لسنا بحاجة إلى مجموعة السبع

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: السبت 19 يونيو 2021 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع بروجيكت سينديكيت مقالا للكاتب جيفرى ساكس يرى فيه أن انعقاد قمة مجموعة السبع كان إهدارا للموارد، وكان من الأفضل عقده عبر تطبيق زووم، فالاجتماع لم يكن مثمرا بالإضافة إلى أن هذه القمة لم تعد تمثل العالم.. نعرض منه ما يلى.

لم تكن قمة مجموعة السبع الأخيرة سوى إهدار للموارد. وإن كان لا مفر من عقدها، فقد كان من الواجب أن تُجرى عبر الإنترنت، توفيرا للوقت، والتكاليف اللوجستية، والانبعاثات الغازية التى تطلقها الطائرات. الأهم من ذلك، ينبغى لنا أن ندرك أن مؤتمرات قمة مجموعة السبع تتنافى مع روح هذا العصر. وحرى بالقادة السياسيين أن يتوقفوا عن تكريس طاقتهم للاستمرار فى ممارسة لا تمثل الاقتصاد العالمى اليوم، وينتج عنها انفصال شبه تام بين الأهداف المعلنة والوسائل المعتمدة لتحقيقها.
لم تُحقق قمة مجموعة السبع شيئا لم يكن من الممكن تحقيقه بتكلفة أقل بكثير، وعلى نحو أكثر سهولة وروتينية بواسطة تطبيق زووم للتواصل. على سبيل المثال، كان الاجتماع الدبلوماسى الأكثر فائدة هذا العام هو اجتماع الرئيس جو بايدن عبر الإنترنت مع 40 من قادة العالم فى أبريل لمناقشة تغير المناخ. والحق أن الاجتماعات الدولية الروتينية عبر الإنترنت من قبل السياسيين، والبرلمانيين، والعلماء، والناشطين تُعد ممارسة مهمة. فهى تسهم فى تطبيع فكرة المناقشات الدولية.
لكن لماذا يجب أن تحدث هذه المناقشات داخل مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، التى حلت محلها مجموعة العشرين؟ عندما بدأت دول مجموعة السبع (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة) عقد اجتماعات قمتها السنوية فى السبعينيات، كانت لا تزال تلك الدول تهيمن على الاقتصاد العالمى. ففى عام 1980، شكلت مجتمعة 51٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمى (مقيسة بالأسعار الدولية)، فى حين شكلت البلدان النامية فى آسيا 8.8٪ فقط. لكن فى عام 2021، لا تنتج دول مجموعة السبع سوى 31٪ فقط من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، بينما تنتج الدول الآسيوية ذاتها 32.9٪.
تمثل مجموعة العشرين، بضمها الصين والهند وإندونيسيا ودول نامية كبيرة أخرى، نحو 81٪ من الناتج العالمى، وتوازن بين مصالح الاقتصادات ذات الدخل المرتفع والاقتصادات النامية المشاركة فيها. وهى ليست مثالية، لأنها تستبعد البلدان الأصغر والأفقر، وينبغى أن تضم الاتحاد الأفريقى عضوا فيها، لكنها تقدم على الأقل صيغة مثمرة لمناقشة موضوعات عالمية تغطى معظم الاقتصاد العالمى. فى الواقع، بإمكان القمة السنوية بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة أن تحقق الكثير مما هدفت مجموعة السبع فى الأساس إلى تحقيقه.
•••
فقدت مجموعة السبع أهميتها بشكل خاص لأن قادتها لا يوفون بوعودهم. فهم يحبون الإدلاء ببيانات رمزية، ولا يهتمون بحل المشكلات. والأسوأ من ذلك، أنها تعطى إيحاء بأنها تقدم حلولا لمشكلات عالمية، بينما فى الواقع، تتركها لكى تتفاقم. ولم تكن قمة هذا العام مختلفة عن سابقاتها.
لنتناول على سبيل المثال مسألة لقاحات مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيدــ19). حيث حدد قادة مجموعة السبع هدفا يتمثل فى تطعيم 60٪ على الأقل من سكان العالم. كما تعهدوا بالمساهمة بـ 870 مليون جرعة مباشرة خلال العام المقبل، وهو ما يعنى على الأرجح توفير ما يكفى لتحصين 435 مليون فرد بالكامل (بواقع جرعتين لكل فرد). لكن 60٪ من سكان العالم يعنى ما يصل إلى 4.7 مليار شخص، أو ما يقرب من عشرة أضعاف هذا العدد.
لم يقدم قادة مجموعة السبع أى خطة لتحقيق هدفهم المعلن فيما يتعلق بالتغطية العالمية، وفى الواقع، لم يطوروا خطة من الأساس، على الرغم من سهولة تحقيق ذلك. حيث إن تقدير الإنتاج الشهرى لكل لقاح من لقاحات كوفيدــ19 عملية واضحة ومباشرة، وتخصيص هذه الجرعات على نحو عادل وفعال لجميع البلدان أمر ممكن تماما.

أحد أسباب عدم تطوير مثل هذه الخطة حتى الآن هو أن حكومة الولايات المتحدة ترفض الجلوس مع قادة روسيا والصين لوضع استراتيجية لمثل هذا التوزيع العالمى. وثمة سبب آخر يتمثل فى أن حكومات مجموعة السبع سمحت لمصانع إنتاج اللقاحات بالتفاوض سرا، بدلا من أن تكون مثل هذه المفاوضات جزءا من خطة عالمية. وربما يكمن السبب الثالث فى أن مجموعة السبع نظرت فى الأهداف العالمية دون التفكير بجدية كافية فى احتياجات كل دولة متلقية.
أضف إلى ذلك مسألة تغير المناخ، والتى تعد مثالا آخر على وعود مجموعة السبع الزائفة. فى القمة الأخيرة، تبنى زعماء مجموعة السبع هدف إزالة الكربون العالمى بحلول عام 2050، ودعوا الدول النامية إلى السعى لتحقيق هذا الهدف أيضا. لكن بدلا من وضع خطة تمويل تُمكن البلدان النامية من تحقيق هذا الهدف، أكدوا مجددا على تعهد مالى وُضع لأول مرة فى عام 2009 ولم يوف به مطلقا. حيث جاء فى بيانهم الرسمى: «ونؤكد من جديد على الهدف الجماعى للبلدان النامية، الذى ينص على تضافرها معا لجمع 100 مليار دولار أميركى سنويا من الموارد العامة والخاصة بحلول عام 2025، وذلك فى سياق إجراءات التخفيف الهادفة وتعزيز الشفافية فى التنفيذ».
من الصعب أن نبالغ فى مدى عبثية هذا التعهد المتكرر. حتى الآن، لم تلتزم الدول الغنية بالموعد النهائى المحدد لها، عام 2020، لتقديم 100 مليار دولار أمريكى سنويا ــ أى ما يعادل 0.2٪ فقط من الناتج المحلى الإجمالى السنوى لهذه البلدان ــ وهو ما وعدت به منذ فترة طويلة. فى الواقع، الـ 100 مليار دولار التى وعدت بها هى فى حد ذاتها جزء ضئيل مما تحتاج إليه البلدان النامية لإزالة الكربون والتكيف مع تغير المناخ.
علاوة على ذلك، تظهر الفجوة بين الأهداف المتصاعدة لمجموعة السبع ووسائلها الهزيلة فى سياق التعليم أيضا. حيث يفتقر مئات الملايين من الأطفال فى البلدان الفقيرة إلى التعليم الابتدائى والثانوى، لأن حكومات هذه البلدان لا تمتلك الموارد المالية الكافية لتوفير المعلمين والمعلمات، والفصول الدراسية، ومستلزمات التعليم. فى عام 2020، قدرت منظمة اليونسكو أن البلدان المنخفضة الدخل، والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى، تحتاج إلى حوالى 504 مليارات دولار سنويا حتى عام 2030 لضمان إكمال جميع الأطفال مرحلة التعليم الثانوى، ولكنها تمتلك نحو 356 مليار دولار فقط من مواردها المحلية الخاصة، ما يسفر عن وجود فجوة تمويلية تقدر بحوالى 148 مليار دولار فى السنة.
إذن، ما الذى تقترحه مجموعة السبع فى بيان هذا العام؟ يقترح القادة «هدفا يتمثل فى ضم 40 مليون فتاة إلى نطاق التعليم، وتخصيص ما لا يقل عن 2.75 مليار دولار للشراكة العالمية من أجل التعليم». هذه ليست أرقاما حقيقية. هذه أرقام أتت من الفراغ، وستترك مئات الملايين من الأطفال خارج نطاق التعليم، على الرغم من الالتزام الراسخ لدول العالم (المنصوص عليه فى الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة) بتعميم التعليم الثانوى. وعلى الرغم من وجود حلول واسعة النطاق ــ مثل جمع تمويل منخفض الفائدة من بنوك التنمية متعددة الأطراف ــ إلا أن قادة مجموعة السبع لم يقترحوا مثل هذه الحلول.
•••
باختصار، مشاكل هذا العالم ملحة للغاية بدرجة لا تسمح بأن نتركها لمواقف ظاهرية فارغة، وتدابير لا تمثل سوى قشور مما هو مطلوب لتحقيق الأهداف المعلنة. إذا كانت السياسة مجرد رياضة للمشاهدة، يستند الحكم فيها إلى مدى براعة السياسيين فى خطف الأضواء، فربما تجد قمة مجموعة السبع دورا تلعبه. لكننا بصدد احتياجات عالمية ملحة: القضاء على الجائحة، وإزالة الكربون من نظام الطاقة، وإلحاق الأطفال بالمدارس، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أخيرا، إليكم توصياتى: تقليل الاجتماعات المباشرة، وبذل مجهود أكثر جدية للجمع بين الوسائل والغايات، وعقد المزيد من اجتماعات «زووم» الروتينية لمناقشة ما يجب فعله حقا، وزيادة الاعتماد على مجموعة العشرين (بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي) باعتبارها المجموعة التى يمكنها إنجاز المهام بالفعل. فنحن بحاجة إلى وجود آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية على الطاولة من أجل الوصول إلى حل حقيقى لأى مشكلة عالمية.
النص الأصلى هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved