مجلس النواب والدستور متلازمة التناقض

طارق عبد العال
طارق عبد العال

آخر تحديث: الأربعاء 28 سبتمبر 2016 - 11:48 ص بتوقيت القاهرة

يتعجب الكثيرون من المهتمين بالشأن العام المصرى من كون مجلس النواب المصرى قد فض فصله التشريعى الأول بمخالفة صريحة لنصوص الدستور المصرى الأخير، وذلك بعدم إصداره لقانون العدالة الانتقالية الواجب عليه إصداره بإلزام نص المادة 241 من الباب الأخير للدستور، والتى جاءت صياغتها بطريقة الإلزام.

لكننا لو دققنا وأعملنا العقل فى نصوص الدستور المصرى، سنجد أن مجلس النواب قد خالف أحكام هذا الدستور منذ لحظة ميلاده، ومخالفا لقسمه الدستورى باحترام الدستور والقانون المنصوص عليه فى المادة 104 من أحكام الدستور، ونستطيع أن نوجز لذلك فى أسطر عديدة. فمنذ أول انعقاد لمجلس النواب كانت أولى المخالفات التى جرت خلفها الباقية كقاطرة القطار، حيث جاء نص المادة 101 من الدستور على أن مجلس النواب، يتولى سلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة، وإهمال رقابته على أعمال السلطة التنفيذية، ولكن مجلس النواب الذى قام أعضاؤه بتشكيل تكتل أو جبهة لدعم السلطة التنفيذية بشكل صريح ملأ العقول والأبصار تحت مسمى «فى حب مصر»، وأعلنت هذه الجبهة أو الائتلاف بأن مهمته الأساسية هى دعم الدولة المصرية، فكيف إذن ستكون هناك رقابة على أعمال السلطة التنفيذية من الجبهة التى تمثل أغلبية أعضاء البرلمان.

ثم تلى ذلك بمخالفة أكثر فجاجة فى أعماله الرقابية على ما صدر من قرارات بقوانين حال غيبة البرلمان، وفقا لنص المادة 156 من الدستور، والتى أوجبت على البرلمان مناقشة هذه القرارات بقوانين فى مدة خمسة عشر يوما من انعقاد المجلس، وما تم فى حقيقة الأمر هو مجرد عرض صورى لهذه القرارات بقوانين تحايلا على نص الدستور، ولم يستغرق أمر العرض لبعض هذه القرارات بقوانين حتى دقائق معدودة، وكأن ذلك يبرأها من مظنة مخالفة أحكام الدستور على غير الحقيقة الواضحة من مجرد قراءة المادة سالفة الذكر.

•••

ثم تأتى مخالفة فى علانية انعقاد الجلسات، والتى أوجبتها نص المادة 120 بقولها «جلسات مجلس النواب علنية» والاستثناء أن تكون الجلسات سرية بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، أو رئيس المجلس، أو بطلب من عشرين عضوا من أعضاء مجلس النواب، ويجب أن لا يكون أمر سرية الجلسات مستمرا، وإنما يجب أن يكون الأمر متوافقا مع الموضوع المعروض للمناقشة ولا يتعداه.

تلى ذلك مخالفات فى منهج عمل البرلمان، ويكفى أن ندلل على ذلك بما تم وقت مناقشة وإقرار مشروع الموازنة العامة، وقد خالف مجلس النواب فى هذا الأمر، وهو من الأمور الحيوية للمواطنين الذين يمثلهم هؤلاء النواب، حيث خالفت الموازنة النسب المنصوص عليها فى المادة 18 وهى نسبة 3% من الناتج القومى الواجب تخصيصها للرعاية الصحية، ثم تتزايد لتتماشى مع النسب المقررة عالميا، وكذلك فيما يخص النسبة الواجب تخصيصها من الإنفاق الحكومى للتعليم والمقررة بنص المادة 19 بنسبة لا تقل عن 4% بل تتصاعد تدريجيا حتى تتوافق مع المعدلات العالمية.

ثم خالف مجلس النواب أحكام هذا الدستور، حينما لم يقم بتنفيذ حكم محكمة النقض، والقاضى ببطلان عضوية أحد أعضائه، حيث لم يقم المجلس بتنفيذ الحكم القاضى ببطلان العضوية، برغم ما جاء فى الفقرة الأخيرة من نص المادة 107 من الدستور المصرى بقولها «وفى حالة الحكم ببطلان العضوية، تبطل من تاريخ إبلاغ المجلس بالحكم»، وهو قول صريح وواضح لا يحتاج إلى تفسير أو تبرير.

وهذه الأمثلة السابقة لعمل مجلس النواب المصرى، تؤكد على كونه تعمد إهمال ما جاء بالدستور المصرى منظما لعمله، أو محددا لأطر محددة واجب على المجلس اتباعها دون النظر إلى التماهى إلى جانب السلطة التنفيذية تحت حجة الظروف التى تمر بها البلاد، كل ذلك بخلاف الهبوط الحاد فى الدور الرقابى لأعضاء مجلس النواب والمتمثل فى مجموعة من الأدوات جاء النص عليها فى الدستور وهى السؤال والاستجواب وسحب الثقة وطلب المناقشة وإبداء الاقتراح برغبة فى موضوع وطلب الإحاطة والبيان العاجل، وكلها منصوص عليها فى الدستور المواد من 129 إلى 135.

•••

هذا مجرد عرض لمخالفات دستورية اقترفها مجلس النواب فى حق ممثليه من كتلة الناخبين، ولم يقف الأمر كما تعالت الأصوات عند مجرد فض الدورة التشريعية دون إصدار قانون العدالة الانتقالية فقط.

إذن من يمثل هذا البرلمان؟ هل فعليا يمثل جموع المواطنين؟ وهل جعل من سيادة القانون حدا فاصلا لعمله؟ أرى أن الأمر أعجب من العجب، بل يجب أن يدخل تحت بند مواقف وطرائف، فكيف يكون عمل هذا البرلمان ناحيا صوب المواطنين بعد مخالفته الصريحة والواضحة لكل أحكام المواد الدستورية سالفة البيان. وما هو حال الدولة المصرية حين تخالف سلطتها التشريعية المعنية أصلا بسن القوانين بمخالفة لأحكام الدستور، الأمر جد خطير وذو دلائل صعبة إن دلت فإنما تدل على حال الدولة المصرية بشكل عام، وبشكل خاص إذا ما واجهناه مع تعريف مبدأ سيادة القانون واحترام مبادئ الدستور حيث أن الدستور يشكل الضمانة الأساسية لقيام دولة القانون، لأن الدستور يقيم السلطة فى الدولة، ويؤسس وجودها القانونى ويؤطر نشاطها بإطار قانونى لا تحيد عنه. وجود الدستور يؤدى إلى تقييد سلطات الدولة، فالدستور «قانون القوانين» هو الذى يعنى ببيان نظام الحكم فى الدولة، وتشكيل السلطات العامة، وتوزيع الاختصاصات العامة فيما بينها، ويحدد كيفية ممارستها، كما يبين حقوق الأفراد والوسائل اللازمة لضمانها وصيانتها. الدستور يقع فى قمة هرم النظام القانونى، ويسمو على ما عداه من قواعد قانونية، وهذا المعنى هو ما عنته المحكمة الدستورية العليا بقولها فى القضية رقم 22 لسنة8 ق دستورية أن «الدولة القانونية هى التى تتقيد فى جميع مظاهر نشاطها – وأيا كانت طبيعة سلطاتها – بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطا لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازا شخصيا لأحد، ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved