فـوائض ونـواقص المصريين

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 19 أغسطس 2015 - 10:25 ص بتوقيت القاهرة

الطبيعة تبرز سوءات المجتمعات، وتعرى قدراتها، وتكشفها أمام نفسها، وتوضح إلى أى حد بلغت على درب التقدم، الذى هو فى جوهره رفاهية الإنسان. فى زمن الحر القاتل الذى ضرب مجتمعنا، وكثافة البشر التى تفوق الحد، والازدحام الخانق، يصبح من الملائم أن نتوقف قليلا أمام الفوائض والنواقص فى حياة المصريين، والتى أظهرها قسوة المناخ، وكشف عوارها، ولم يعد من الممكن أن نداريها.

الملفت أن الفائض فى السلب، والناقص فى الايجاب، وهو أزمة المجتمع.

الفوائض السلبية كثيرة: هناك فائض فى السكان، وفائض فى العنف فى المجتمع، وفائض فى الجريمة، وفائض فى القضايا المنظورة أمام القضاء، هناك فائض بشرى فى أماكن الاحتجاز والسجون، وفائض فى كثافة المدرجات الجامعية والفصول الدراسية، وفائض زحام فى المواصلات العامة، وفائض فى موظفين الحكومة فى المؤسسات العامة، وفائض فى البطالة، فائض فى خريجى الجامعات من كليات نظرية ليس عليها طلب فى سوق العمل، مما يجعل العرض «تكرارى» أى ذات البشر، بنفس المؤهل، بينما تغيب التخصصات الدقيقة، والعمالة الماهرة ذات التخصص المطلوب، وهناك فائض بشرى فى الريف، لا يبقى هناك مستقرا ومنتجا، بل يشكل عمالة فى المدن المصرية، والسفر إلى الخارج سواء فى دول الخليج أو أوروبا، أحيانا عن طريق الهجرة غير الشرعية، وهناك فائض فى «الشكل الدينى» على حساب المضمون الإنسانى والاخلاقى والروحى.

النواقص فى الايجابيات كثيرة: هناك نقص فى تطبيق القانون، ونقص فى احترام حقوق وحريات الإنسان، ونقص فى مشاركة المواطنين فى الحياة العامة سواء فى عضوية منظمات المجتمع المدنى أو المشاركة فى المشروعات التنموية، هناك نقص فى الكفاءات التى تشغل المواقع العامة، يرافقها نقص فى مستوى التعليم إلى الحد الذى أفقد العنصر البشرى المصرى أى قدرة تنافسية فى سوق العمل إقليميا ودوليا وأحيانا محليا، هناك نقص فى آداب وجودة لغة الخطاب، وهناك نقص فى الاخلاق العامة التى يمكن أن تشكل أساسا لبناء المجتمع الحديث مثل الشعور بالثقة، والتعاون، واحترام الوقت، وكفاءة الانجاز، ودقة العمل، وهناك نقص فى «الرؤية» تجاه المستقبل، وغلبة الشعور المفرط بالإحباط والتواكل.

حتى نتقدم ينبغى أن تتحول الفوائض إلى نواقص، وتتحول النواقص إلى فوائض. هذه باختصار معادلة التنمية والتقدم فى المجتمع الحديث، أن يكون لديه فائض فى الكفاءة، والانجاز، والثقة بين المواطنين، والحريات، والديمقراطية، والمشاركة المجتمعية، والاخلاق العامة، وأن يسعى للتغلب على نواقصه فى العنف، والجريمة، وتقل الكثافة البشرية فى الأماكن العامة حتى تصير أكثر لياقة، وكفاءة، وقدرة على الاستيعاب، وتقديم الخدمات بشكل أفضل.

التنمية هى علاقة «فوائض» و«نواقص»، كلما زادت كفة الميزان من الفوائض خطى المجتمع خطوات على درب التنمية، وكلما فاضت نواقصه وطغت على فوائضه كان ذلك تعبيرا عن تراجع خطواته، وتعثره، واندفاعه على طريق التخلف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved