أو نشاط اقتصادى أو عمرانى على سبيل المثال لا الحصر.

لذلك عرف البعض «علم السياسة» بأنه علم اتخاذ القرارات، أو بمعنى أكثر شيوعا «علم صناعة القرار»، لأن على الحكومة، التى عليها مسئولية اتخاذ القرارات، الاختيار دائما ما بين مجموعة من البدائل والسياسات والإجراءات، كل واحدة منها تعكس مصلحة فئة أو مجموعة أو شريحة معينة. وفى كثير من الأحيان يصعب تلبية احتاجات الجميع نظرا لمحدودية الموارد، فيتم تحديد الأولويات ويكون على متخذ القرار المفاضلة والاختيار. ولذلك أصبحت عملية صنع القرار علما كاملا، وأصبحت عمليات صنع القرار فى العديد من الدول والمواقف محل دراسات وفحص وتمحيص لفهم كيف تتم عملية اتخاذ القرار فى هذه الدولة أو تلك، فى هذا الموضوع أو ذاك. ولذلك فإن لكل قرار منطقه وأسبابه، وله المدافعون والمستفيدون منه، وله كذلك المتضررون منه.

وهناك أشكال كثيرة لعملية صنع القرار فى الدول المختلفة. وعلى عكس ما يظن البعض، فإن عملية صنع القرار، حتى فى الدول ذات النظم غير الديمقراطية ــ من وجهة نظر الدول الغربية الديمقراطية ــ لا تكون نتيجة قرار فردى يتخذه رأس السلطة هناك، سواء كان ذلك بوتين فى روسيا أو شى بينج فى الصين. إذ أن مهمة صانع القرار هناك تصبح فى الأساس كيفية التوفيق والتوافق بين مختلف المصالح والرغبات داخل أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة. ولذلك تأتى القرارات والمشروعات الكبرى بعد عملية مفاوضات ومساومات ومقايضات بين ممثلى مختلف الفصائل والشرائح داخل الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة المختلفة حتى تحظى بالتوافق المطلوب. ولذلك كانت معظم السياسات القرارات والمشروعات التى نفذت تحظى بتأييد ودعم شعبى بعد أن شاركت معظم شرائح المجتمع فى عملية اتخاذ القرار ولكن من خلال آليات خاصة بها، وهى آليات تختلف عن تلك المعروفة فى الدول الغربية الديمقراطية، ولكنها آليات ناجحة نجحت فى تبنى سياسات ومشروعات ناجحة أدت إلى تحقيق معدلات نمو اقتصادى مرتفعة وتحسين مستوى معيشة مواطنيها وتخفيض معدلات الفقر بها.

إذن المطلوب على الأقل فى هذه المرحلة وكبداية، أن يتم ترشيد عملية صنع القرار الاقتصادى فى مصر، وفتح باب الحوار المجتمعى قبل الدخول فى مشروعات جديدة غير معروف جدواها الاقتصادية أو فائدتها الأعم على الدولة. ولنا فى تجربة توشكى من قبل درسا قاسيا حين اتخذت الحكومة وقتذاك قرارها بالمضى قدما فى هذا المشروع ودون أخذ رأى جهات الاختصاص أو أصحاب الخبرة، ناهيك عن التحاور مع أصحاب المصالح المختلفة من مستفيدين ومتضررين من هذا المشروع. وكانت النتيجة استنزاف جزء من موارد الدولة المحدودة أصلا فى مشروع لم يثبت جدواه، فى حين لو كان قد تم تخصيص هذا الجزء من الموارد فى تلبية احتياجات بعض القطاعات أو الخدمات المطلوبة، لكان ذلك أفضل حالا لهم ولنا. يدعونى لهذا الحديث ما نراه يتكرر فى بعض المشروعات التى نسمع عنها، سواء كان ذلك إنشاء مدن جديدة (العاصمة الإدارية) أو توسيع مرفق عام لم يكن بحاجة إلى توسيع (قناة السويس)، والتى لم تكن نتيجة حوارات بين مختلف قطاعات الدولة ومؤسساتها، ودون دراسات جدوى اقتصادية منشورة تقنع الرأى العام بأهمية هذه المشروعات عن عداها من مشروعات كانت فى نظر البعض أولى بالاستثمار والاهتمام. فهل نطلب الكثير عندما تكون إحدى أمنيات عام ٢٠١٨ هو أن نبدأ بإتخاذ بعض القرارات الإقتصادية الخاصة بالمشروعات القومية الكبرى على الأقل بالتوافق والتراضى بين مختلف مكونات المجتمع والدولة، وبما يساهم فى تعزيز الاقتصاد الوطنى وتحسين مستوى المعيشة.

 

التعليقات