نفوذ الخليج وانقسام واشنطن

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 25 يوليه 2019 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

مع وصول الرئيس دونالد ترامب للحكم فى يناير 2017، دفعت عدة تطورات بالكونجرس لكى يلعب دورا متزايدا فى صنع السياسة الخارجية الأمريكية بصفة عامة. وكانت مبادرات ترامب التى انسحبت واشنطن على إثرها من اتفاقية باريس للمناخ، واتفاقية التجارة الحرة مع دول المحيط الهادى، والاتفاق النووى مع إيران، إضافة لتهديداته المتكررة لحلف شمال الأطلسى بمثابة أجراس إنذار للكونجرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، وبعيدا عن الانتماء الحزبى كى يبدأ فى الاستعداد للتعامل مع رئيس أمريكى مختلف لا يكترث كثيرا بتقاليد عملية صنع السياسية الخارجية، ولا يكترث كذلك باحترام توازن السلطات خاصة دور المؤسسة التشريعية الراسخة فى عملية صنع القرار السياسى الخارجى.
ولم يكن الخليج العربى وقضاياه بعيدا عن دائرة الخلاف بين الكونجرس وإدارة ترامب. ودفعت قضايا الخلافات الخليجية ومقاطعة قطر، إضافة لقضايا تتعلق باستمرار الدعم الأمريكى لحرب التحالف العربى فى اليمن وقضية مقتل الكاتب الصحفى جمال خاشقجى وقضايا المعتقلين السياسيين فى السعودية وأخيرا قضية نقل التكنولوجيا النووية للمملكة السعودية الكونجرس إلى لعب دور متزايد فى صنع السياسة الخارجية الأمريكية خلال سنوات حكم دونالد ترامب. وأصبحت عملية صنع السياسة الخارجية تجاه الخليج بمثابة لعبة بينج بونج بين البيت الأبيض ومجلسى الكونجرس، ولم يختلف الوضع أثناء سيطرة حزب الرئيس الجمهورى على المجلسين حتى يناير 2019، أو مع سيطرة الحزب الديمقراطى على مجلس النواب بدءا من يناير 2019. وجاء التوتر المستمر فى منطقة الخليج بين واشنطن وطهران ليعيد إبراز أهمية المنطقة استراتيجيا وليدفع بالكونجرس لمحاولة كبح سياسات ترامب تجاه هذه المنطقة المهمة لمصالح واشنطن العالمية.
***
من جانبها، أدركت دول الخليج العربية أهمية المؤسسة التشريعية فى عملية صنع السياسة الخارجية، وعلى الرغم من التجاهل الخليجى الطويل للكونجرس، حاولت هذه الدول تأسيس علاقات مؤسسية مع المؤسسة التشريعية الأمريكية.
وتزيد المؤشرات على حدوث شرخ تاريخى خلال العامين الماضيين يتخطى من بعض جوانبه ما مرت به علاقات الدول الخليجية بالمؤسسة التشريعية الأمريكية من أزمات كبيرة خلال العقود الأخيرة. وتعامل الدول الخليجية من جانبها مع مؤسسة الكونجرس خلال عهد ترامب فى محاولات للتأثير على مواقفه من قضايا الشرق الأوسط. بل وتخطت بعض الدول الخليجية قنوات اللوبى وشركات العلاقات العامة والتى أنفقت عليها ملايين كثيرة لتحاول التأثير المباشر فى عملية صنع السياسة بالبيت الأبيض.
من ناحيتها تسمح العاصمة الأمريكية، واشنطن تلك المدينة التى تلعب دورا فريدا مزدوجا فى الشئون العالمية بذلك. فمن ناحية هى العاصمة الأهم فى عالم اليوم، ويحدد موقفها تجاه أزمة أو قضية ما موقف بقية دول العالم باستثناءات قليلة، إلا أنه، وفى الوقت نفسه، تسمح واشنطن وطبيعتها السياسية وإجراءاتها القانونية ببقائها مدينة مفتوحة، يمكن التنافس فيها على التأثير فى الموقف والقرار الأمريكى تجاه قضايا عالمية كثيرة، من خلال شرعنة ظاهرة اللوبى والعلاقات العامة. كما سمح الفصل بين السلطات بانتشار مراكز القوى بين السلطة التنفيذية والكونجرس والقضاء والإعلام بوجود مساحات واسعة للتأثير على عملية صنع السياسة الخارجية، حال فهم طبيعة المدينة وحدود التحرك ومحفزاته داخلها.
وتركت شهادة وزير الخارجية السبق ريكس تيلرسون أمام الكونجرس تفاصيل كثيرة عن جهود شخصنة علاقات بلاده مع الرياض عن طريق استغلال ولى العهد محمد بن سلمان قناة مباشرة ومفتوحة مع صهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنر. وكشف تيلرسون أن زيارات كوشنر المتكررة إلى الشرق الأوسط كانت بدون تنسيق مع وزارة الخارجية، وهذا مثل ارتباكا فى عملية صنع القرار.
***
أوضح تيلرسون أن وزارة الخارجية لم يكن لديها علم بالكثير من سياسات الولايات المتحدة الخارجية خلال فترة خدمته بإدارة ترامب، لأن صهر ترامب كان لديه خطة سرية بدأ فى تنفيذها. حيث كان يعمل بشكل سرى على إنشاء شراكات استراتيجية مع دول أجنبية ويلتقى بقادة دول العالم خارج الهياكل الرسمية للحكومة الأمريكية. ومن ثم لم تكن وزارة الخارجية قادرة على إدارة الدبلوماسية الأمريكية بكفاءة. واستغلت الرياض وغيرها من العواصم العربية هذه الفرصة وحاولت إقناع صهر الرئيس غير الملم بتعقيدات قضايا المنطقة بوجهة نظرها.
وكانت أزمة مقاطعة قطر نموذجا واضحا لتهميش دور وزارة الخارجية، ونموذجا لحجم التغلغل الخليجى فى عملية صنع القرار فى واشنطن. وأكد تيلرسون أنه وفريقه وبالتنسيق مع وزارة الدفاع والمخابرات المركزية قاموا بجهود واسعة لمنع تصاعد التوترات والتحذير والتهديد الشديد من مغبة أى تحرك عسكرى. ولكنه يعترف أنه عمل وهو ليس لديه معلومات كافية عما دار بين البيت الأبيض وعواصم الأزمة الخليجية.
***
تنعم دول الخليج بالأمن والاستقرار بسبب المظلة الأمنية التى توفرها واشنطن من خلالها الحماية لكل دول مجلس التعاون الخليجى. ويدرك خبراء الاستراتيجيات العسكرية أن الدول الصغيرة فى مناطق الاضطراب دوما تخشى من سيناريو اختفائها. وعلى الرغم من ذلك، أنفقت دول الخليج أكثر من 60 مليون دولار خلال عام 2018 طبقا لبيانات وزارة العدل الأمريكية فى محاولات للتأثير فى صنع القرار فى داخل واشنطن.
كاتب صحفى يكتب من واشنطن
الاقتباس
أدركت دول الخليج العربية أهمية المؤسسة التشريعية فى عملية صنع السياسة الخارجية، وعلى الرغم من التجاهل الخليجى الطويل للكونجرس، حاولت هذه الدول تأسيس علاقات مؤسسية مع المؤسسة التشريعية الأمريكية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved