عن احتجاجات الشرق الألمانى

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الجمعة 31 أغسطس 2018 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

خلال الأيام الماضية، شهدت مدينة كيمنتس الواقعة فى شرق ألمانيا احتجاجات متكررة لليمين المتطرف ولمناهضيه. وبينما تمثل السبب المباشر للاحتجاجات فى مقتل مواطن ألمانى متأثرا بجراحه فى أعقاب شجار بين أشخاص من جنسيات مختلفة، لم يكن لليمين المتطرف أن يحشد المئات فى المدينة الشرقية ويرفع الشعارات العنصرية ويحفزهم على تعقب الأجانب ويدفع الحركات اليسارية إلى تنظيم حشود مناهضة دون حضور توترات اجتماعية حقيقية رافدها الأهم هو قضية اللجوء وأزمة اندماج بعض المناطق الشرقية فى ألمانيا الموحدة.
فقبل أن تعلن السلطات القضائية قائمة متهمين، زعمت مجموعة «من أجل كيمنتس» اليمينية المتطرفة التى دعت إلى الاحتجاجات فى أعقاب وفاة المواطن الألمانى أن لاجئا سوريا ولاجئا عراقيا هما من تشاجرا معه وسبّبا وفاته. ثم تداولت المجموعة على شبكات التواصل الاجتماعى صورة من أمر قضائى بتوقيف اللاجئين السورى والعراقى للتدليل على دقة معلوماتها، واتضح فيما بعد أن أحد المسئولين فى شرطة مدينة كيمنتس هو من سرب صورة الأمر القضائى لليمينيين.
وبمزيج من الشعارات المعادية للأجانب والمطالبة بطرد اللاجئين، أنتج اليمين المتطرف حالة من العنف المؤقت فى المدينة وظهرت على الشاشات التليفزيونية لقطات لبعض اليمينيين وهم يطاردون أشخاصا ذوى مظهر أجنبى (أو ذوى مظهر شرق أوسطى على وجه التحديد)، وظهرت أيضا لقطات أخرى لمحرضين من مجموعات عنصرية ونازية وهم يحفزون المشاركين فى الاحتجاجات على «مواجهة عنف الأجانب» ورفض صمت الحكومة الفيدرالية وحكومة ولاية ساكسونيا الواقعة بها مدينة كيمنتس وسلطات المدينة على «كارثة اللجوء» وضياع «الهوية الألمانية» على وقع «زحف اللاجئين المسلمين» من الشرق الأوسط.
***
أحدثت حشود اليمين المتطرف صدمة فى أوساط اليسار التقليدى (حزب اليسار والحزب الاشتراكى الديمقراطي) واليسار التقدمى (حزب الخضر)، ورتبت الدعوة السريعة لتنظيم مظاهرات مناهضة لليمين المتطرف ولممارسات العنف ضد الأجانب ولشعارات العداء للاجئين وطالبى اللجوء الباحثين عن ملاذات آمنة بعيدا عن الحروب الأهلية والإرهاب والدمار فى بعض بلدان الشرق الأوسط. شهدت مظاهرات اليسار مشاركة شعبية جيدة، خاصة من قطاعات الشباب والطلاب والنساء والروابط المدافعة عن حقوق الأجانب وعن انفتاح ألمانيا على ثقافات وأعراق متنوعة. تعاطف سياسيون وبرلمانيون وإعلاميون ليبراليون ويساريون مع «إظهار كيمنتس لوجهها المتسامح»، ودعوا الحكومة الفيدرالية وحكومة ولاية ساكسونيا للوقوف فى وجه اليمين المتطرف.
غير أن مروجى خطاب «التسامح والانفتاح» تعاملوا مع انتشار المشاعر السلبية تجاه اللاجئين، تلك المشاعر التى سمحت لمجموعات اليمين المتطرف بالصعود خلال السنوات الماضية وجاءت إلى البرلمان الفيدرالى الألمانى بحزب البديل لألمانيا، تعاملوا معها باستخفاف وكأن بيانات التسامح تكفى لإخماد مشاعر سلبية يسببها الارتفاع غير المسبوق فى أعداد اللاجئين ويسببها أيضا تورط أقلية من اللاجئين فى أعمال عنف وممارسات خارجة على القانون مثلما تغذيها السياسات المعادية للأجانب التى تتبناها بعض الحكومات الأوروبية كالمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك والحكومة الإيطالية الجديدة.

***
فى كيمنتس وغيرها من المدن الشرقية فى ألمانيا تتواكب التوترات المجتمعية التى ترتبها قضية اللجوء مع تحديات الاندماج بين الشرق والغرب. فالمجموعات اليمينية المتطرفة تكره السياسيين والبرلمانيين والإعلاميين القادمين من غرب ألمانيا، وتتهمهم بالاستعلاء على الشرق وتصنيف مواطنيه كخائفين من الثقافات والأعراق الأخرى دون وجه حق وكذلك دون اعتبار للتحديات التى تواجهها بهم قضية اللجوء وقضايا أخرى مثل البطالة ونزوح الشباب بعيدا عن المدن الشرقية. مجموعة «من أجل كيمنتس» وغيرها من المجموعات كحركة «بجيدا» التى تأسست منذ سنوات فى مدينة درسدن ترى حكومات شرق ووسط أوروبا التى تتبنى مواقف معادية للأجانب أقرب إليها من حكومة أنجيلا ميركل ومن حكومات الولايات الشرقية التى يسيطر عليها السياسيون الغربيون.
وفى المقابل، يدافع اليسار التقليدى واليسار التقدمى عن حق الألمان الشرقيين فى الحياة فى أجواء مجتمعية متسامحة لا تختلف عن نظرائهم الغربيين ولا تنصهر فى سياقات العداء للأجانب واللاجئين المنتشرة فى شرق ووسط أوروبا. وبين غربة بعض الشرقيين إزاء ثقافة الغرب المتسامحة وإصرار شرقيين آخرين على تبنى التسامح والانفتاح كنمط حياة، بين النقيضين يبدو شرق ألمانيا محدود الاستقرار وغير قادر لا على تجاوز طفولية وخطورة اليمين المتطرف ولا على التخلص من استعلاء الليبراليين واليسار على المشاعر الشعبية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved