وداعًا فنان «البورتريه» الكبير عصام عزوز

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: السبت 19 فبراير 2022 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

فى هدوءٍ وطمأنينة، وزهدٍ فى الأضواء والشهرة؛ رحل عن عالمنا الفنان الكبير والقدير عصام عزوز (1953ــ2022) أحد أبرع وأهم وأكبر فنانينا التشكيليين، فى العقود الأربعة الأخيرة.

عصام عزوز الذى عاش حياته مغتربا مرتحلا، ينثر فنه وألوانه، وتصميماته وبورتريهاته، فى مصر وربوع العالم العربى، ويملأ الدنيا إبداعا وبهجة وأعمالا لا تنسى، رحل أخيرا عن 69 عاما بمدينة أونتاريو بكندا؛ مهجره الذى اختاره هو وأسرته مستقرا منذ ما يزيد على العقدين. سنوات طويلة من الخبرة الفنية العملية تتجاوز 40 سنة، عمل خلالها فى مجالاتٍ متعددة من الفنـون الجميلة؛ كالرسم والتصميم، والإخراج الفنى للعديد من الصحف والمجلات، مع تميزه بجودة ورقى أعماله الفنية البديعة.

ترك عصام عزوز أعمالا تشهد بموهبته الجبارة، وقدراته الفنية العالية، وقد أسهم بنصيب وافر فى كل مجالات وفنون التشكيل المعاصر؛ اللوحة، البورتريه الذى برع فيه براعة خاصة وأصبح علما رائدا فى رسمه وتكوينه، تصميم الأغلفة، تصميم الديكورات، وغيرها من مجالات وفنون التصميم والرسم، كل ذلك فضلا على براعته فى فن الكاريكاتير الذى قدم فيه أعمالا رائعة فى بيته الأول جريدة (الأهرام).

 

ــ 2 ــ

ولعل أشهر ما قدمه عصام عزوز على مدى رحلته الفنية الزاخرة بالإبداع والأعمال، مشروعه الفنى المبدع «وجوه مصرية» و«نجوم أسعدونا» الذى أراد من خلاله أن يؤرخ فنيا بالريشة واللون لأعلام مصر الكبار وأبنائها المتميزين فى كل المجالات؛ أدباء وشعراء ومفكرين وعلماء وفنانين.. وقدَّم فى ذلك عشرات البورتريهات الرائعة الناطقة بملامح العبقرية والإنسانية والإبداع، ليضع اسمه جنبا إلى جنب مع أشهر من قدموا هذا اللون من التشكيل فى تاريخنا الفنى المعاصر؛ مع جمال قطب ومحمد أبوطالب، وغيرهما، ممن برعوا فى رسم البورتريه الشخصى، وأصبحت بورتريهاتهم أيقونات فنية وثقافية وإبداعية نالت حظوظها من الانتشار والرواج، بل أصبح بعضها هو العلامة الأيقونية الراسخة لصاحب هذه الشخصية أو تلك.

من أشهر البورتريهات التى رسمها عصام عزوز، وانتشرت كالنار فى الهشيم على السوشيال ميديا، وأصبحت هى الصورة الرسمية أو «البورتريه» الأشهر لصاحبها؛ السير العبقرى طبيب القلوب مجدى يعقوب، والفنان أبو ضحكة جنان إسماعيل ياسين، وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، والضاحك الباكى الشاعر الكبير كامل الشناوى، وأبو المسرح العربى توفيق الحكيم، وعبقرى الرواية العربية نجيب محفوظ، والحكاء الساحر خيرى شلبى.. وعشرات البورتريهات الأخرى.

فى سنواته الأخيرة؛ وعبر صفحته الشخصية التى مثلت واحة فنية وجمالية غير مسبوقة، اجتذب عصام عزوز آلاف المتابعين لفنه ورسوماته وأعماله التى بدأ ينشرها بانتظام وكثافة خلال الفترة من 2012 وحتى توقفه بسبب مرضه فى 2019. ولعل هذه الفترة من أخصب فتراته الإنسانية والفنية، بعدما شعر بالاستجابة العالية لأعماله عقب نشرها على «فيسبوك»، وأتصور أن ذلك قد خفَف بدرجةٍ ما إحساسا دفينا بالمرارة والإحباط والظلم الذى طاله، والتجاهل أيضا من نشطاء الحركة الفنية والتشكيلية فى مصر. وقد راعنى ألا أجد مادة واحدة عن الرجل، ولا مقالا واحدا يحلل أعماله، وقد ملأ الدنيا بهجة وفنا ورسومات رائقة ورائعة.

 

ــ 3 ــ

استهل عصام عزوز حياته الفنية مصمِما لديكورات المسرح، مع فرقة «الفنانين المصريين» التى كان يقودها المؤلف حسام حازم، ولقد أضافت هذه التجربة المهنية خبرة فنية مختلفة من خلال العمل مع نجوم ورواد المسرح فى مصر وذلك خلال الفترة من أواخر عام 1973 وحتى يوليو 1982. من أشهر المسرحيات التى قام بتصميم أو تنفيذ ديكوراتها: «لك يوم يا زوربا» من بطولة هالة فاخر ووحيد سيف، ومسرحية «ربع دستة أشرار» بطولة ليلى طاهر، وشريهان، ومسرحية «الراجل يقول لأ» بطولة سعيد عبدالغنى، وفريدة سيف النصر، كما قام بتصميم الديكورات وملصقات الدعاية الفنية لمسرحية «باى باى كنبورا» التى عرضت على مسرح الموسيقى العربية، وكانت من بطولة سيد زيان، ورجاء حسين، وسعيد عبدالغنى، وتيسير فهمى، ومن إخراج عوض محمد عوض.

استطاع الفنان عصام عزوز أن يجمع بين خبرات فنية مختلفة، وشارك فى العديد من المعارض الناجحة، وقام بتصميم العديد من أغلفة المجلات والكتب لكبار الكتاب حول العالم العربى. كل ذلك بالإضافة إلى عمله بالصحافة، حيث أضفت كل تلك الخبرات المتنوعة والفريدة طابعا خاصا له أبعاد جديدة على أعماله الفنية.

يمكن القول إن تجربة الفنان الكبير والقدير عصام عزوز تجرية متكاملة وغنية بالخبرات والمهارات الفنية؛ حيث كان من مهامه تصميم وتنفيذ أفيشات المسرح، وإعلانات الشوارع، بالإضافة إلى الإعلانات الخاصة بالصحف والمجلات، وقد أثبت جدارته وتميزه من خلال نجاحه فى إنجاز كل ذلك بنفس الدرجة من المهارة والحرفية والجودة والإبداع الرفيع.

 

ــ 4 ــ

كان ــ رحمه الله ــ حالة إنسانية وفنية خاصة جدا؛ وقد لفتنى من خلال مواقفه وحواراته (على ندرتها) أنه كان شديد الاعتداد بفنه ورسوماته، ولا يقبل أن يبتذل فنه وأعماله أبدا، وقد صرح بأنه لا يتقاضى أجرا أو مقابلا عن بورتريهاته، وقد كان موقفه قاطعا فى هذه المسألة؛ كان يرى أن الفنان مبدع من طراز فريد وخاص، وأن أعماله ولوحاته هى التى تعبِر وتتحدث عنه، يجب أن تنظَم المعارض الفنية المحترمة لتداولها وبيعها بالشكل الذى يحفظ كرامة الفنان، ويتيح له أن يبدع ويمارس فنه فى جو من الهدوء والاستقرار.

ربطتنى بالفنان عصام عزوز علاقة أبوة وصداقة قديمة وعميقة، وعقب انضمامه للسوشيال ميديا جرَت بيننا مراسلات عديدة، كان فيها إنسانا ودودا، وفنانا كبيرا وقديرا، وصاحب ذائقة عالية وحساسية مرهفة. كنت أتمنى أن أحظى برؤيته والحديث إليه، لكن الأجل كان أسبق.. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved