لمواجهة الوباء: المؤسسات والسياسات

إبراهيم عوض
إبراهيم عوض

آخر تحديث: السبت 26 ديسمبر 2020 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

الشواهد تبين أن الوباء العالمى قد اشتد تأثيره على مصر. انتشر الحديث عن أربع سلالات لفيروس كورونا تجول فى البلاد. ومنذ يومين أعلن المتحدث باسم الحكومة عن احتمال فرض حظر التجوال الجزئى وإغلاق المساجد وعدد من المرافق الأخرى. وكشف الاتحاد العام لنقابات عمال مصر فى بيان أصدره عن انزعاجه من تزايد عدد ضحايا فيروس كورونا واعتبر أن هذا «يتطلب المزيد من الإجراءات الاحترازية بمواقع العمل». وأولياء لأمور التلاميذ طالبوا وزير التربية والتعليم بتعليق الدراسة نظرا لتفشى الوباء. ومن جراء الفيروس أعلن عن وفاة رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، وعن إصابة ممثلة مشهورة. وفى الأسابيع القليلة الماضية، أغلقت دور المناسبات من جديد وحُظِرَت سرادقات العزاء والأفراح فى أماكن مغلقة، وأصيب 14 لاعبا من منتخب الشباب لكرة القدم ومديره الفنى بالفيروس، وتوفى رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
الأرقام المعلنة رسميا لا تعبر عن حقيقة عدد الإصابات فى البلاد وهذا ليس بالضرورة لأن السلطات تريد إخفاءها، وهو مفهوم لأن الأعداد المعلنة هى تلك المسجلة فى المستشفيات. ولكن ليس كل من يصاب يلجأ إلى مستشفيات توسلا للعلاج بها، والاختبارات نادرة لا تجرى إلا على من تظهر عليه الأعراض وهى مكلفة لا يقدر عليها المواطن ذو الدخل المتوسط، ناهيك عن رقيق الحال. ظروف تسجيل الإصابات وإجراء الاختبارات ثابتة ولذلك فإن مجرد مقارنة بين الأرقام المعلنة فى سبتمبر الماضى وفى الأسبوع المنصرم تبيّن الحالة الحرجة التى وصلت إليها البلاد. من 115 و119 إصابة فى كل من 28 و30 سبتمبر الماضى على التوالى، وصل عدد الإصابات الجديدة إلى 1021 فى 24 ديسمبر، أى إن عدد المصابين يوميا، أيا كان هذا العدد، قد صار تسعة أمثال ما كان عليه منذ ثلاثة أشهر فقط. هذا معدل مرتفع للغاية لتزايد العدد اليومى للمصابين يهدد بوضع شديد الخطورة إن استمر على ما هو عليه لشهور ثلاثة أخرى، وهو يفسر انزعاج الحكومة واتحاد نقابات العمال وأولياء الأمور.
***
المسئولية عن مواجهة الوباء تضطلع بها اللجنة العليا لإدارة أزمة فيروس كورونا التى يترأسها رئيس مجلس الوزراء، وهى لجنة يبدو نشاطها من تواتر اجتماعاتها ومن القرارات التى تتخذها وتنقلها وسائط الاتصال إلى جمهور المواطنين. غير أن ثمة ملحوظات يمكن إبداؤها بشأن اللجنة وما يصدر عنها من قرارات. يُفهم من متابعة أعمال اللجنة أن وزيرة الصحة عضو فيها، وهو الشىء الطبيعى، وكذلك وزيرة التضامن الاجتماعى التى عرضت فى اجتماع اللجنة فى الأسبوع الماضى نشاط جمعية الهلال الأحمر فى مواجهة الوباء. عندما دعا أولياء أمور إلى تعليق الدراسة قال وزير التربية والتعليم إن القرار ليس قرار الوزارة. لذلك حاول كاتب هذا المقال التعرف على تشكيل اللجنة ولكنه لم يهتد إليه. غريب ألا يكون وزير التربية والتعليم عضوا فى اللجنة. فإن كان عضوا فيها وكان قصده أن الوزارة ليست وحدها من تتخذ القرار فهذا لا يعنى ألا يعرض هو مطالبة أولياء الأمور على اللجنة وأن يدافع عنها بقوة إن رأت الوزارة أن هذه المطالبة وجيهة. بعبارة أخرى، وزير التربية والتعليم يلعب الدور الأكبر فى عملية اتخاذ القرار بشأن تعليق الدراسة من عدمه. غير أن مسألة تشكيل اللجنة لا تتوقف عند ذلك. بيان اتحاد نقابات العمال يجعل المراقب يتساءل عما إذا كان وزير القوى العاملة عضوا فى اللجنة أم لا. قوة العمل معرضةٌ للفيروس وهى التى تشغِّل الاقتصاد، ولذلك فلا بد ّأن يكون الوزير المسئول عنها عضوا فى اللجنة. أو ليست السياحة القطاع الأكثر تأثرا بالوباء؟ يتساءل المرء إن كان وزير السياحة عضوا باللجنة أم لا. التساؤل التالى هو عن طبيعة اللجنة. هل يكفى أن تكون اللجنةُ حكوميةً بينما يضرب الوباء المجتمع برمته والاقتصاد جميعه؟ الحكومة ينبغى أن تعبئ المجتمع وأن تمكِّنه من مواجهة الوباء. سيكون مفيدا أن تتسع عضوية اللجنة لتضم منظمات للمجتمع المدنى مثل نقابات العمال وجمعيات أصحاب العمل كاتحاد الصناعات المصرية واتحاد الغرف التجارية. العمال وأصحاب العمل هم القائمون بالنشاط الاقتصادى وهم المستفيدون به والمضارون من عرقلته، ولذلك فكيف يمكن التصدى لآثار الوباء على النشاط الاقتصادى والتخطيط للتغلب عليها فى غيابهم؟ جمعية الهلال الأحمر يمكن فى إطار اللجنة أن تتحدث عن نفسها على مستوى عملياتها وتدخلاتها مع المواطنين لتترك السياسات للوزارة. منظمات العمل الأهلى الخيرية التى تتصل بالناس وتعرف احتياجاتهم وتقدم لهم المعونة لتلبى قدرا كبيرا أو صغيرا منها يمكن أيضا أن تكون أعضاء مفيدة فى لجنة مجابهة أزمة فيروس كورونا. قد يسأل سائل كيف يمكن لمنظمات المجتمع المدنى أن تكون أطرافا فى اتخاذ قرارات ملزمة؟ الردّ هو أن المهم هو أن تشارك هذه المنظمات فى عملية اتخاذ القرار، وليس أن تكون من متخذى القرار فى المرحلة الأخيرة للعملية. وكما أن للفيروس ولكوفيدــ19، المرض الذى يتسبب فيه، آثارا متشعبةً ومركبة، فإن مجابهته لا بدّ أن تكون هى الأخرى مركبة. إن كانت مشاركة كل هؤلاء الفاعلين ستؤدى إلى لجنة ثقيلة تصعب المداولات فيها، فإنه يمكن تشكيل لجان فرعية تعنى بجوانب الصحة العامة، والنشاط الاقتصادى، والتعليم، والرعاية الاجتماعية، والسياحة، والتعاون الدولى، والتطعيم، والاتصال، والإحصائيات وغيرها.
ثم هل يكفى أو يفى بالغرض المبتغى، وهو حماية المواطنين فى صحتهم وقوت عيشهم، أن تجتمع لجنة فى القاهرة تستعرض الحالة فى 27 محافظة من البحر الأبيض إلى الشلال، ومن سيناء والبحر الأحمر إلى الصحراء الغربية والواحات، مع ما بين هذه المناطق وبين سكان كل منها من اختلافات فى مستوى الدخول والتعليم وفى طبيعة النشاط الاقتصادى وفى البنية الأساسية الطبية وسبل العلاج؟ هذه الاختلافات من شأنها أن تؤدى إلى تباينات فى الإصابة بالفيروس وفى آثاره. ربما كانت هناك لجان على مستوى المناطق أو مستوى المحافظات ولكننا لا نعرف عنها شيئا. فإن لم تكن موجودة فهى لا بدَّ أن تنشأ.
***
من أراد متابعة أعمال لجنة مجابهة أزمة جائحة فيروس «كورونا» سيجد أنها تتخذ قرارات مثل حظر السرادقات والأفراح أو التصريح بها، وتنظيم المعارض الثقافية فى أماكن مفتوحة أو إقامة المؤتمرات بحد أقصى للحضور. ونحن نعلم أن منحا تقررت للعاملين فى القطاع غير المنظم، ولكن المتابع لن يعثر على تصور واضح متكامل لمواجهة الوباء وآثاره الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. مواجهة الوباء مهمة شاقة فى البلدان المصنعة المتقدمة ذات الأنظمة الإحصائية المتطورة، والضمان الاجتماعى الفعال، والاقتصاد الحديث المنظم، فما بالك باقتصاد يغلب عليه الطابع غير المنظم، يفتقر إلى الضمان الاجتماعى الفعال وإلى النظام الإحصائى القدير؟ لأن هذه هى حالتنا فإن وضوح التصور والسياسات التى تندرج فيه ضرورى تماما، حتى وإن لم يكن تعقد السياسات كلها على نفس المستوى. والسياسات الواضحة حيوية لوقف التصاعد الخطير فى انتشار الوباء ثم لعكس اتجاه هذا الانتشار وكذلك لمعالجة آثاره على الصحة العامة والاقتصاد والمجتمع، وتحديدا على حياة المواطنين وعلى تلبية احتياجاتهم المعيشية.
***
الإطار المؤسسى المذكور أعلاه ينبغى أن يحدد السياسات وأن يعلن عنها ليعرف بها المعنيون بها وهم المواطنون، ولكى يمكن للنقاش العام أن يسهم فى تجويد صياغتها وفى حسن تنفيذها. أول السياسات المطلوبة فى الوقت الحاضر هى سياسة اتصال مؤثرة وفعالة ومتوازنة. التهوين من شأن الوباء والقول، كما حدث أحيانا فى أسابيع ماضية، بأننا تغلبنا عليه غير جائز. لا بدّ من استخدام كل وسائط الاتصال ومن اشتراك كل المؤسسات المعنية فى التشديد على الحالة الحرجة التى نمرّ بها، وعلى ضرورة الاحتراز وأن يحمى المواطنون أنفسهم بدون أن يعنى ذلك بث الذعر بينهم من جانب، ومن غير إلقاء اللوم عليهم وعلى ما يدَّعَى عن عدم وعيهم وكأن الحكومة غير مسئولة عنهم وعن تكوينهم لهذا الوعى المنشود، من جانب آخر.
كل مكونات الإطار المؤسسى المذكورة أعلاه عليها أن تصيغ السياسات والإجراءات وأن تنفذها، كل فى مجال اختصاصه وفى مستواه الوظيفى أو الإقليمى. سيتطلب هذا مرونة فى الصياغة والتنفيذ. السياسات الشاملة تتخذ بالطبع على المستوى الوطنى المركزى ولكنها لا بدّ أن تترك مرونة للسياسات التطبيقية ولإجراءات التنفيذ على المستوى الإقليمى. كبعض أمثلة على ما تضطلع به مكونات الإطار المؤسسى اللجنة الفرعية فى مجال الصحة العامة تحديدا سيكون عليها أن تحدد من أين تحصل على المصل وكيف تموله وأولويات استخدامه. اللجنة الفرعية للنشاط الاقتصادى تبحث فى حماية المنشآت وتشغيلها ودعمها وفى حماية العمال والحفاظ على وظائفهم ومستويات أجورهم. اللجنة الفرعية للرعاية الاجتماعية تبحث فى دعم الأسر الفقيرة وفى مساندة العاملين فى القطاع غير المنظم. اللجنة الفرعية للتعليم تبحث فى مواصلة الدراسة أو فى تعليقها وفى الامتحانات والانتقال بين السنوات الدراسية ويحسن أن ينقسم مجال عملها إلى التعليم ما قبل الجامعى والتعليم الجامعى.
مواجهة الوباء المستشرى صارت تتطلب مواجهة مجتمعية شاملة ومرنة ولا مركزية.
المجتمع المصرى قادر على هذه المواجهة إن تَمَكَّنَ من الأدوات اللازمة لها.
أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved