شمعة الشكر

تمارا الرفاعي
تمارا الرفاعي

آخر تحديث: الأربعاء 24 نوفمبر 2021 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

سوف أشترى مقدار حياة كاملة من الصباحات: فكل فجر هو بداية وكل استيقاظة تعنى أننى ما زلت هنا.
سوف أصرف ابتسامات دون حساب، حتى لو أثرت فضول من حولى، فمن هى هذه التى تبتسم دون سبب؟ أن أكون بين الناس هو السبب.
سوف أقف أمام الشباك لحظة تلون السماء وخلعها للباسها الليلى: الأمل هو ذلك النور البرتقالى الذى يقسم السماء نصفين وينتصر على الظلام.
سوف أضع كل شىء جانبا حين تطلب منى طفلتى أن أقرأ لها قصة: لا دقائق أثمن من تلك التى تلتصق فيها الطفلة بى لتستمع إلى قصص عن الأميرات والطيور والسحر.
سوف أستمع إلى صوت فى داخلى يطلب منى أن أستكين اليوم وأتوقف عن التوتر ولو لساعات، هذا هو صوت العقل كم كنت أتجاهله من قبل.
سوف أفكر أكثر بمن هم أقل حظا منى، سوف أركز على كلمة «حظ» فأشكر الكون على ابتسامة الحظ الدائمة حتى حين منعتنى الصعوبات من رؤية ضحكته.
سوف أمعن النظر كل الصباح بالشمس وهى ترتفع ببطء على المدينة فى الخريف: ما زالت الشمس تفرش الحياة بعد سبات كل صباح: أنا بخير.
•••
طلبت من صديقة أن تضىء لى شمعة فى كنيسة المهد علنى أحصل على معجزة فذكرتنى الصديقة أن الشمعة هى للشكر على المعجزات، وما أكثرها من حولى.
رسالة نصية تصلنى من صديق لم أسمع عنه من مدة تذكرنى بصداقات صار عمرها عقودا أعطت لحياتى غنى ولقلبى الكثير من الحكايات.
سوف أحكى الحكايات لابنتى وهى تتعرف على العالم من حولها، سوف أرافقها فى مشوارها وسوف أتقبل أنها قد ترغب فى السير دونى أحيانا.
سوف أراقب كل خط ترسمه الحياة على وجهى وأتقبل أن للوجوه خطوطا تعنى أننى عشت طويلا وعشت كثيرا.
سوف أكتب لوائح لجلسات عشاء كثيرة سأدعو الأصدقاء إليها، فلا شىء يفرحنى مثل التحضير لاستقبال الأصحاب ثم ترتيب المكان بعد مغادرتهم لأقول إننى فعلا محظوظة بمن هم فى حياتى.
سوف أمسك يد زوجى فى كل مرة يتسرب الشك إلى نفسى وسوف يضغط هو عليها مؤكدا أنه ما زال هنا قربى وما زلت أنا معه، معهم، لم أبتعد. هو يبقينى هنا ويسحب شكوكى برفق دون أن يشعرنى بوقعها عليه هو، من يرافقنى فى لائحة قراراتى. هو لا يتردد حين أسأل ولا تظلم عيناه حين أضعف أنا أمام الصعوبات.
فى يوم خريفى بعد سنوات كثيرة، سوف أمشى معه فى مدينة مكتظة عشنا فيها من قبل، هو يتذمر من ضجيجها والتلوث الذى يغلفها والتغييرات التى شوهتها. سوف أسخر من مزاجه وأتهمه بأن فعلا «ختيار» وها هو يتكلم كمن تقدم فى السن ولم يعجبه التغيير، صار يشبه من كنا نعرفهم فى هذه المدينة حين سكناها وكانوا حينها يحدثوننا عن الزمن الجميل.
•••
سوف أشترى أطباقا صغيرة مزخرفة ألوانها زاهية فتكبر مجموعتى وسأقول للجميع إن الأجمل هى الأطباق الفلسطينية التى أشم فيها رائحة زيت الزيتون والزعتر ورائحة الأرض حتى وهى فارغة. ما حاجتك إلى مزيد من الأطباق، تسأل أمى. لا حاجة سوى أن ألوانها تلون بصرى فأفرح كل مرة أمسك فيها بطبق حتى لو لم أضع فيه سوى قطعة من الخبز.
الخبز: سوف أستمر بأكله حتى لو قرر العالم كله أن يتخلى عنه، فأنا أراقب تغير العادات وابتعاد الكثيرين عن الدقيق والخبز وأحلف أننى سأموت وبيدى قطعة من العيش البلدى بحنطته التى تسخر من كل محاولات التغيير: هل تنافس أى رائحة أخرى رائحة العيش؟
سوف أجلس أمام النباتات التى بدأت منذ سنة الاهتمام بها وأنا لست ممن أياديهم خضراء، لذا فأنا أراقب أوراق النباتات كل صباح وأستغرب أنها تتمايل بدلال رغم عدم كفء أمها، أى أنا. يا لجمال اللون الأخضر فى البيت: لون التمسك بالحياة.
•••
لائحة الشكر هذه ستبقى معى لمدة عام، أخرجها من جيبى كل صباح لأتذكر أننى شديدة الامتنان للحياة والكون وأننى سوف أتوقف عند التفاصيل التى تضحكنى وتبكينى معا. سوف أضىء شمعة الشكر على ما أخذته من الدنيا حتى الآن وأعتذر إن كنت أخذت بعضا مما لم يحصل عليه غيرى. وسوف أشاطر غيرى بعض ما عندى، فكما يقولون «إن دامت لغيرك فلن تصل إليك». بعد سنة سوف أزيد على لائحتى ما يحتاج لشكر إضافى.
سوف أبقى شمعة الشكر أمامى لتطرد السواد حين يحاول أن يطوق على رقبتى: سوف أنظر إلى الشعلة وليس إلى الظلام من حولها فهى ستدلنى على القلوب المفتوحة لاستقبالى، وما أكثرها.
أضىء إذا شمعة شكر للقلوب من حولى، شكر لكمية الحب التى تحيط بى ولكمية الدفء الذى يطرد عنى الخوف. سوف أضىء شمعة الشكر كل عام حتى تملأ الخطوط وجهى وترتعش يدى وسوف أحكى لمن حولى يومها كيف ذكرتنى صديقة أن الشمعة هى للشكر على المعجزات التى حصلت وليس لطلب المزيد منها.
كاتبة سورية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved