انعكاسات معركة حلب على استمرار الحرب فى سوريا

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الجمعة 16 ديسمبر 2016 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

توشك معركة السيطرة على حلب، ثانى أكبر المدن السورية، على الانتهاء بانتصار قوات الأسد المدعومة من الائتلاف المؤيد لها، أى روسيا وإيران وحزب الله وقوات شيعية تقودها إيران. ويسود القوات المعارضة للأسد شعور «بالخيانة الكبرى» نتيجة الحصار والتجويع وقصف الأحياء السكنية، وقتل المدنيين الأبرياء، واستخدام قنابل الكلور ضد التجمعات السكانية، والعالم صامت. جميع الذين وعدوا بإحداث تغيير فى سوريا لم يصمدوا عندما حانت ساعة الامتحان؛ الولايات المتحدة التى تعهدت بالتوصل إلى حل سياسى ينهى حكم الأسد لم تحرك إصبعا، والقوى السنية الأساسية فى المنطقة مثل السعودية وتركيا ــ اللتين التزمتا مساعدة الأكثرية السنية فى الوصول إلى السلطة ــ لم تفعلا شيئا لوقف القتال الذى خاضته روسيا وإيران من أجل إنقاذ الحكم العلوى بزعامة الأسد؛ والمجتمع الدولى الذى تخلى عن الشعب السورى ولم يوقف سفك الدماء الذى حصد قرابة نصف مليون قتيل حتى الآن ولم يمنع هذه الكارثة الإنسانية الهائلة.

لكن الذى برز بصورة أساسية هو فشل سياسة الولايات المتحدة فى سوريا. ففى الوقت الذى كان فيه وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى يتحدث مع وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف فى محاولة للتوصل إلى حل، كانت الطائرات الروسية ومدافع الأسد تقصف المنطقة المحاصرة وتصيب المدنيين عشوائيا. لقد اختارت الولايات المتحدة تقليص تدخلها فى سوريا ولم تشأ الغرق فى مغامرة عسكرية جديدة فى الشرق الأوسط تفرض عليها إرسال قوات برية، وتركت الأمور عندما خاب أملها من عدم قدرة المعارضة المعتدلة على توحيد صفوفها.
لكن سقوط حلب فى يد الأسد هو أيضا دليل على فشل القوى العظمى السنية الإقليمية. فقد افتقرت تركيا بسبب المواقف المتقلبة للرئيس أردوغان إلى سياسة ثابتة باستثناء الوقوف فى وجه مسعى الأكراد السوريين فى توسيع المنطقة التى يسيطرون عليها وتشكيل نوع من الحكم الذاتى. فى هذه الأثناء أهملت تركيا سائر تنظيمات المتمردين السنة خاصة تلك التى تنتمى إلى الجيش السورى الحر خلال الاختبار الكبير الذى عاشته فى القتال على حلب.

أما بالنسبة إلى السعودية فهى لم تنجح فى إقامة ممر آمن وثابت لنقل المساعدات والعتاد العسكرى للمتمردين. وحتى المعارضة السورية فشلت فشلا ذريعا لأنها لم تنجح فى بلورة قيادة وفى توحيد قواتها المقاتلة وفى إيقاظ العالم لإنقاذ الشعب السورى الذى يعانى.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول إن سقوط حلب سيعمق الثغرات والخلافات داخل مجموعات المتمردين، وبينهم وبين قيادة المعارضة السياسية. لم تنجح قوات المتمردين فى تشكيل إطار قيادة مشتركة فى القتال. وهنا يطرح السؤال: ما هى الأهداف التى ستضعها المعارضة لنفسها؟ هل سيتبنون النموذج الأفغانى مع قوى منتشرة ومتحركة تعرقل كل إمكانية لإقامة نظام مستقر وطبيعى فى سوريا؟ نرى على الأرض دلائل تشير إلى أن المتمردين يخططون للمرحلة المقبلة من ثورتهم المستمرة.

***
على الجانب الآخر، لا يرى الأسد فى الانتصار فى حلب نهاية صراعه دفاعا عن بقائه، فهو كما صرَّح فى مقابلة أجرتها معه صحيفة «الوطن» السورية؛ إن السيطرة على حلب هى بمثابة أخذ الأوراق من يد المتمردين ومؤيديهم لكن هذا لا يشكل نهاية الحرب ضد الإرهابيين.
إن تحرير حلب يعزز سيطرة الأسد على «العمود الفقرى» فى سوريا الذى يمتد من حلب مرورا بحماة وحمص وصولا إلى دمشق، بما فى ذلك الشريط العلوى فى منطقة الساحل الغربى.

وقد استنفدت روسيا التكتيك الذى طبع نشاطها فى سوريا منذ سبتمبر 2015، أى استخدام قوة عسكرية مكثفة ووحشية حتى ضد المدنيين من دون رحمة، وتسجيل بعض الوقائع على الأرض من أجل الوصول إلى طاولة المفاوضات من موقع قوة. ومن أجل زيادة الضغط على المتمردين منعت روسيا صدور قرار فى مجلس الأمن لوقف النار فى حلب لأهداف إنسانية. وبموازاة المعارك تجرى روسيا محادثات سرية فى إسطنبول مع ممثلى المتمردين كى تفرض عليهم شروطها. ومن الموضوعات الجوهرية قطع المتمردون أى اتصال لهم مع تنظيم جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا التى تنتمى إلى القاعدة). وتعهد موفدو روسيا أمام مجموعات المتمردين الذين لا ينتمون إلى جبهة فتح الشام الخروج الآمن إلى منطقة إدلب. لكن من المنطقى افتراض أن المتمردين يدركون أن مستقبل إدلب لا يختلف عن حلب، وأن التحالف المؤيد للأسد سيقوم بسحقهم هناك أيضا. وفى اللقاءات مع المتمردين تهتم روسيا بالمرحلة المقبلة وبمسألة كيفية السماح بتحرك مئات المجموعات المحلية من دون زعزعة الحكم المركزى. ولهذا الغرض تجرى محادثات مع زعامات محلية وفى الوقت نفسه تسعى إلى التوصل إلى تفاهمات مع المتمردين فى جنوب سوريا انطلاقا من مبدأ أنهم إذا تخلوا عن سلاحهم فلن يصيبهم ضرر.

يبذل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين كل ما فى وسعه من أجل إنهاء المعركة فى حلب قبل دخول الرئيس الأمريكى المنتخب الجديد «دونالد ترامب» إلى البيت الأبيض ومن أجل تعزيز سيطرة الأسد فى المناطق الحيوية بالنسبة لروسيا وجعلها مسألة منتهية. وفى الواقع يتعين على الرئيس الأمريكى الجديد أن يقرر ما إذا كان سيواصل السياسة الحالية وعدم القيام بشىء، أم سيغير توجهه مثل:

1 ــ عقد حلف مع روسيا بناء على فكرة محاربة تنظيم داعش والإرهاب. ويبدو أن ترامب يتجه نحو هذا الاتجاه؛ فقد سبق أن ألمح إلى أنه مستعد لأن يعطى بوتين«بطاقة سورية».

2 ــ دعم نظام الأسد وقواته وإعلانه كمنتصر فى الحرب على الإرهاب السلفى ــ الجهادى. ومثل هذه الإمكانية واردة إذا تعهد الأسد بالامتناع عن القيام بعمليات تطهير للمعارضين له وضم الجيش السورى الحر إلى القوى السياسية.

3 ــ بالنسبة إلى المساعدة العسكرية، سيكون على ترامب أن يقرر ما إذا كان سيتوقف عن مساعدة نحو 80 تنظيما من تنظيمات المتمردين قامت الـ«سى آى إيه» بتدريبهم (نحو 50 ألف مقاتل)، وحصلوا على سلاح ولم يعطوا النتائج المطلوبة. فما الذى سيحدث لهؤلاء المقاتلين إذا قرر وقف المساعدة أو تقليصها بصورة كبيرة؟ هل سيعود هؤلاء إلى منازلهم؟ الأكيد أنهم لن يتخلوا عن سلاحهم ومن المعقول أن السعودية وتركيا ستواصلان دعمهما لهم.

4 ــ على الصعيد التركى / الكردى، إذا جرى التوصل إلى لغة مشتركة بين أردوغان وترامب فمن المعقول ألا يعارض الأخير منطقة أمنية تركية على طول الحدود السورية ــ التركية داخل أراضى سوريا.

5 ــ بالنسبة إلى شمال شرق سوريا، فجنرالات الجيش الأمريكى سينصحون الرئيس بمواصلة القتال ضد تنظيم داعش ومساعدة الأكراد فى السيطرة على منطقة فى وسطها الحسكة حيث سيكون فى الإمكان إنشاء قيادة مركزية أمريكية والاحتفاظ بقوات وقواعد جوية ضرورية من أجل محاربة قوات تنظيم داعش، التى أثبتت أنها ما تزال حية وموجودة واستغلت انشغال الجميع بالمعارك فى حلب كى تسيطر من جديد على مناطق فى مدينة تدمر التاريخية.

إن الاختبار المباشر للرئيس ترامب سيكون فى المعركة على الرقة، عاصمة تنظيم داعش فى سوريا. وسيتعين عليه أن يقرر ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدفع بالقوات الكردية وقوات سورية الديمقراطية التى أنشأها الأمريكيون للسيطرة على المدينة قبل أن تفعل قوات الأسد ذلك، أم أنه سيسمح لقوات الأسد بالسيطرة على الرقة ــعلى افتراض أنهم مهتمون بذلك فى المرحلة الحالية ــ وتعزيز صورة الأسد كمحرر سوريا من يد تنظيم داعش وكمنتصر على الإرهاب السلفى ــ الجهادى.
فى هذا السياق من المهم القول إن توجهات الاستراتيجية السياسية لإدارة ترامب ليست واضحة فى هذه المرحلة.

وفيما يتعلق بإسرائيل، يزداد افتراض أنه بعد سقوط حلب ستحاول قوات الأسد بتشجيع من إيران وحزب الله، توجيه مجهودها نحو جنوب سوريا من أجل السيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين. فى مثل هذا الوضع سيدور قتال بالقرب من الحدود فى هضبة الجولان بمشاركة قوات إيرانية ومن حزب الله مع خطر كبير أن تنزلق الأحداث إلى داخل أراضى إسرائيل.

***
تدرس إسرائيل ما يحدث فى سوريا ضمن إطار إيرانى واسع، وهى تعتبر ذلك عنصر تهديد أساسيا ضد إسرائيل. لم ترتدع إيران عن إرسال قوات إيرانية وميليشيات شيعية خاضعة لها للقتال إلى جانب الأسد، وهى تقوم بنوع من تطهير إثنى سنى فى مناطق معينة فى سوريا من أجل تعزيز الجسر الشيعى من طهران إلى بيروت مرورا بسوريا. بناء على ذلك سيكون على إسرائيل إعادة درس سياستها القائمة على عدم التدخل فى الحرب فى سوريا لأنه سيكون من الصعب عليها القبول بوجود إيرانى أو فروع لهذا الوجود فى هضبة الجولان، وسيكون عليها وضع خطوط حمراء واضحة كما فعلت فى الماضى وتفرضها، لأنه من دون ذلك لا يمكنها التأثير على قواعد اللعبة فى منطقة كثيرة التقلبات.

فى الوقت ذاته يجب على إسرائيل مواصلة تقديم المساعدة المدنية ــ والغذاء والوقود وغيرها ــ إلى السكان السوريين فى هضبة الجولان بشرط ألا يسمح هذا لعناصر الإرهاب بالعمل ضد إسرائيل. وفى ضوء غياب حل شامل للحرب الأهلية فى سوريا، المطلوب البناء من «الأسفل نحو الأعلى» كما فهمت روسيا ذلك وتنفذه من خلال اتصالاتها مع زعماء الجماعات المحلية. كذلك يجب أن تفعل إسرائيل ما وراء الحدود فى جنوب سوريا وبخاصة فى هضبة الجولان، أى أن تقوم بدعم استقرار إقليمى محلى حتى لو يكن معروفا ماذا سيكون عليه الوضع النهائى العام فى سوريا.


أودى دِيكل
مباط عال
باحث بمعهد الأمن القومى
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved