نعم للدستور .. ولا مفر منها

سيد قاسم المصري
سيد قاسم المصري

آخر تحديث: الأربعاء 18 ديسمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

دستور 2013 سيدخل التاريخ باعتباره الدستور الذى تجرعه المصريون خوفا مما هو أمرّ، والعيب الأساسى الذى تنبع منه كل العيوب هو فى تشكيل اللجنة التى وضعته؛ فقد جاءت ممثلة لتوازنات القوى وجماعات الضغط مما جعل الإطار الذى تم فيه وضع الدستور هو إطار المساومات، وهكذا تم إنتاج وثيقة سياسية قائمة على الحلول الوسط وليس عقدا اجتماعيا مؤسسا على التوافق.

ومن الآن حتى يوم الاستفتاء ستعقد الندوات وتدار النقاشات حول مواد الدستور وسيتم تسليط الضوء على المثالب وما أكثرها وعلى المزايا أيضا إلا أنه فى نهاية المطاف فليس أمامنا سوى خيار واحد وهو التصويت بنعم وبأغلبية مقنعة؛ لأن مصر فى أمسِّ الحاجة إلى الاستقرار ولأن الدساتير تأتى وتذهب ولكن الأوطان إذا ذهبت فلن تعود إلا بعد حين من الدهر تغرق فيه البلاد فى متاهة من الفوضى والانقسامات والنزاعات المدمرة ــ وقانا الله شر ذلك اليوم.

•••

ونصيحتى للشباب الثائر الذى شعر بجرح عميق لتجاهل تضحياته الجسام وفقدان الحساسية فى تعامل الحكومة ولجنة الخمسين مع الأهداف التى خرج الشباب من أجلها وضحى فى سبيلها بالدماء والعيون والجروح. والقوانين التى تكبح الحريات والمواد الدستورية التى تجيز محاكمة المدنيين عسكريا والتى تحصن منصب وزير الدفاع.. إلخ. أقول لهؤلاء الشباب ذوى النقاء الكثير والخبرة القليلة، إنكم قدمتم ما قدمتم من أجل مصر وعليكم الآن أن تجلسوا وتتفكروا وتختاروا من أجل مصر أيضا.. عليكم أن تقارنوا وتطرحوا البدائل والعواقب بكل وضوح وبحسابات عقلية وعملية. ما هى عواقب نعم وما هى عواقب لا وما هى عواقب المقاطعة.

من المؤكد أن «لا» ستؤسس للفاشية الدينية بأسلوب أكثر شراسة مما مضى.. وستسقط ثورة 30 يونيو وتمزق تحالفه وستلقى بمصر فى أتون نزاع تتضاءل معه الأوضاع فى سوريا. فدعونا نعبر هذا المفترق التاريخى الخطير بسلام.. حتى تنطلق عجلة الاستثمار والبناء. ولا يعنى ذلك أننا سنتوقف عن السعى الحثيث بكل الوسائل السلمية من أجل تحقيق أهداف الثورة وتعديل أو إلغاء القوانين المقيدة للحريات وتعديل المواد الخلافية فى الدستور.. ولكن كل ذلك بعد أن نكون قد رفعنا القواعد من البيت المصرى واستقر بنا الحال وقلنا بُعدًا للقوم الظالمين.

•••

يطفو على سطح ذاكرتى الآن موقف جدير بالتسجيل.. ففى منتصف الستينيات من القرن الماضى كنا مجموعة من شباب الدبلوماسيين تعمل فى بعثة مصر لدى الأمم المتحدة فى نيويورك، وعلى إثر هزيمة عام 1967 تقدمت دول أمريكا اللاتينية بمشروع قرار يدعو إلى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضى المحتلة مقابل شيء واحد فقط: هو إنهاء حالة الحرب.. واختار العرب الرفض بعاطفتهم وليس بعقولهم وقرروا الحشد للتصويت بـ«لا».. وما إن سقط القرار حتى دوت القاعة بالتصفيق.. تصفيق العرب طبعا وحلفائهم وكنا نحن الشباب نلتهب حماسة ونحن نصفق حتى كدنا ندمى أكفنا.

ولكن ما خرجنا به فى ذلك اليوم من شهر يونيو عام 1967 هو التصفيق وبهجة «الانتصار» الزائف ولم تمض سوى أربعة شهور حتى أصدر مجلس الأمن قراره الشهير 242 ذا الفقرة الشهيرة «الانسحاب من أراض وليس الأراضى» بالإضافة إلى التزامات أخرى كثيرة لم تكن موجودة فى المشروع اللاتينى.

•••

أذكر أن الدول العربية ذهبت إلى المجموعة اللاتينية تستجديها إعادة تقديم مشروعها القديم الذى رفضناه فى يونيو، ولكن هيهات لقد فات الأوان وهو ما أوقعنا فى تلابيب قرار 242 التى لم نخرج منها حتى اليوم.

كان ذلك نتيجة للاختبار العاطفى والذى آمل أن يكون شبابنا اليوم أكثر نضجا مما كنا نحن عليه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved